عن مطالبات «عودة» الجيش - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 7:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مطالبات «عودة» الجيش

نشر فى : الجمعة 8 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 مارس 2013 - 8:00 ص

المطالبات المتكررة خلال الأسابيع الماضية بتدخل الجيش ضد الرئيس وتوليه الحكم، والتى خرج بعضها من قبل أطراف سياسية محسوبة على «الثورة» و«القوى المدنية» تبدو الاستجابة لها بعيدة، بيد أنها ــ مع ذلك ــ تكشف فشل الأطراف الموجودة فى الحكم وإفلاس المعارضين الداعين للتدخل، على نحو يستحق التأمل والدراسة.

•••

تدخل الجيش مستبعد لعدم وجود مصلحة له فى تصدر مشهد سياسى محتدم يمتلئ بالقوى الاجتماعية الغاضبة، والتى يحمل بعضها (كالألتراس، والعديد من التجمعات الثورية) عداء للسلطة العسكرية بسبب الشهداء الذين سقطوا خلال توليها الحكم، وبسبب قيامها خلالها باحتواء المد الثورى (أو بالأحرى محاولة ذلك)، والجيش يدرك أن تصدره المشهد فى السنتين الماضيتين أفقده الكثير من الحصانة والشرعية «الأسطورية» التى تحوزها جيوش ما بعد الاستقلال، ثم وضعه الآن أفضل منه لو تدخل؛ فهو بعيد عن انتقادات صدارة المشهد، ومصالح المؤسسة وكبار ضباطها ــ مع ذلك ــ محفوظة بنصوص دستورية غير ديمقراطية تحد من السيادة المدنية على الجيش، وتمنع الرقابة الفعلية على الأنشطة الاقتصادية غير العسكرية للجيش وكيفية توزيع عوائدها، ويتمتع بصلاحيات كبيرة فى رسم السياسات الخارجية، إضافة للقوة الواقعية بوجود الضباط «السابقين» فى الكثير من المفاصل الحيوية للدولة.

 

وثمة أسباب أخرى تجعل خيار تدخل الجيش مستبعدا، منها خطورة تدخله ضد رئيس يحميه تنظيم، فى ظرف ثورى يتبادر فيه خيار اللجوء للشارع حتى من تنظيم الرئيس ذى الطبيعة المحافظة، وهو ما قد يؤدى لاقتتال داخلى، وانهيار شامل لما تبقى من «الدولة المصرية»، وإنتاج حالة من الفوضى يتخطى رفضها الأطراف الأقوى فى المشهد المحلى للأطراف الإقليمية والدولية التى يشكل ذلك تهديدا مباشرا لمصالحها الاقتصادية والأمنية.

 

•••

ومطالبات عودة الجيش ــ مع ذلك ــ تكشف عن مشكلات جمة فى مواقف جل الأطراف السياسية المؤثرة، فأنصار الرئيس الذين تجاهلوا من قبل مطالبات إيجاد بنية تشريعية تضمن تبعية المؤسسة العسكرية للقرار السياسى مع التزامها المهنية وعدم تجاوزها حدود اختصاصاتها، واعتبروا أن الرئيس حقق «إنجازا غير مسبوق بإنهاء حكم عسكرى استمر ستين سنة» عندما أقال بعض القيادات العسكرية فى أغسطس الماضى، ولم يلتفتوا كثيرا للنقد القائل بأن ذلك إنما كان تضحية ببعض الأفراد مقابل الحفاظ على نفوذ المؤسسة العسكرية بمنحها المزيد من الصلاحيات وتحصينها من الرقابة المدنية (كما ظهر فى مواد الدستور)، صاروا فى حاجة لإعادة النظر فى تلك الدعاوى، إذ أظهر موقف الرئاسة إزاء العسكر فى الأحداث الأخيرة عدم تبعيتهم لإرادته، وأن استراتيجيته لإحكام سيادة المنتخبين ليست بالنجاح الذى يصوره أنصاره، وأنها قامت على حسابات خاطئة، وأن المساهمة فى تمكينهم لا تؤدى لاستقرار حكمه بقدر ما تؤدى لتمدد نفوذهم على نحو يقوض صلاحياته ويحد من حركته.  

