أنزعج كثيرا من محاولات تصوير انفعال شباب الفيس بوك وتويتر والمدونات ضد معظم الأشخاص الموجودين على الساحة، بما فيهم كاتب هذه السطور، على أنه من سلبيات الثورة. أنا أرى العكس تماما، مهما خرجت منهم ألفاظ حادة، قطعا لا أقرها، لكن للكثير من آرائهم مغزى ودلالة لا بد أن تستوعب. والانشغال طويلا بالألفاظ نفسها، التي أرفض البذيء منها قطعا، سيجعلنا غير قادرين على استيعاب الأفكار. إن مسألة التدرب على حسن اختيار الألفاظ وكيف "تكسب قضية، دون أن تخسر معارضيك" مهارة ليست سهلة، وما اكتسبها، سيسرو، الفيلسوف الروماني، إلا في آواخر حياته كما قال هو.

شباب مصر كنيل مصر، يأتي هادرا قويا مندفعا، إن تعاملنا معه بمنطق السدود دمرنا وأعقناه، ولكن علينا أن نتعامل معه بمنطق القناطر التي تحترم قوة اندفاعه كي تستفيد منه بتوزيع طاقته إلى حيث نستفيد كوطن، ويستفيد كجيل.

أرفض كذلك تصوير الجيل الجديد بأوصاف حادة وكأنهم بعيدون عن نوعية التربية التي تلقوها. ألفاظهم الحادة (والبذيئة أحيانا) هي جزء من ثقافة عامة في المجتمع أنشأها الكبار وتبناها الصغار وسيورثونها للقادمين بعدهم وسيستخدمها اللاحقون عليهم ضدهم وسيكون سباقا محموما في الانفعال وفي الإساءة إن لم ننجح في اختراق هذه السلسلة من التنشئة لنعيد لأنفسنا ولشبابنا الحد الأدنى من عفة اللسان واحترام الرأي الآخر.

كنت في اليابان، وقال لي أحد الأصدقاء إن أسوأ ما في وسائط الميديا الاجتماعية أنها أدخلت في الثقافة اليابانية الكلمات "الملونة" يقصد الشتائم التي أصبح شباب اليابان يستوردونها من الغرب، لأن اللغة اليابانية في أصلها لا تحتوي على "شتائم."

إذن ما العمل؟

في تقديري أن الأجيال الجديدة، بحاجة لأن تُستوعب قبل أن تُنتقد، أن تُفهم قبل أن تُهاجم. حماستهم هي حماسة الشباب في كل زمان ومكان وكما قال الحق سبحانه: "كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا."

يحضرني في هذا المقام موقف حلله الأستاذ عباس العقاد بين محمد رسول الله وعمر ابن الخطاب كان فيه الأسود بن سريع ينشد الرسول، صلى الله عليه وسلم، المديح من الشعر. وأثناء إلقائه الأماديح، دخل رجل، فاستوقفه الرسول قائلا: بَيِّنْ، بَيِّنْ. فسأل بن سريع: من هذا الذي يطلب مني الرسول التوقف عن الكلام لحضوره فقَالَ: "إنه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ."


يسأل العقاد: وهل يقبل محمد الباطل الذي يأباه عمر؟
يرد العقاد: إن الفارق بين محمد وعمر، هو الفارق بين "الإنسان" العظيم و"الرجل" العظيم.

إن عمر يعرف دروبا من الباطل، ويعرف دربا واحدا من دروب الإنكار وهو السيف، أي الرفض القاطع لكل أشكال الباطل مهما صغر أو كبر.

أما محمد، الإنسان العظيم، فهو أكثر استيعابا لما في النفس الإنسانية من عوج وتعريج، من صحة ومرض، من قوة وضعف، من صلاح وفساد؛ فيعرف دروبا من الباطل ويعرف دروبا من الإنكار. وقد يصبر الإنسان العظيم على ما يأباه الرجل العظيم.

فلنتخلق بأخلاق "الإنسان" العظيم في هذه المرحلة التي تتطلب منا صبرا وتؤدة والبحث عن المشترك واستيعاب تناقضات المرحلة؛ لله، وللوطن، ولشباب مصر.