** فى مطلع الخسمينيات كانت كرة القدم الإنجليزية تعتقد أنها إمبراطورية لن تغيب عنها الشمس، ولكن فى 25 نوفمبر 1953، جاء منتخب المجر بقيادة فيرينك بوشكاش وجوزيف بوزيك وساندور كوتشيش إلى ملعب إمباير، كما كان يُعرف ملعب ويمبلى، ولعبوا ما وصفه مديرهم جوستاف سيبيس بـ«كرة قدم اشتراكية»، وفازوا بنتيجة 6 ــ 3، وكانت تلك أول هزيمة تصاب بها إنجلترا على الإطلاق أمام منافس أوروبى قارى. وكان عنوان كل من صحيفة ميرور وصحيفة تيليجراف فى اليوم التالى «غروب إمبراطورية كرة القدم»
** لم تتمكن إنجلترا من التعامل مع تحركات المهاجمين المجريين حول المهاجم العميق ناندور هيديكوتى. وفى مايو التالى خسرت إنجلترا 7/1 فى بودابست. وحين توقع الجميع فوز المجر بكأس العالم عام 1954 فإذا بها تخسر المباراة النهائية أمام ألمانيا فيما وصف بمعجزة بيرن، وكانت تلك هزيمتها الوحيدة فى 51 مباراة. وبعدها سقطت إمبراطورية الكرة المجرية وغابت.
** تلك مقدمة للسؤال الدائر والحائر فى أوساط الكرة الإنجليزية الآن: هل تغيب إمبراطورية مانشستر سيتى بعد انتصارات فريقها المتتالية بقيادة العبقرى بيب جوراديولا الذى عانى من خمس هزائم متتالية؟
** بالنسبة للإمبراطوريات فى تاريخ الدول والشعوب، فإنها تبدو مماثلة للإمبراطوريات فى تاريخ كرة القدم. كما يقول جوناثان ويلسون فى صحيفة الجارديان البريطانية، إذ تأتى النهاية أولاً تدريجيًا ثم دفعة واحدة، ولأن جوارديولا عبقرى بما فيه الكفاية ومانشستر سيتى غنى بما يكفى فإن العلاج السريع محتمل.
** صحيح أنه وسط سلسلة من الإصابات والإرهاق، وبغياب رودرى أحسن لاعب وسط فى العالم يبدأ مهام الدفاع لفريقه ثم غياب بديله ماتيو كوفاسيتش. ومع ذلك كان بإمكان مانشستر سيتى الفوز بأى من تلك المباريات الخمس الأخيرة. فأمام توتنهام سدد لاعبو السيتى 23 تسديدة مقابل تسع تسديدات لتوتنهام وكان بإمكانهم الفوز بسهولة من خلال تسديدات إيرلينج هالاند وحدها.
** استخدم توتنهام حيلة، يمكن أن تراها أيضا فى الدورى المصرى، حين تواجه بعض الفرق الأهلى أو الزمالك، فقد أدرك توتنهام كما أدرك برايتون قبل أسبوعين، أنه إذا تمكن من الصمود فى الهجوم المبكر الشرس الذى ستعلنه كتيبة السيتى، فستكون هناك فرص لهجمات مضادة يمكن استغلالها. وهذا بالمناسبة ما حدث فى مباراة توتنهام التى فتحت الحديث عن إمبراطورية السيتى. لكن كرة القدم لم تعد كما كانت، يحتل سماءها فريق عظيم لسنوات ثم يختفى. فالتطور أصبح أسرع وأعمق والإصلاح لا ينتظر الانهيار، وخسارة بطولة لا تعنى خسارة كل البطولات، فما دمت تملك الأجهزة الفنية بخبراتها، والمهارات والمواهب والقدرات المالية القادرة على سد الثغرات سريعا يمكن أن تدور عجلة الإمبراطورية.. وهنا درسان فى تاريخ اللعبة. الأول درس إمبراطورية السامبا التى غابت عنها الشمس منذ 2002 ولم تتعلم ولم تملك القدرة على التغيير والمزج بين المهارات الفردية وبين الأداء الجماعى بأسلحة القوة والضغط والدفاع والاستخلاص، والدرس الثانى كان من مدرسة الكرة الإسبانية.
** قبل بطولة كأس العالم عام 2014 فى البرازيل كانت إسبانيا سيدة اللعبة فى تلك الفترة. فهى بطلة كأس العالم 2010، وبطلة أوروبا 2012 تساءل الصحفى الإنجليزى جريمى ماكفريسون، بصحيفة الهيرالد البريطانية: هل يمكن إيقاف أسطول الأرمادا الإسبانية على شواطئ البرازيل عام 2014؟!
** وكانت نتائج منتخب إسبانيا على شواطئ البرازيل شبيهة بما جرى لفخر البحرية الإسبانية فى القرن السادس عشر. خسر الفريق أمام هولندا 1/5 وخسر أمام تشيلى صفر / 2 ، وفاز على أستراليا 3/ صفر، و«صيف» مبكرا وخرج من الدور الأول للبطولة.. وغاب منتخب إسبانيا حتى عاد وأصبح بطلا لأوروبا فى 2024.. عاد بعد 10 سنوات، لكن لا يملك مانشستر سيتى ترف الانتظار حقبة كاملة الآن كى يعود، وتحديد الأهداف وتجديدها باتت مسئولية إدارته، وتطوير وتغيير أساليب اللعب أصبح من مسئولية جوراديولا، ففى الهزائم الخمس الكثير من الدروس، ومعالجتها ستساهم فى عودة الإمبراطورية إلى دائرة القمة قبل دائرة النسيان كما حدث للمجر وهولندا وإيطاليا أو للبرازيل التى كانت فى كرة القدم مثل فرقة البولشوى الروسية فى فنون الباليه؟!