مقتل السنوار.. هل انتصرت إسرائيل؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الأحد 20 أكتوبر 2024 2:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مقتل السنوار.. هل انتصرت إسرائيل؟

نشر فى : السبت 19 أكتوبر 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 19 أكتوبر 2024 - 8:05 م


يوم الخميس الماضى، أعلنت القوات الإسرائيلية بشكل رسمى عن تمكنها من قتل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس ومخطط الهجوم الكبير الذى وقع فى السابع من أكتوبر العام الماضى على جنوب إسرائيل، يحيى السنوار، وسريعا ما حاولت إدارة رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو استغلال الحدث للترويج لسردية انتصار إسرائيل على حماس فى الحرب المستعرة التى بدأت عامها الثانى منذ أيام قليلة.
فى الواقع، فلا شك من أن مقتل السنوار ومن قبله حسن نصر الله ومن قبلهما إسماعيل هنية شكل ضربات قوية لحركة حماس ولحزب الله، ولإيران، وبشكل عام لما يسمى بمحور المقاومة. ذلك لأنه فى مثل هذه المعارك فإن توجيه ضربة مباشرة منك إلى رأس العدو، تعد هزيمة كبيرة له. كذلك، فلا يمكن إنكار أن هذه الضربات جميعا شكلت نصرا معنويا على الأقل فى إسرائيل، ذلك أنه وفى خلال ١٠٠ يوم تقريبا تمكنت إسرائيل من قتل ألد أعدائها ولاحقتهم أينما كانوا (طهران، بيروت، غزة) لتثبت أن قواتها العسكرية المدعومة مخابراتيا تستطيع أن تطول المطلوبين لها فى أى مكان. كذلك فإن دولة مثل إسرائيل تدار بواسطة حكومة يمينية تستخدم منطق القوة دائما لإخضاع أعدائها، لابد وأن مثل هذه الانتصارات تدعم شرعيتها ليس فقط أمام من يؤيدها فى الداخل، ولكن أيضا أمام من يدعمها فى الخارج!
لكن الترويج لانتصار إسرائيل فى المعركة الدائرة حاليا ليس دقيقا! وهذا ليس من قبيل الترويج الدعائى من جانبى لحماس أو لحزب الله، ولا لرغبة منى فى رفع المعنويات المنهزمة لدى الكثير من العرب المؤيدين للقضية الفلسطينية، ولا هى كلمات لتطهير حركة حماس وحزب الله من الكثير من الموبقات والخطايا التى ارتكباها وطالت شعوبهما قبل أن تطول أعدائهما، ولكنه إقرار لحقيقة يعلمها الجانبان الإسرائيلى والأمريكى قبل غيرهما، تقول هذه الحقيقة ببساطة إنه حتى مع مقتل كل هؤلاء القادة، فلم تنتصر إسرائيل بعد فى حربها الدموية على غزة ولبنان.. لماذا؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك.
• • •
أولا: لأن إسرائيل بدأت هذه الحرب وهى منهزمة بالفعل! بعبارة أخرى فإنه ومن الناحية العسكرية والسياسية والاستراتيجية أو ما يطلق عليه المتخصصون (العوامل الجيوسياسية)، فيمكننا التمييز بين معركتين حربيتين مختلفتين وإن كانتا بالقطع مترابطتين: الأولى هى هجوم مقاتلى حماس المفاجئ على إسرائيل فى ٧ أكتوبر، وهى معركة استمرت عدة ساعات وقُتل فيها أكثر من ١٢٠٠ إسرائيلى وإسرائيلية بالإضافة إلى حصول حماس على المئات من الرهائن، أما المعركة الثانية فهى التى شنتها إسرائيل منذ مساء السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى اللحظة للانتقام من حماس وحزب الله، ومعهما بالطبع الانتقام من كل الشعب الفلسطينى!
فى المعركة الأولى حققت حماس نصرا قويا سواء من الناحية العسكرية أو من الناحية المعنوية، لكن فى المعركة الثانية، فقد حققت إسرائيل بعض الضربات الموجعة بالفعل، سواء بالانتقام العشوائى من السكان المدنيين فى غزة وسياسة العقاب الجماعى التى حتى وإن لم تصنف (بعد) كحرب إبادة فإنها بالتأكيد احتوت على جرائم حرب حقيقية بشكل يجعل نتنياهو وحكومته عصابة حرب مجرمة وآثمة وفقا للقوانين الدولية، أو بهدم غزة وجعلها مقبرة جماعية غير صالحة للعيش الآدمى. ومع ذلك، لم تحقق إسرائيل انتصارا فى هذه المعركة الثانية (على الأقل حتى الآن)، لأن الهدفين المعلنين للحرب من قبل نتنياهو (تدمير حركة حماس واستعادة كل الرهائن) بالإضافة إلى الهدف غير المعلن (استغلال هجوم السابع من أكتوبر للتخلص من القضية الفلسطينية على الأقل فى قطاع غزة وتصديرها لقوى إقليمية ودولية وفى مقدمتها مصر) لم يتحقق أى منهما!
