بعدما باتت، قاب قوسين أو أدنى، من اكتساب صفة «شريك حوار» بمنظمة شنغهاى للتعاون؛ تقدمت مصر، خلال قمة تجمع «بريكس»، التى استضافتها مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية، أوائل يونيو الماضى، بطلب لنيل عضوية التجمع، الذى تجاوز حجم تجارتها مع أعضائه، خلال العام المنصرم، 25 مليار دولار. وإبان قمة سابقة للتجمع فى ديسمبر 2021، تم إعلان قبول عضوية مصر ببنك التنمية الجديد، التابع له. ذلك الذى تأسس برأسمال قدره 100 مليار دولار، بقصد تمويل مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة لدى الدول الأعضاء؛ فضلا عن النهوض بالاقتصادات الناشئة لدى الدول النامية.
وفى يناير الماضى، أقر مجلس النواب، انضمام مصر للبنك؛ الذى بلغت قيمة مساهمتها فى رأس ماله 1.196 مليار دولار. تم تسديد 20% منها، فيما سيتم سداد البقية على سبعة أقساط سنوية.
متنوعة هى المغانم، التى تنشد مصر حصدها، جراء انضمامها إلى تجمعى «شنغهاى» و«بريكس». فمن جهة، يتيح التجمعان أملا للطامحين إلى نظام عالمى أكثر ديمقراطية وعدلا. كما يوفران ملاذات آمنة للهاربين من هيمنة وسطوة نظام «بريتون وودز» الاقتصادى العالمى الجائر، الذى تأسس عام 1944.
وتعد منظمة «شنغهاى»، التى تتألف من تسعة أعضاء دائمين هم: روسيا، والصين، والهند، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، ثم إيران أخيرا؛ أكبر تحالف اقتصادى وأمنى إقليمى؛ إذ تسهم بنحو 20 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى.
أما تجمع «بريكس»، الذى يضم كلا من الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا؛ فيبقى أحد أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم. كونه يمثل 30% من حجم الاقتصاد الدولى، و26% من مساحة العالم، و43% من سكان الأرض، وينتج أكثر من ثلث إنتاج الحبوب العالمى. كما يتطلع التجمع إلى أن يغدو قوة اقتصادية عالمية منافسة لمجموعة السبع الكبار، التى تستحوذ وحدها على 60% من حجم الثروة الكونية. وتشى الأرقام الصادرة أخيرا، عن الأداء الاقتصادى لدول «بريكس»، بتفوقها، للمرة الأولى، على مجموعة السبعة. إذ بلغت مساهمة التجمع فى الاقتصاد العالمى، 31.5%، بينما لم تتجاوز مساهمة المجموعة 30.7%.
تأمل مصر أن تفضى عضويتها فى «بريكس»، إلى مضاعفة حجم التعاون الاقتصادى، والتبادل التجارى لها مع دول التجمع. وأن تفتح فى ربوعها الرحبة، آفاقا تصديرية واعدة، وأسواقا جديدة للمنتجات المصرية. فضلا عن إبرام شراكات اقتصادية مصرية معها، ومضاعفة الاستثمارات المباشرة من لدن دول التجمع فى الاقتصاد المصرى. وتعول القاهرة على أن تشهد الفترة المقبلة نموا فى التدفقات السياحية المقبلة من دول التجمع إلى مصر. ومن شأن انضمام مصر إلى «بريكس»، أن يوفر لها صلاحيات وقنوات تمويلية، ويعزز ثقة المجتمع الدولى ومؤسساته المالية، وهيئات التصنيف الائتمانى، فى اقتصادها. الأمر الذى يفاقم قدرة الحكومة المصرية على استكمال المشروعات التنموية العملاقة. كما يمنح القاهرة هامشا أرحب للمناورة مع بعض الدول والجهات، التى تتفنن فى وضع شروط قاسية على ضخ الاستثمارات فى اقتصادها، أو إمدادها بالمنح والمساعدات. علاوة على تمكين الدولة من إحداث توازن فى علاقاتها مع القوى الكبرى، وعدم رهن احتياجاتها الحيوية بمصدر وحيد.
تتطلع مصر إلى أن تسفر عضويتها فى «بريكس»، عن تحسين شروط تجارتها الخارجية، وتعزيز تنافسيتها مع العديد من الدول، وجذب الاستثمارات إلى قطاعات تستهدف الدولة تنميتها. وتتوق القاهرة إلى أن يسهم انضمامها إلى بنك التنمية الجديد، التابع للتجمع، فى تعظيم مشاركة أعضائه بمشروعات البنية التحتية المصرية الجبارة، وإتاحة تمويلات آمنة ومتنوعة للاستثمار فيها. وبوسع توفر الاعتمادات المحلية فى التبادل التجارى مع دول «بريكس»، أن يقلص وطأة الضغوط الناجمة عن تفانى الحكومة فى توفير النقد الأجنبى. إذ سيسمح لمصر بالحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يعينها على التحرر من حصار صندوق النقد الدولى واشتراطاته القاسية. بموازاة ذلك، ترنو مصر إلى تفعيل اتفاقية «ميركسور» مع البرازيل، بغية إقامة منطقة حرة، وإنعاش حركة السياحة. خصوصا بعدما نجح التكتل الاقتصادى، الهادف إلى تحقيق التكامل بين دول أمريكا اللاتينية، منذ تأسيسه عام 1991، فى تحقيق إنجازات ملفتة.
