من سيبرينتشا إلى حولا - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 1:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من سيبرينتشا إلى حولا

نشر فى : الأحد 10 يونيو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يونيو 2012 - 8:45 ص

تزامن وقوع المجزرة فى بلدة حولا فى سورية حيث قتل أكثر من مائة إنسان ذبحا، بينهم أطفال ونساء، مع ذكرى مجزرة سيبرينتشا حيث قتل أكثر من ثمانية آلاف إنسان مسلم بدم بارد على أيدى القوات الصربية خلال الحرب الأهلية فى البوسنة.

 

طرح هذا التزامن علامات استفهام تدور حول المقارنة بين المذبحتين.

 

فالرئيس اليوغسلافى السابق ميلوسوفيتش تصرف وكأنه غير معنى بمجزرة سيبرينتشا. بل وكأن المجزرة لم تقع أساسا. أما الرئيس السورى بشار الأسد فقد غسل يديه من دم الضحايا وأعلنت حكومته نتائج تحقيق قالت إنها أجرته، اتهم بنتيجته القوات المعارضة له بارتكاب الجريمة فى حولا. حتى أنه أوعز إلى المساجد لإقامة صلاة الغائب على أرواح الضحايا. ووصف مرتكبى الجريمة فى خطاب له بالوحوش.

 

ولقد تباينت ردود فعل الدول الأخرى من المجزرة السورية كما تباينت من المجزرة البوسنية. فالاتحاد الروسى الذى وقف إلى جانب صربيا ورئيسها، يقف اليوم أيضا إلى جانب سورية ورئيسها. وكما رفضت موسكو الاعتراف بمسئولية النظام الصربى عن مجزرة سيبرينتشا، ترفض موسكو تحميل النظام السورى مسئولية مجزرة حولا، وتتبنى نتائج التحقيق الذى أجرته السلطات الرسمية.

 

●●●

 

أما فى الولايات المتحدة فإن الصورة تبدو مختلفة. فأثناء الحرب فى البوسنة، كان بيل كلنتون مرشحا للرئاسة يخوض معركته لدخول البيت الأبيض. وكان ينتقد بشدة فى حملته الانتخابية عدم قيام الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت جورج بوش الأب بمبادرة عسكرية فعّالة لوقف سفك الدم فى البوسنة.

 

وهذا ما يحدث اليوم أيضا بالنسبة لسورية. فالمرشح الجمهورى للرئاسة الأولى ميت رومنى يوجه يوميا الانتقادات الشديدة إلى الرئيس باراك أوباما ويتهمه بعدم المبادرة لوقف سفك الدماء فى سورية.

 

كان الرئيس جورج بوش الأب خارجا للتو من حرب تحرير الكويت من الاجتياح العراقى (صدام حسين). ولذلك لم يكن راغبا ولا مستعدا للدخول فى مغامرة عسكرية جديدة.

 

واليوم أيضا، فان الرئيس الحالى باراك أوباما يعرف جيدا ان الولايات المتحدة تبدو منهكة بعد الحرب الأمريكية على العراق.. والحرب فى أفغانستان. ولقد اكتسب شعبيته التى أوصلته إلى البيت الأبيض على قاعدة شعار رفض الحرب وانهاء التورط العسكرى الأمريكى فى الخارج واعادة القوات الأمريكية إلى بلادها. ولا يزال هذا الشعار قابلا للاستثمار الانتخابى فى المعركة الانتخابية المحتدمة فى الوقت الحاضر. ولذلك فانه لا يبدى أى استعداد للتدخل العسكرى فى سورية. وهو يحاول «تبرئة ذمته» بفرض ضغوط سياسية وعقوبات اقتصادية عليها. ثم أن روسيا فى عام 1995 وبعد سنوات قليلة من سقوط الاتحاد السوفييتى وتمزق الدولة وانهيار النظام، هى غير روسيا فى عام 2012. فالرئيس فلاديمير بوتين رئيس طموح وواثق من نفسه. ولقد استطاع استعادة الهيبة الروسية من جديد. وأثبت انه قادر ليس فقط على ادارة اللعبة السياسية داخل الكرملين، ولكنه أثبت أيضا إمساكه بخيوط التوازن الستراتيجى العسكرى والسياسى مع الولايات المتحدة.

 

●●●

 

أما منافس الرئيس أوباما، ميت رومنى فانه يتبنى الدور الذى لعبه كلنتون عندما كان مرشحا للرئاسة ضد جورج بوش الاب. وذلك من خلال الدعوة وبإلحاح إلى التدخل العسكرى فى سورية والتعهد بأنه اذا وصل إلى البيت الأبيض فانه سوف يلتزم بتعهده.

 

سقط بوش الأب، ونجح كلنتون. وفور نجاحه بادر إلى التدخل العسكرى وبقوة فى البوسنة رغم العملية العسكرية الفاشلة التى تعرضت لها القوات الأمريكية فى الصومال (عملية بلاك هوك). وأخذ تدخله العسكرى أبعاده العسكرية ــ السياسية البعيدة المدى اثر وقوع مجزرة سيبرينتشا فى عام 1995 وعلى مرأى من قوات حفظ السلام الدولية (وكانت قوات هولندية). فقد تزعمت الولايات المتحدة عملية حلف شمال الأطلسى التى وجهت ضربات موجعة إلى صربيا وصل إلى العاصمة بلغراد حتى اضطرت إلى قبول الدعوة إلى مؤتمر للتسوية السياسية عقد فى مدينة دايتون فى الولايات المتحدة. وهو المؤتمر الذى انتهى بتقسيم البوسنة على قاعدة نظام اتحادى بين البوسنيين المسلمين والكروات الكاثوليك والصرب الأرثوذكس.

