أكثر المستفيدين من خروج منتخب الشباب من كأس العالم على الطريقة الكوستاريكية اثنان، حرب أكتوبر، ثم أجدادنا الفراعنة.. أقول لك كيف.
نبتذل معانى انتصار أكتوبر العظيم ونهين ذكرى العبور حين نقحمه عنوة فى معارك صغيرة وقضايا تافهة من عينة مباريات منتخب بوجى وطمطم أو منافسة على لقب مطرب الشباب أو ما إلى ذلك من أمور نتلهى بها أو يراد إلهاؤنا بها عن مشاكلنا وقضايانا الحقيقية.
بداية ليس لدى أية نوازع لاحتقار أو تسفيه رياضة كرة القدم، لكن أزعم أنه من العار على بلد فى حجم مصر أن تختصر معاركه وانتصاراته إلى فوز بمباراة أو بطولة مهما كان حجمها، وأن يصبح معيار عظمتنا ووجودنا على خارطة العالم أننا بلغنا ربع نهائى أو حتى فزنا بمسابقة فى كرة القدم.
اليابان بكل عظمتها وقوتها التى لا يشكك فيها أحد ليست واحدة من القوى الكبرى فى كرة القدم،وكذلك الصين أقوى الأقوياء الآن ومستقبلا ليس لها إنجاز مهم أو إسهام كبير فى تاريخ كرة القدم، حتى حين نظمت الصين أعظم دورة أوليمبية فى التاريخ وفازت بها لم نسمع أو نر فى وسائل الإعلام الصينية من يتحدث عن تحقيق الانتصار بقوة تاريخ أجدادهم المغول، ولم يعتبروا أنهم أمة منتصرة فراحوا يتعاطون أفيون التغنى بمنجزات الأجداد الأوائل، بل واصلوا معركتهم الحقيقية فى إيجاد صناعة صينية محترمة وثورة تكنولوجية هائلة ينافسون بها العالم ويتفوقون ويحققون معدلات نمو أسطورية.
حتى البرازيل القوة الكروية الأولى فى العالم لم تتعامل مع منجزها الكروى على أنه الإسهام الحقيقى فى الحضارة العالمية، ولم تعتبر فوز ريو دى جانيرو بتنظيم الأوليمبياد المقبل دليلا على أنها الدولة الأعظم والأقوى فى العالم ولم تضع رأسها على وسادة أمجادها الكروية وتنام، بل اشتغلت بجد وصنعت تنمية حقيقية وصارت واحدة من الدول الصناعية المحترمة.
وكما ابتذلنا النصر و«طلعنا روح أكتوبر» نفعل الشىء نفسه مع الأجداد الفراعنة لدرجة أننا صرنا نطلق على كل فرن بلدى نفتتحه اسم هرم جديد يضاف إلى سلسلة أهرامات مصر العظيمة، وتحولنا إلى بلد لا شغل له ولا شاغل إلا بناء الأهرامات الوهمية.. وهذه مفارقة عجيبة أخرى ذلك أن البلد الذى يبنى كل يوم هرما هو ذاته صاحب الرصيد الأكبر من الانهيارات، انهيارات فى المبانى وفى الاقتصاد وفى القيم والأخلاق.
ولعل منتهى الإساءة لنصر أكتوبر والفراعنة معا ما جرى فى مباراة كوستاريكا التى خضناها على أنها معركة ولم يخجل البعض وهم يستخدمون موعد إقامتها فى السادس من أكتوبر للربط الساذج بينها وبين معركة 1973، وأجزم أننا لو كنا فزنا بها لكانت عناوين الصحف المصرية «أمس الأربعاء» تتحدث عن عبور مصرى جديد حققه جنود مصر البواسل من عينة «عفروتو وبوجى وطمطم».
ليت مصر الرسمية تبحث لها عن معركة حقيقية وجادة تحشد الشعب حولها وتستغل هذه العواطف الوطنية الجامحة فى خوضها، وأمامها الكثير يمكنها أن تحول اهتمامها إليه، بدلا من منتخب الساجدين ومنتخب سكوب، يمكنها مثلا أن توجه قواها الحية إلى معركة الضبعة وستجد 80 مليون مشجع، شريطة أن تظهر لهم أنها جادة وراغبة حقا فى أن تكون قوية وموجودة فى سجل الحاضر والمستقبل بدلا من هروبها واختبائها المستمر فى كتاب التاريخ البعيد.. البعيد جدا، فهل تجرؤ على القرار؟
wquandil@shorouknews.com