 

وجاءت مطالبة بعض القوى «المدنية» و«الثورية» بعودة الجيش(!!)، بعد أسابيع من انتقادها ــ عند مناقشة الدستور ــ «الوضع المميز للعسكر»، وتنديدها بالتحالف الإخوانى ــ العسكرى، موحيا أن سبب التنديد لم يكن نفس وجود هذا النوع من التحالف، وإنما أنها لم تكن أحد طرفيه، وتزامن هذا مع إعلان بعض هذه الأطراف مقاطعتها الانتخابات البرلمانية، واعتبارها ذلك خيارا «أخلاقيا» لا سياسيا يحتاج لأن يشفع باستراتيجية بديلة للتغيير، يدل على إفلاسها السياسى، واعتمادها استراتيجية للتغيير تستند لا على الفعل الثورى الجماهيرى، أو السياسى الديمقراطى، أو خليط منهما، وإنما على محاولة سحب شرعية من النظام الحالى، لا لصالح الجماهير أو أحزاب بديلة كما ينبغى أن يكون، وإنما لصالح العسكر.

 

وتلك مسألة غاية فى الخطورة؛ إذ يبدو أن إفلاس الساحة يضيق البدائل على نحو يسمح بإعادة إنتاج نظام مبارك بمؤسساته وأشخاصه، فتحول وعود «النهضة» التى حملها الحكام لسراب، وقصرهم «التغيير» على بعض الأفراد بعيدا عن هياكل وسياسات الدولة، واستمرار عجزهم عن إدارة جهاز الدولة على نحو يوفر الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، وفشلهم فى الإنجاز على الأصعدة الثورية (القصاص، العدالة الاجتماعية، إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية) من جهة، وقصر جل المعارضة مشروعها على نقد الحكام بغير تقديم بديل على المستوى البرامجى ولا الحركى (جل أنشطتها مركزة فى العاصمة، بل فى فنادقها، من غير جهد حقيقى لبناء بدائل ممتدة جغرافيا ومتماسكة فكريا) من جهة أخرى، يساهم فى كفر الناس بمشروع «التغيير» الذى ترتفع بالوقت كلفته، ويزيد انفصاله عن الشارع (بانشغاله بقضايا لا تعنى عموم الناس)، وذلك كله يجعل بديل «الدولة القديمة» أكثر إغراء لبعض الفئات الاجتماعية (خاصة رجال الأعمال ومهنيى الطبقة المتوسطة) من ذى قبل، وهذه الدولة تتمثل فى هذا المشهد فى الجيش.

 

والأطراف الداعية لعودة الجيش، إن كانت «أحزابا سياسية» بحق، تقع عليها مسئولية تقديم بدائل لفشل الحكام، وطرحها على الجماهير فى الانتخابات، مع استمرار دعمها لخط النضال الثورى الباحث عن الحقوق المسلوبة (الجنائية والاقتصادية)، لا الانسحاب من ذلك كله ثم دعوة العسكريين للتدخل نيابة عنهم.

 

•••

العودة لنظام مبارك ليست مطروحة لأن التأريخ لا يسير للخلف، ولأن ركنها الركين الذى قامت عليه (ثقافة الخوف) قد انهار، ولأن ما تبقى من قوة الدولة الباطشة صار يستفز (كما فى أحداث الاتحادية والمنصورة) أو يدعو للسخرية (كما فى فرض حظر التجول على مدن القناة) أكثر مما يخيف، ولكن قبول الساسة المحسوبين على الثورة ــ حكاما ومعارضة ــ بالتحالف مع ما تبقى من نظام مبارك، وتبادلهم فى اللجوء إليه، وتقاعسهم عن تقديم سياسات وحلول للمشكلات الحالة، يأكل من البون الفاصل عنه، ويهدد مصالح هؤلاء الساسة من جميع الأطراف، لا بالتهديد الأمنى المتعلق بعودة نظام مبارك، وإنما بالغضب الجماهيرى الذى سيأكل اليابس والأخضر بسبب تآكل شرعية «الدولة» و«النظام السياسى» برمته لدى فئات غير قليلة من المصريين، سترفض كل الخيارات بما فيها محاولات العودة للماضى.

التعليقات