الدورة الـ29 لمؤتمر الأطراف للتغيير المناخى.. منطقتنا العربية ما بين الحرب والاقتصاد الأخضر - عمر سمير - بوابة الشروق
السبت 9 نوفمبر 2024 3:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدورة الـ29 لمؤتمر الأطراف للتغيير المناخى.. منطقتنا العربية ما بين الحرب والاقتصاد الأخضر

نشر فى : الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 7:05 م


ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2024 أو مؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المعروف بمؤتمر الأطراف كوب 29، فى باكو فى أذربيجان. بين ١١ و٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤، فى ظل المنجزات المحدودة على أهميتها للقمتين السابقتين اللتين انعقدتا بالمنطقة العربية، وأهمها صندوق التعويض عن الأضرار والخسائر الذى جرى إقراره فى قمة شرم الشيخ وبدأ تفعيله بقمة دبى، وإن بمساهمات ضعيفة جدا، فإن مناقشة موضوع المناخ والاقتصاد الأخضر فى منطقتنا العربية يعد موضوعا شديد الأهمية على الأجندة الإقليمية، فى ظل كون منطقتنا ضمن المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية وما يتخذ من سياسات لتمويل جهود مواجهة آثار تلك التغيرات سواء بالتكيف معها أو التخفيف من أضرارها.
ضمن المجهودات البحثية الممتدة لمنتدى البدائل العربى للدراسات فى بيروت، تأتى ورقة «الاقتصاد الأخضر ومصادر تمويله أية علاقة بالاقتصاد البديل والعدالة الاجتماعية؟»، وبطبيعة الحال فإن منطق العديد من أوراق المنتدى هو البحث فى أطروحات الاقتصاد البديل والعدالة الاجتماعية وأبعادها البيئية التى تهدف لتجاوز سلبيات الوضع الاقتصادى الراهن، وفى القلب من هذه البدائل يكون البحث عن مصادر تمويل سياسات التوجه نحو الاقتصاد الأخضر لتوفير بدائل للاقتصادات العربية عن وضع التبعية التمويلية والاقتصادية للغرب والمؤسسات المالية الدولية التى لطالما ساهمت سياساتها فى إفقار المنطقة واستتباعها سياسيا واقتصاديا وها هى تفعل الشىء نفسه فى السياسات البيئية والمناخية.
وبعيدا عن الأطروحات النيوليبرالية للبنك الدولى والصندوق تركز منظمة العمل الدولية فى تعريفها للاقتصاد الأخضر على التحول العادل، وتقر بأنه مع اعتماد الاقتصادات بشكل بالغ على الوقود الأحفورى، يواجه العالم وتواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديًا مزدوجًا يتمثّل فى تنويع التدفقات الاقتصادية وإدارة الآثار الاجتماعية والاقتصادية على العمال والمجتمعات المتضررة، ومن ثم تدفع باتجاه الانتقال العادل نحو الاقتصاد الأخضر مع ضرورة الحفاظ على قدرة الاقتصادات على توليد العمل اللائق. وتتبنى المنظمة هذا المنظور كجزء من مهمتها للتكيف مع موجات التحول الأخضر فى مواجهة المؤسسات التى تركز على السوق والطاقة والتمويل عبر المشروعات الرأسمالية التى تعتمد توسعا مفرطا فى الاعتماد على التكنولوجيا فقط.
• • •
تشمل مصادر تمويل الاقتصاد الأخضر التى يطرحها النموذج الاقتصادى السائد عالميا الاستثمار الحكومى فى المشاريع البيئية وأدوات التحفيز المالى مثل تسعير الكربون وضرائب الكربون وإنشاء بورصات للكربون، لكنه يحتوى على تحايلات كبيرة قد ترقى للغسيل الأخضر، كما تشمل استثمار الشركات والبنوك وصناديق الاستثمار الخاصة وما تطرحه المنظمات المالية الدولية والتعهدات المالية الدولية فى إطار اتفاقيات المناخ والتى هى عند حدود ١٠٠ مليار دولار طرحت منذ اتفاق باريس ولم نصل إليها إلا بحلول عام ٢٠٢٢ وهى نقطة فى بحر الاحتياجات المناخية الفعلية التى تقدرها بعض الدراسات الغربية بحوالى ١-٢ تريليون دولار أى أنها أكثر من ١٠-٢٠ ضعف التعهدات الحالية.
ومن ضمن ما يطرح النظام الحالى ما يسمى أدوات الابتكار المالى التى تشمل السندات والصكوك الخضراء، ومن بين ما قيمته ٢٨٩ مليار دولار من السندات الخضراء التى جرى إصدارها فى العام الجارى ٢٠٢٤ وحتى ١٠ مايو فإن ما قيمته ١٨.٢ مليار دولار فقط حصلت على شهادة معتمدة باعتبارها خضراء وفق مبادرة سندات المناخ، وللأسف الشديد فهى أدوات دين على غرار السندات التقليدية، لكن مع فارق أنه يفترض أن يتم تخصيص العائدات لأغراض مفيدة بيئيا، وتتضمن عملية واعدة من تحويل المليارات إلى تريليونات كما تشير بعض الدراسات إذ إن قواعد إصدارها طوعية من حيث الالتزامات.
