الديون الصينية والبحث عن بدائل تمويلية للمنطقة العربية - عمر سمير - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 1:21 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديون الصينية والبحث عن بدائل تمويلية للمنطقة العربية

نشر فى : الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 - 7:55 م

 

فى الآونة الأخيرة برزت على الساحة الدولية والإقليمية الصين كملاذ للعديد من البلدان التى تعانى من أزمة عجز الموازنات العامة والاحتياج المزمن للتمويل الدولى سواء بالقروض أو الاستثمارات أو المنح والمعونات، وقدمت الصين نفسها بشكل جيد كقاطرة لطرق تجارة بديلة عبر عقدين من الخطط والمبادرات المتعلقة بدول الجنوب والبحث عن صوت أعلى ليس فقط فى المؤسسات المالية الدولية وإنما أيضا فى المؤسسات السياسية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ومؤخرا تزايد الحديث حول الديون الصينية وبنك التنمية الجديد التابع  للبريكس بعد توسيع عضويته لتشمل ثلاث دول جديدة من بلدان منطقتنا العربية وهى مصر والسعودية والإمارات، وتتحول البريكس شيئا فشيئا من إطار اقتصادى ومالى تعاونى إلى قضايا سياسية، وقد رأينا مطالبات بحل العديد من قضايا المنطقة فى إطارها مثل عرض رعاية مفاوضات لسد النهضة واجتماعات طارئة بشأن القضية الفلسطينية، وبالتالى فإن تنامى المجموعة والنفوذ الصينى فى إطارها سوف يكون ذا تأثيرات على منطقتنا سواء فى السياسة أو الاقتصاد.
• • •
ضمن المجهودات البحثية الممتدة لمنتدى البدائل العربى للدراسات فى بيروت، صدرت ورقة حول «الديون الصينية وتأثيراتها على بلدان المنطقة العربية»، وبطبيعة الحال فإن منطق العديد من أوراق المنتدى هو البحث عن البدائل وأطروحات الاقتصاد البديل التى تهدف لتجاوز سلبيات الوضع الاقتصادى الراهن، وفى القلب من هذه البدائل يكون البحث عن مصادر تمويل بديلة للاقتصادات العربية، تكون بديلا عن وضع التبعية التمويلية والاقتصادية للغرب والمؤسسات المالية الدولية التى لطالما ساهمت سياساتها فى إفقار المنطقة واستتباعها سياسيا واقتصاديا.
وبطبيعة الحال عندما تطرح الصين نفسها كصوت للتنمية القادمة من الجنوب والمعبرة عنه إنما تحقق مكاسب اقتصادية وسياسية ولا تقوم بهذا العمل حبا فى تلك البلدان وكرها لغيرها فالسياسة هذه طبيعتها، ويصاحب هذا دعاية صينية فى مواجهة دعايات غربية مضادة تمتد للأكاديميا وللدراسات والأنشطة البحثية، وعلينا أن نتبين حقيقة هذه الديون ليس من منطق الإدانة المبدئية ولكن البحث عما تحققه من مصالح أو تستلبه من منافع للطرفين ومآلها وطبيعة المشروعات التى تذهب إليها.
وقد متنت الصين علاقتها بالمنطقة العربية عبر عقدين من إطلاق مبادرتها الهامة الحزام والطريق، لإعادة إحياء طريق الحرير التاريخى كجزء من سياستها للصعود السلمى ضمن بنية النظام الدولى الحالى، بحيث أصبحت الشريك التجارى الأول لدول الخليج على عكس تصورات البعض بأن أمريكا والغرب هما الشركان الأساسيان، خلال عقدين تضاعفت المبادلات التجارية بين الصين والمنطقة العربية حوالى عشرة مرات، فقد ارتفعت من نحو ٣٧ مليار دولار فى ٢٠٠٤ إلى ٣٣٠ مليار دولار فى ٢٠٢١، وقد بلغت الاستثمارات الصينية فى نفس العام ٢١٤ مليار دولار معظمها فى السعودية والإمارات والعراق ومصر والجزائر، وهى بذلك تعد أكبر مستثمر أجنبى فى العالم العربى.
كما قدمت الصين للدول العربية أكثر من ٣٤٠ مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وقد رفعت حجم صادراتها من الأسلحة إلى السعودية ٣٦٨ بالمائة، والإمارات ١٦٩ بالمائة، ولا تزال القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة خارج البلاد هى فى جيبوتى إحدى دول المنطقة العربية التى تقف على مفترق طرق استراتيجى عند المدخل الجنوبى للبحر الأحمر وتعد مدخلا هاما للقارة الإفريقية ومركزا هاما بالقرن الإفريقى الملىء بالصراعات وهى أكبر مستهلكى النفط العربى وبالتالى يتوقف على ما يجرى فيها من تحولات صناعية وتطورات تكنولوجية الكثير مما يجرى فى الدول العربية النفطية وغير النفطية.