 

والسؤال الآن هل يلعب رومنى الدور ذاته فى سورية اذا وصل إلى البيت الأبيض فى نوفمبر المقبل ؟.. أم أن الرئيس الحالى أوباما سيقوم بهذا الدور هو نفسه إذا أعيد انتخابه لدورة رئاسية ثانية؟

 

مما لا شك فيه ان ثمة اختلافات وتباينات بين موقع ودور كل من البوسنة وسورية فى لعبة الأمم. فالبوسنة تقع فى قلب أوروبة، والمجزرة التى وقعت فيها هى الأكبر والأبشع منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكانت لقضية البوسنة أبعاد سياسية تتناول المصالح الأوروبية فى الصميم وتشكل تحديا لمشروع الاتحاد الأوروبى الذى كان ولايزال فى انطلاقته الأولى. فاذا تبين ان اوروبا غير قادرة على الدفاع عن البيت الأوروبى فأى دور يبقى لها فى البيت العالمى؟ كذلك كان الأمر بالنسبة لحلف شمال الأطلسى الذى يضم الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة. فاذا كان الحلف عاجزا عن المحافظة على أمن أعضائه وأمن محيطه، فكيف يستطيع أن يحافظ على الأمن الدولى؟.

 

لعبت هذه العوامل فى ذلك الوقت دورا رئيسا فى تحفيز التدخل ضد صربيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا، حتى اضطرت إلى وقف الحرب والتوقيع على اتفاقية دايتون. ولكن ذلك ما كان ليتحقق لو لم تقم فى البوسنة مرجعية رسمية تمثل الوحدة الوطنية وتحظى باعتراف دولى واسع. فالتدخل العسكرى جرى باسمها وتحت غطائها الشرعى باعتبار انها تمثل الشعب البوسنى الذى كان يتعرض لعملية تصفية عنصرية شاملة. وهو أمر غير متوفر حتى الآن بالنسبة للمعارضة السورية. إذ ان هذه المعارضة لا تزال منقسمة على نفسها، والاعتراف الدولى بها ليس شاملا.

 

لقد أجمعت الدول الأوروبية على موقف موحد ضد صربيا فى عام 1995، كما تجمع الدول العربية اليوم على موقف موحد ضد سوريا. وكان آخر تجل لهذا الموقف الموحد القرار الذى اتخذه مجلس جامعة الدول العربية الذى عقد فى قطر على مستوى وزراء الخارجية ودعا الأمم المتحدة إلى تحديد جدول زمنى لمهمة المبعوث المشترك للجامعة وللأمم المتحدة كوفى أنان على أساس البند الخامس من الشرعة الدولية. ولكن الإجماع الأوروبى ضد صربيا كان معززا بعصا حلف شمال الأطلسى.. وبالعجز الروسى فى ذلك الوقت.

 

●●●

 

أما الإجماع العربى ضد سوريا فانه لا يعتمد على قوة ذاتية. وبعد الحرب الليبية، بدا انه لا الحلف الأطلسى يملك بقية من شهية للتدخل العسكرى، ولا المجموعة العربية تقبل بتدخله فى ضوء تلك التجربة المأساوية. ثم ان يد روسيا ليست مغلولة ولا هى تعانى من عجز؛ وللدلالة على حضورها واستعداداتها، فقد أرسلت قوات بحرية إلى شرق المتوسط، وتحدث المقاطعة الدولية بإغراق سورية بالمزيد من الأسلحة الحديثة.

 

يتفاخر الرئيس أوباما بأن المجتمع الدولى انتظر عاما كاملا على تواصل المجازر فى البوسنة فى التسعينيات من القرن الماضى قبل أن يتحرك لوقفها. اما الولايات المتحدة فى عهده فلم تنتظر سوى 31 يوما قبل أن تتدخل فى ليبيا لمنع قوات القذافى من اقتحام مدينة بنغازى حيث كان يخشى وقوع مجزرة مماثلة لمجزرة سيبرينتشا. ولكن ليبيا ليست سورية. وروسيا التى صُفعت على خدها الأيمن فى ليبيا لن تدير خدها الأيسر فى سورية.

 

ولكن مجزرة سيبرينتشا كانت الفاجعة الانسانية التى قصمت ظهر السلطة فى بلغراد وقادت المسئولين الصرب إلى محكمة العدل الدولية.

 

ويبدو أن السيناريو ذاته يعتمد من جديد بعد انكشاف الوقائع المروعة لمجزرة حولا. وبانتظار أن تثبت الأمم المتحدة هوية ومسئولية مرتكب المجزرة فى سورية كما فعلت من قبل فى البوسنة، فان المجزرة واحدة والعقاب يجب أن يكون واحدا أيضا.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات