تمثال رخام .. عا الترعة وأوبرا.. فى دمنهور - حسن المستكاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تمثال رخام .. عا الترعة وأوبرا.. فى دمنهور

نشر فى : الجمعة 8 مايو 2009 - 6:04 م | آخر تحديث : الجمعة 8 مايو 2009 - 6:04 م

 كانت الأرض الفضاء التى تقع أمام المركز الأوليمبى بالمعادى قد تحولت بمرور الزمن إلى مرتع للثعابين والقوارض، إلى ساحة ترعى فيها الأغنام والمعيز.. وكنا نتساءل: متى نعيش اليوم الذى تتحول فيها تلك الأرض إلى حديقة أو مجموعة من الملاعب من أجل شباب المنطقة وسكانها.. فمن حقهم أن ينعموا بملامح من الجمال أو ما بقى منه فى مجتمعنا؟

بعد فترة علمنا بقرار يقضى بتحويل الأرض إلى مكتبة عامة، وبالفعل بعد سنوات عمل بهمة ونشاط حظيت المعادى بمركز ثقافى وتنويرى..

وكان وراء هذا العمل الجميل السيدة الفاضلة سوزان مبارك، وهى التى حملت راية نشر المكتبات فى ربوع ومدن وقرى ومحافظات، وهى التى اعتبرت ترسيخ عادة القراءة رسالتها، لأن شعوبا لا تقرأ، هى شعوب لا تريد أن تعرف.

وحب المعرفة يرتبط ــ بالطبع ــ بالتعليم والثقافة. من يتابع حركة النشر وحركة القراءة لن يصدق أن المواطن المصرى يقبل على الكتاب، ويحرص على القراءة بنهم، ولن أنسى مشهد الطابور الطويل من المصريين الذى وقف فى انتظار الفوز بتوقيع الكاتب البرازيلى الشهير باولو كويليو حين زار القاهرة بمناسبة نشر كتبه..

فالمصريون يقفون فى طوابير من أجل الزيت والسكر والخبز، ويقفون أيضا فى طوابير من أجل الفوز بتوقيع كاتب برازيلى.

والإنجليز والألمان والفرنسيون وغيرهم يفعلون ذلك من أجل كاتب وكتاب، ولا يفعلونه طبعا من أجل زيت وسكر؟!.

وبغض النظر عن أن كل مكتبة فى كل موقع يطلق عليها مكتبة مبارك العامة، ولا أعتقد أن الرئيس طلب ذلك أو أنه يحب ذلك، فإن تلك المكتبات تعد من أهم إنجازات السيدة سوزان مبارك، بجانب فكرة القراءة للجميع.

وهى التى سمحت لملايين المصريين بترف شراء أمهات الكتب وقراءتها لأسعارها الرمزية.. ومن أسف أن يرى بعض الناس تلك الكلمات نفاقا أو تذلفا، ومحاولة للتسلق، بعد أن أصبحت كلمة التقدير لأى مسئول فى البلد غير صادقة لأننا فى محيط تعصف بها أمواج النفاق والمنافقين!.

لكنى عندما قرأت خبر قيام السيدة سوزان مبارك بافتتاح أوبرا دمنهور بعد ترميمها، بقرار من الرئيس مبارك، شعرت بسعادة غامرة، فمن جهة كانت تلك واحدة من أحلام ثورة يوليو الاشتراكية التى ترجمها صلاح جاهين فى أغنية لعبدالحليم حافظ: «تمثال رخام عا الترعة وأبرا»..

كان ذلك فى عصر وزمن عبدالناصر، زمن الأحلام والثورة، والمعارك الاشتراكية، المهم أنى شعرت بسعادة غامرة، وأنا لا أحب الأوبرا، ولا أطيقها، ولا أفهمها، ولا أهضمها، لكنى شعرت بسعادة غامرة أن تهتم مصر الجمهورية بإحياء رمز ثقافى يشير إلى الملك فؤاد، وأن تهتم مصر الجمهورية بأن يكون فى كل محافظة مركز للإشعاع والتنوير.