لم تقضِ إسرائيل على حركة حماس، حتى وإن دمرت معظم إمكانياتها المسلحة، لأنه وبالإضافة إلى جناحها العسكرى، فلدى الحركة مكتبها السياسى القادر على التخطيط والمتابعة والتفاوض باسمها، وهو ما زال يعمل حتى اللحظة، بالإضافة إلى أيديولوجيتها التى تقوم على مبدأ أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وبناء عليه لا تعترف هذه الأيديولوجية بإسرائيل ولا بمفاوضات السلام، وتسعى لتحرير فلسطين من «نهر الأردن إلى البحر المتوسط».
حققت إسرائيل انتصارات كبيرة على الصعيد العسكرى لأنها كبدت الحركة خسائر عسكرية قوية بقتل أهم القيادات الحمساوية وبتدمير العديد من الأنفاق والمعدات، لكنها لم تقضِ لا على مكتب حماس السياسى ولا على أيديولوجيتها التى أصبحت رائجة بين الكثير من العرب والشعب الفلسطينى ربما أكثر من أى وقت مضى. كذلك فلم تستعد إسرائيل كل الرهائن، فحتى الآن استعادت البعض، وخسرت البعض الآخر الذى قُتل بالفعل سواء على يد أعضاء الحركة أو على يد الجيش الإسرائيلى نفسه.
أما الهدف غير المعلن – فى الحقيقة تم إعلانه بشكل أو بآخر من قبل وزراء حكومة نتنياهو الأقرب لرجال العصابات منهم لرجال السياسة - فلم يتحقق، ليس فقط لرفض الإدارة المصرية الحاسم لتفريغ غزة من أهلها تحت دعوى اللجوء السياسى أو التهجير المؤقت، ولكن لأن أقرب المقربين لإسرائيل وحليفتها التاريخية - الولايات المتحدة - أعلنت أيضا أنها مازالت ملتزمة بحل الدولتين وتعارض تهجير الشعب الفلسطينى!
• • •
بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل وحكومتها المنتشية بتوجيه الضربات لقادة حماس وحزب الله، تعلم جيدا أن مثل هذه المنظمات تستطيع التكيف مع مقتل قادتها سواء باختيار بديل معلن أو سرى، أو حتى بالتحرك على الأرض بدون قيادة موحدة والاكتفاء بالتنسيق مع أو بين القيادات الميدانية إلى حين!
لكن الأهم من هذا وذاك أن نتنياهو الذى يحاول تصدير صورة الانتصار للشعب الإسرائيلى، هو نفسه يعلم جيدا أنه بمقدار ما يمثل مقتل السنوار مكسبا دعائيا له وهزيمة معنوية لحماس، فإنه فى الوقت نفسه سيمثل ضغوطا عليه لإنهاء الحرب، وهو الأمر الذى سيحاول تجنبه بشتى الطرق فى الأيام القادمة، فبمجرد الإعلان عن مصير السنوار خرجت المسيرات الإسرائيلية فى شوارع تل أبيب لتطالبه بإنهاء الحرب، ورفعت إحدى المتظاهرات شعارا بالإنجليزية يقول «انتهى السنوار، فلننهِ الحرب إذا» وهو بالضبط الأمر الذى يخشى منه الزعيم الليكودى المتغطرس.
• • •
نتنياهو منذ السابع من أكتوبر هو بكل المعانى السياسية والعسكرية رجل عارٍ ولا يغطى عورته سوى ورقة توت الحرب الذى يحاول جاهدا إطالتها لأن إنهاء الحرب يعنى تعريته تماما ومحاسبته السياسية عن فشله المركب فى السابع من أكتوبر، ومن ثم تنتهى أسطورته تماما التى ارتبطت بشعارات جوفاء عن قوة إسرائيل وعظمة أجهزتها الأمنية! وهكذا ففى الأيام القليلة القادمة، سيبحث نتنياهو عن حجج جديدة لإطالة أمد الحرب، إما بالإعلان عن أهداف جديدة للحرب وهو الأمر الذى شرع فيه بالفعل فور مقتل السنوار حيث خرج ليعلن أن الحرب لن تنتهى حتى استعادة الأسرى والتأكد من أن حماس لن تحكم غزة مجددا، أو بفتح جبهات أخرى للقتال، وربما يكون هجومه المنتظر على إيران هو الجبهة الجديدة التى سيقوم بالشروع فيها الفترة القادمة حتى يظل متمسكا بورقة التوت هذه!
الأيام القادمة حاسمة، بالنسبة لنتنياهو وكذلك لحماس، فإما أن تكمل إسرائيل المعركة وتتمكن بالفعل من تحرير الرهائن أحياء ثم القضاء على حماس عسكريا ووضع خريطة سياسية وعسكرية جديدة لإدارة القطاع المدمر، وإما أن يتسبب مقتل السنوار فى انقلاب الوضع عليها، وسط سيناريو قد يكون كارثيا على نتنياهو يؤدى إلى مقتل كل الرهائن أو معظمهم، أو أن تستطيع حماس وحزب الله إعادة لملمة أوراقهما المبعثرة والرد بقوة على إسرائيل، السيناريو الأول ربما يكون الأقرب للحدوث، لكن لا يمكن استبعاد السيناريو الثانى تماما وستجيب الأيام القادمة عن طريقة سير المعركة ونتائجها النهائية.

 

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر