لماذا لا يقرأ العرب؟ - قضايا مجتمعية - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لا يقرأ العرب؟

نشر فى : الثلاثاء 9 أغسطس 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 أغسطس 2016 - 9:50 م
نشرت مجلة الفنار للإعلام مقالا للكاتبة «أورسولا ليندسى» حول واقع القراءة والنشر فى العالم العربى. تتناول فيه قضية القراءة عند العرب، وتحاول تحليل الأسباب التى قد تحول دون انتشار عادة القراءة فى الدول العربية، وما قد يعيق ويعرقل فرص النشر وذلك مقارنة بدول أخرى لها نفس عدد السكان، ولكن يتمتع شعبها بنسبة قراءة مرتفعة.

تؤكد ليندسى فى بداية مقالها، أن معظم الدول العربية لم تقض على الأمية بشكل تام تقريبا منذ ستينيات القرن الماضى، ولا تزال العديد منها تضم معدلات مرتفعة من الأمية حتى يومنا هذا. «ففى مصر كان ربع السكان من الأميين عام 2013، وفى المغرب بلغت نسبة الأمية 32 فى المائة من السكان عام 2014، فى حين أن ارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة فى دول الخليج لما يقرب من 90 فى المائة من السكان ظاهرة حديثة». أما بالنسبة للتصريح الشامل بأن «العرب ببساطة لا يقرأون كثيرا»، فقد سمعت عنها الكثير بصور شتى على مر السنين – من العرب والأجانب.

فى كل مرة تسمع فيها الكاتبة أحدهم يشكو من كون الناس لا تقرأ فى العالم العربى، تتساءل: «هل هذا صحيح؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، فما السبب؟ لكن مشكلة مناقشة مسألة القراءة والنشر فى العالم العربى، تتمثل فى قلة المعلومات الموثوقة. هنالك مؤشرات كثيرة على أن معدل القراءة منخفض نسبيا فى المنطقة، لكننا لا نعرف حجم المشكلة، ويتسبب ذلك جزئيا فى عدم القدرة على التحدث بوضوح عن أسباب وتأثيرات ذلك».

ليست هنالك أرقام موثوقة عن إنتاج ومبيعات الكتب فى الدول العربية، ولا توجد مؤسسات مستقلة لتقوم بجمع البيانات من الناشرين والمكتبات والتحقق منها. لكن هنالك بعض الجهود لتوضيح الصورة وجمع بعض الحقائق. نحن نعلم بأن متوسط عدد النسخ المطبوعة من كتاب ناجح يبلغ ما بين 1,000 و3,000 نسخة. قدر المدير التنفيذى لشركة نيل وفرات، وهى مكتبة عربية عبر الإنترنت تضم معظم العناوين الجديدة، عدد العناوين المنتجة سنويا فى لبنان، وسوريا، والأردن، ومصر،
والمملكة العربية السعودية مجتمعة «وهى البلدان التى تشكل 80 فى المائة من إجمالى إنتاج الكتب» بحدود 17,000 عنوان جديد عام 2011، بما فى ذلك 2,400 عنوان مترجم. وبحسب أحد التقارير التى تم تقديمها فى معرض فرانكفورت للكتاب عام 2013، فإن هذا يعنى بأن «العالم العربى، الذى تجاوز عدد سكانه الـ 362 مليون نسمة عام 2012» أنتج عددا مقاربا «لعدد الكتب التى تم إنتاجها فى بلدان مثل رومانيا (التى بلغ عدد سكانها 21.3 مليون نسمة عام 2012)، وأوكرانيا (عدد سكانها 45.6 مليون نسمة)، فى عام 2012.» كما يشير تقرير لمؤسسة راند أيضا إلى أن «الكتب الدينية تشكل 17 فى المائة من مجموع الكتب التى تم نشرها فى الدول العربية.» (وهى نسبة أعلى بكثير مما هى عليه فى أسواق الكتب الأخرى)، فيما يبلغ عدد المكتبات العامة فى مصر نحو عُشر ما هو موجود فى ألمانيا، التى تمتلك عدد سكان مقارب لمصر.

***

تستطرد ليندسى قائلة إن مشاكل الناشرين معروفة بوضوح وتتمثل فى: صعوبات تنفيذ قواعد حقوق النشر والتأليف، وعدم وجود موزعين جيدين للكتب، والعقبات البيروقراطية أمام إنشاء شبكات توزيع إقليمية، وانخفاض القوة الشرائية للعملاء المحتملين، وندرة متاجر بيع الكتب والمكتبات العامة، فضلا عن تحديات الرقابة.