فمصر الجمهورية تمزج هنا بين الأشياء، بين كل الأشياء، فالرئيس يسافر إلى محافظات لافتتاح مشروعات للمياه والصحة والتعليم، ويفتتح عشرات المصانع هنا وهناك، فلماذا لا تقرأ مصر وتشاهد الأوبرا كما تأكل.. وكما تصنع.. والثقافة غذاء للعقل والخبز غذاء للبطن.. هل هذا كثير علينا.. لماذا يراه البعض كثيرا وترفا؟!

لقد كانت أوروبا فى القرن الثامن عشر قارة بغضاء محتدمة تعيش حالات حرب بين دولها. حرب بين فرنسا وإنجلترا. حرب بين فرنسا والنمسا. حرب بين البرتغال وإسبانيا. حرب بين السويد والدنمارك. حرب حلف أوجسبرج. حرب الوراثة الإسبانية.. ما من قيراط أرض واحد إلا كان محل نزاع من قرون..

عاشت القارة العجوز سنوات من الفساد والظلام.. والجهل والتخلف ثم خرجت من كل هذا بالفكر الجديد والتفكير العقلى بقيادة الفلاسفة.. خرجت أوروبا من الظلام إلى النور بالعمل وبالبحث وبالتعليم والتعلم والفن والثقافة..


كانت الجمعية الملكية فى إنجلترا تحظى بإعجاب الأوروبيين لاهتمام أعضائها الحكماء بتقدم العلوم والفنون ولاختراعهم ألات خاصة.. كان الهولنديون يتميزون بعلماء الطبيعة والنبات ويتسابقون فى العمل..

وكان الإيطاليون فى مجمع سيمنتو بفلورنسا يجعلون كل ظاهرة طبيعية موضع بحث: لماذا يوجد دود فى الفواكه؟ لماذا تضىء السمكة فى الماء؟.. لماذا تعصف الرياح؟.. وأخذوا يصنعون الأدوات ويقومون بالتجارب، وظهر علماء فى كل مجال فى كل دولة فى أوروبا.. وتلك أمور تحقق النهضة فى أى مجال.. ودون العلوم والفنون والبحوث والسعى وراء كل جديد لن تنهض مصر!.

وفى مطلع القرن العشرين كانت مصر فخورة بحركتها الوطنية وكفاحها، وتواصل رسالتها حاملة لواء العلم والحضارة والثقافة وكان عدد سكانها 11 مليونا، وعدد سكان القاهرة أقل من 700 ألف، وكانت القاهرة هى عاصمة النور فى الشرق، تجذب الأجانب، الذين وصل عددهم إلى 30 ألف شخص.

كان هذا حال مصر قبل مائة عام.. وقد اهتم الملك فؤاد ببناء المراكز الثقافية فى العديد من المحافظات.. ولأننا أهملنا فكرة الثقافة والتنوير وأغرقنا الناس فى البحث عن السكر والزيت والعيش أصبحنا شعبا لا يفكر إلا فى غذاء البطن، ونسينا الغذاء الذى يحقق النهضة بحق!.

حسن المستكاوي كاتب صحفي بارز وناقد رياضي لامع يعد قلمه وكتاباته علامة حقيقية من علامات النقد الرياضي على الصعيد العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة ، واشتهر بكتاباته القيمة والرشيقة في مقالته اليومية بالأهرام على مدى سنوات طويلة تحت عنوان ولنا ملاحظة ، كما أنه محلل متميز للمباريات الرياضية والأحداث البارزة في عالم الرياضة ، وله أيضا كتابات أخرى خارج إطار الرياضة ، وهو أيضا مقدم برنامج صالون المستكاوي في قناة مودرن سبورت ، وهو أيضا نجل شيخ النقاد الرياضيين ، الراحل نجيب المستكاوي.