وصحيح أن تمويلات الصين للمنطقة العربية تبدو كبيرة من حيث الأرقام، وهنا نتحدث عن الديون والمنح والمعونات التى تجاوزت ٧٢ مليار دولار فى ٢٠٢١، إلا أنها تقترب من تمويلها لباكستان وحدها وأقل كثيرا من فنزويلا التى تحصلت على ١١٢ مليار دولار، وهى محدودة جدا إذا ما قورنت بحجم القروض الصينية عالميا والتى تزيد على ١٫٣ تريليون دولار فى عام ٢٠٢١ لا يجب أن ننسى أن الصين هى أكبر دائن للدول النامية وهى أكبر محصل للديون عالميا وترفض بشدة أية محاولات للهيكلة كان هذا واضحا جدا فى حالات سيريلانكا وكينيا اللتين وقعتا بشكل عملى فى فخ الديون الصينية وليس كما يردد البعض بأن هذه التسمية مبالغات للبروباجاندا الغربية ضد الصين. والحالتان شهدتا اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية عنيفة ولم تكن الديون الصينية حلا لها بل فاقمتها وبالأخير كان للمسئولين الصينيين ردود صادمة على أية إثارة لمسألة إعادة هيكلة الديون بعيدا عن أية أحاديث لشطبها ويكاد السودان يقع فى نفس المأزق.
• • •
كما أن الاتفاقات الثنائية والجماعية مع الصين أغلبها اتفاقات لتمويل قروض واستثمارات فى البنية التحتية ضمن المشروع الأهم للصين وهو الحزام والطريق وتذكرنا بطرق التجارة التى حاول المستعمر سواء الفرنسى أو الإنجليزى بناءها فى المنطقة فى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عندما أغرقت المنطقة بالديون ففقدت قرارها وسيادتها وحياة الملايين من شعوبها فى النضال ضد هذا الاستعمار حتى إخراجه.
وتركز تمويلات واستثمارات الصين فى قطاعات البنية التحتية الاستراتيجية كالموانئ والمشاريع القومية الأخرى بالإضافة لما يثيره من هواجس السيطرة على تلك المشروعات فى حالات التعثر كما حدث واقعا فى (سريلانكا، وكينيا، وباكستان)، فإنها مشروعات عائدها بعيد الأمد وتضمن تشغيلا مؤقتا وتستفيد منها الشركات الصينية العملاقة بالأساس وغالبيتها تأتى بمهندسيها وفنييها والآلاف من العمال الصينيين فى بلداننا التى تعانى بطالة مرتفعة وبالتالى فالمردود الاقتصادى المباشر منها يظل محدودا على ميزان العمل والأجور.
الاستثمارات المطروحة فى إطار المبادرة الصينية الحزام والطريق، باهظة التكلفة وهى تأتى فى سياق تزايد الديون العامة وقد تفوق تكلفتها المكاسب المتوقعة منها فى بعض البلدان برغم أنها قد تزيد من الاستثمار الأجنبى وفرص العمل المؤقتة فى البنية التحتية، وقد تعرض الأزمات التى تتعرض لها شركات الإنشاءات الصينية بلداننا لمخاطر جمة وهو ما حدث بانسحاب بعض الشركات الصينية من مشروعات كانت قد انخرطت فيها بمنطقتنا.
• • •
لا ينقص بلداننا العربية مزيدا من غياب الشفافية الذى تتمتع به وتصدره الصين، وينطبق هذا الغموض على الديون الصينية التى يصعب تتبعها وتشير بعض التقديرات إلى أن نصف الإقراض الرسمى الصينى للدول النامية غير مذكور فى قاعدة بيانات الديون الرسمية الأكثر استخدامًا، وهى ما تسمى بالديون «الخفيَّة».
ويتيح غموض اتفاقات التمويل للصين إمكانية التأثير على الدول المستفيدة بطرق غامضة سواء عبر التأثير على الاتفاقات التجارية أو التشغيلية للمشروعات أو حتى تحديد أولويات تلك المشروعات، لا تقدم الصين بديلا جديا فى الاستدانة فعديد البلدان المقترضة منها تتزايد ديونها للمؤسسات المالية الدولية وتشير بعض الدراسات إلى أن التخلُّف عن سداد الديون الصينية يزيد من احتمالية تبنِّى برامج صندوق النقد الدولى وتقبُّل الدول بموجب هذه البرامج لعددٍ أكبر من شروط الإقراض.
وللأسف فالمبادلات التجارية بين دول البريكس محدودة جدا ولا يتيح بنك التنمية الجديد للبريكس سوى تمويل محدود جدا بالنسبة لأهدافه المتمثلة بتقديم حلول مبتكرة لسد الفجوة فى النظام المالى العالمى، لم ينجح منذ نشأته سوى فى تمويل ٩٦ مشروعًا بقيمة ٣٣ مليار دولار، أغلب المشروعات الممولة صينيا محل جدل، وبشكل عام يجب ألا نفرح بإيجاد مصدر جديد للديون وإنما عندما نسير خطوات نحو التخلص منها ومن أعبائها، حيث تلتهم جزءا هاما من موازنات كثير من بلداننا تفوق الإنفاق على التعليم والصحة والسكن.
ختاما، فالعلاقات العربية مع الصين قوية وهامة وتحتاج لإعادة صياغة وضبط، هناك حالة اعتماد متبادل بين الصين ودول الخليج العربى، هذه الحالة تتحول لنمط اعتماد مفرط أشبه بالاستغلال الاستعمارى للدول العربية غير النفطية سواء فى الديون أو حتى الاستثمارات والتجارة وغيرها، تقع بعضها فى فخ الديون الصينية المقلق، ولا بد من خطط تنموية وتمويلية جماعية حقيقية تضمن إعادة تموضع عربى فى النظام الدولى الذى تصعد لقمته الصين وفى تقسيم العمل الدولى.

مدير بحوث برنامج العدالة الاجتماعية واللامساوة بمنتدى البدائل العربى للدراسات

عمر سمير مدير بحوث برنامج العدالة الاجتماعية واللامساوة بمنتدى البدائل العربي للدراسات
التعليقات