يرتبط الاهتمام بالاقتصاد الأخضر بمنطقتنا بالسندات الخضراء وتمويل مشروعات الهيدروجين الأخضر والأزرق كثيرا مع تركيز على التصدير الذى يشكل أكثر من النصف، أى إنه اقتصاد أخضر تصديرى، فلأجل من تتخذ تلك السياسات فى ظل انقطاع التيار الكهربائى عن أجزاء من بلداننا فى الصيف؟ وتسيطر الإمارات والسعودية على أكثر من ثلاثة أرباع سوق الإصدارات السنوية الخضراء والمستدامة بالمنطقة مع اهتمام مصرى واسع بخطط الاستثمار فى الهيدروجين الأخضر، ولا تزال هناك دراسات تحذر من آثاره وأضراره البيئية والاقتصادية.
• • •
إذا كنا نبحث عن العدالة فى التحول وفى مراحل الوصول للأهداف المناخية العالمية، عدالة توزيعية بين الشمال والجنوب وتصحيحية وتمويلية تضمن توزيعا عادلا بين التكيف والتخفيف، بحيث يتحمل المسئولون عن الكوارث البيئية بشكل أكبر، وعدالة فى الأدوات فلا ينبغى أن تطرح أدوات الدين الجديدة باسم السندات الخضراء كمخلص للبيئة فيما تثقل بلداننا بمزيد من الديون وفوائدها وتبعدها عن توفير أية مخصصات جادة لتغيير الأوضاع فى قطاعات الصحة والتعليم والسكن وغيرها من حقوق اقتصادية واجتماعية للمواطنين، بل وتضطر حكوماتنا للاقتصاد فيها والاقتطاع منها لصالح فوائد وأقساط تلك الديون التى تكبل اقتصاداتنا.
هناك حاجة لتعظيم منجزات القمم السابقة وأهمها ما أقر فى كوب ٢٧ فى شرم الشيخ من إنشاء صندوق التعويض عن الخسائر والأضرار كأحد آليات تحقيق بعض من العدالة فى توزيع الأعباء المناخية وتمويل التوجه نحو اقتصاد أخضر أقل انبعاثات وأكثر استدامة ويجب أن يكون التوافق العالمى على التحول عن الوقود الأحفورى فى أنظمة الطاقة، الذى جرى التأكيد عليه بقمة دبى ضمن الأهداف الأخرى المتوافقة مع الهدف العالمى بالتخلص التدريجى السريع والعادل والكامل والممول، على أجندة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ كوب ٢٩، لكن مرة أخرى تنعقد القمة بدولة نفطية ذات مصالح كبرى فى استمرار الأوضاع على ما هى عليه مما يشكك فى الاقتراب من تحقيق أهداف التوافقات العالمية السابقة أو تسريع وتيرة تنفيذ ما اتفق عليه من سياسات، أو حماية البلدان الأشد تهميشًا التى غالبًا ما تعانى من أسوأ الآثار.
هناك حاجة لإلزام الدول الصناعية الكبرى بتعهدات مناخية أكبر سواء عبر مبادلة الديون أو مضاعفة الالتزامات المناخية للاقتراب من المطلوب فعليا وهذا يتطلب تحالفا للدول النامية الأكثر تضررا وبالطبع ستصطف الصين والدول النفطية مع الدول الصناعية الكبرى لأية محاولة من هذا النوع، ولكن يتراكم الوعى بالبدائل والنقد للنماذج الحالية، وتشير دراسة عن تعويضات مستحقة عن الخسائر والأضرار إلى أن خمسة بلدان فى الشمال العالمى يمكن أن تكون مسئولة عن دفع ما مجموعه١٧٠ تريليون دولار كتعويض أو تعويضات لضمان تحقيق أهداف تغير المناخ بحلول عام 2050 وفقا لتقدير للالتزامات العادلة المفترضة وبتقديرات إحصائية دقيقة، ومثل هذه الدراسات ينبغى استخدامها للدفع باتجاه مضاعفة التعويضات الهزيلة الحالية.
نحتاج وكجزء من سياسات اقتصادية بديلة تفعيل شبكة التمويل الأخضر والمستدام فى الدول العربية، التى أطلقها صندوق النقد العربى وإلى الدفع باتجاه مزيد من السندات الاجتماعية وإلى مبادرات بديلة كما نحتاج لمتابعة وتدقيق السندات الخضراء والاستثمارات الخضراء والتمويل الأخضر بمنطقتنا وتأثيراتها على البطالة والفقر والتفاوت والمؤشرات الاجتماعية الأخرى.
كما أن هناك حاجة عربية لتحركات جماعية أو فردية لملاحقة سلطات الاحتلال الاستيطانى الإسرائيلى ليس فقط على جرائمها ضد الإنسانية، ومنها الإبادة الجماعية، بل على تلك الجرائم البيئية المتمثلة بإلقاء عشرات الآلاف من الأطنان من القنابل على غزة ولبنان وغيرها من مدننا العربية، وما تسببت به من دمار بيئى واسع وغير مبرر فى أى أطر قانونية ولا حتى فى قانون الغاب، وتطال آثاره كل الدول العربية المجاورة، فالتلوث الناجم عن الحرب لا يمكن وقف آثاره على بقعة جغرافية محددة.



عمر سمير مدير بحوث برنامج العدالة الاجتماعية واللامساوة بمنتدى البدائل العربي للدراسات
التعليقات