لكن هذه العوامل تتداخل بطرق معقدة. ففى حين أصبحت دول الخليج والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص من أسواق الكتب الكبرى، فإن لقيود الرقابة المفروضة هناك تأثير سلبى على ناشرى الكتب فى المنطقة، الذين يفصلون كتبهم وفقا لذلك. لكن، وفى الوقت نفسه، فقد تم نشر الكتب الأكثر مبيعا والتى تكسر المحرمات من قبل مؤلفين سعوديين فى أماكن أخرى. وفيما ينتشر النشر الرقمى، فإن من الممكن تعطيل شبكات الرقابة التقليدية والعقبات البيروقراطية.

وقد يكون لظاهرة التعدى على حقوق المؤلف المنتشرة جانب مضىء: فنظرا لعدد عمليات التحميل غير المشروع وممارسات استعارة الكتب وتصويرها، من الممكن أن تكون السبب وراء الأرقام الرسمية التى تقلل من مستويات القراءة. من الصعب أن تحضر معارض الكتاب فى المنطقة، كما فعلت – وتشاهد حشود الشباب المتجمهرين لحضور حفلات تواقيع مشاهير الكتاب وأولئك الباحثين عن صفقات شراء جيدة – من دون أن تشعر بأن هنالك اهتماما كبيرا غير مستغل بالقراءة، والذى يحتاج فحسب لسياسات تعليمية صحيحة وإطلاق العنان لآليات السوق.

***

تقول الكاتبة إن دول الخليج تشهد بعضا من أكبر معدلات النمو فى أعداد القراء «لاسيما بين القراء من النساء». حيث أطلقت إمارة دبى أخيرا صندوقا بمبلغ 100 مليون درهم إماراتى «أكثر من 27 مليون دولار أمريكى»، فيما أطلقت عليه الصندوق الوطنى لدعم القراءة، والذى يهدف لزيادة معدل القراءة فى مرحلة الطفولة المبكرة والقراءة المستمرة، فضلا عن دعم الناشرين المحليين. كما أعلنت الإمارة أيضا، بطريقتها الفخمة المعتادة، عن خطط لبناء «أكبر مكتبة فى العالم العربى»، على الرغم من أن من الأفضل، وكما يعلم أى طالب فى المنطقة، القيام بدراسة للواقع لمدة خمس سنوات من تاريخ إعلانات من هذا القبيل.

كما أن هنالك عددا ضخما من مشاريع متواضعة تهدف لإيصال عدد قليل من الكتب إلى أيادى أناس قد لا يمتلكون بدون ذلك الفرصة أو الميل للقراءة.
فقبل بضع سنوات، نظم طلاب فى الدار البيضاء بالمغرب، مكتبة لإعارة الكتب لركاب الترام. ويقود معلم مدرسة مصرى عربة صغيرة فى جميع أنحاء القرى فى محافظته ليقوم بإعطاء الكتب وعقد جلسات للقراءة للأطفال. وفى الدول العربية التى تعرضت فيها المؤسسات الثقافية والتراثية للتدمير المتعمد، يبذل الأفراد جهودا لإعادة البناء. فقد أقام المعارضون السوريون مكتبة مؤقتة تضم 15,000 كتاب فى ضواحى دمشق. فيما حقق معرض فنى وحملة أطلقتها شركة كيك ستارتر Kick starter لجمع الأموال لمكتبة كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد نجاحا كبيرا.
وتختتم ليدنسى بأن كل هذه الجهود الصغيرة والمؤثرة من قبل عشاق الكتب، تركز على القراء أنفسهم. وتشير أدلة كثيرة إلى أن هذه العادة ومتعة القراءة تبدأ فى سن الشباب، وأن وجود الكتب فى البيت بالإضافة إلى قراءة المرء عندما يكون طفلا عوامل مهمة فى بناء عادة القراءة المستمرة مدى الحياة. وفى الأسر التى يسود فيها التلفزيون، وحيث يكون الجيل الأكبر سنا أميا أو متعلما بالكاد، وحيث يصادف المرء الكتب فى المدرسة ويعتبرها مادة ليتم حفظها، هل سيكون من المستغرب النظر للقراءة كعمل روتينى؟ تمتلك المنطقة علاقات تاريخية عميقة مع الكلمة المكتوبة والتراث الأدبى الغنى. تحظى الكتب بالاحترام، لكن المفقود فى تجربة القراءة قد يكون شيئا بسيطا للغاية ألا وهو: المتعة.
قضايا مجتمعية قضايا مجتمعية
التعليقات