شكلت رغبة مصر الملحة فى إنهاء أزمة شح الدولار، أحد أبرز دوافعها للالتحاق بتجمع «بريكس». حيث تستهدف تدبير احتياجاتها المتعاظمة من موارد النقد الأجنبى؛ فى ظل الارتفاع القياسى فى فاتورة استيراد المواد الغذائية. فى حين يتم توجيه أكثر من 35 % من الناتج المحلى إلى سداد أقساط وخدمة الديون والقروض، التى حصلت على غالبيتها بالدولار. على صعيد موازٍ، تسعى مصر إلى تقليص اعتمادها على الدولار فى تعاملاتها التجارية مع دول «بريكس»، التى ترتبط معها بعلاقات اقتصادية ضخمة؛ أملا فى تخفيف الضغوط على الجنيه المصرى. وقد نجحت فى تدشين معاملات تجارية بغير الدولار، مع دول كبرى مثل: روسيا، والصين، والهند.
تكمن جاذبية «بريكس» لمصر بهذا المضار، فى اعتزام التجمع اعتماد العملات المحلية فى التبادل التجارى بين أعضائه، بغية تطوير نموذج اقتصادى يقوض الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمى، توطئة لتدشين منظومة اقتصادية دولية متعددة الأطراف. فبعدما أنشأت نظام مدفوعات مصرفى على غرار منظومة «سويفت»، أكد، الرئيس بوتين، أن 80% من التجارة بين بلاده والصين تنفذ بعملتى الروبل واليوان، بمنأى عن الدولار الأمريكى. كما أعلن وزير الخارجية الروسى، أن قمة «بريكس» المقبلة بجنوب أفريقيا، ستناقش إنشاء عملة موحدة بين الأعضاء، الذين شرعوا فى فك الارتباط بالدولار، كعملة للتبادل التجارى، ولجأوا للعملات المحلية فى تفاعلاتهم التجارية، سواء خلال التعاملات بين بعضهم البعض، أو عبر اتفاقات مع دول من خارج التجمع. حيث أعلن الرئيس الروسى تأييده استخدام اليوان للتسويات التجارية مع دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فيما اعتمدت روسيا، أخيرا، الجنيه المصرى ضمن سلة عملاتها، كما أعلنت الهند استخدام الروبية بديلا للدولار فى تعاملاتها مع أكثر من 18 دولة، من بينها مصر. الأمر الذى يمنح المنتجات المصرية مزية نسبية فى أسواق «بريكس»، كما يخول القاهرة استبدال وارداتها من الدول التى تتعامل بالدولار، فى أسواق أخرى ضمن التجمع. بما يقلص الطلب على الدولار، ويجنب الحكومة معاناة البحث المضنى عن تمويلات خارجية بالعملة الصعبة، مقابل بيع سندات دولارية.
يجوز الادعاء أن أزمة الحبوب العالمية التى فجرتها الحرب الروسية ــ الأوكرانية، قد دفعت مصر للتحرك جديا باتجاه عضوية «بريكس»، ابتغاء حماية أمنها الغذائى. حيث تعتمد القاهرة على روسيا وأوكرانيا، فى توفير زهاء 80% من إجمالى وارداتها من القمح، بواقع 50%، و30% على الترتيب. فيما تبلغ فاتورة واردات البلاد من القمح 4.2 ملياردولار. وتأمل القاهرة أن تصبح «بريكس» بديلا آمنا ومريحا، لتوفير احتياجاتها من القمح، خلال الفترة المقبلة. وفى فبراير الماضى، انسحبت مصر من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية، التى وقعت عليها عام 1995، بعدما تراءى لها عدم إيجابية تأثيرها، فيما يخص مساعدة البلاد على مواجهة ارتفاع الأسعار العالمية للقمح. حيث بدا أن الولايات المتحدة وأوروبا، لم تكونا على مستوى المسئولية المطلوبة فى التعاطى مع أزمة القمح العالمية؛ رغم التزام القاهرة بسداد التزاماتها الدولارية، فى المواعيد المقررة.
ربما لا تتيح عضوية تجمعى «شنغهاى» أو «بريكس» عصا سحرية، يمكنها حلحلة أزمات مصر الاقتصادية؛ بقدر ما تغذى ريبة كبار أعضاء «بريكس»، مثل الصين، حيال منح عضوية التجمع لدول، قد لا تستوفى متطلبات تلك العضوية. لاسيما أن الناتج المحلى الإجمالى للصين، بمفردها، يتجاوز مجموع النواتج المحلية لكل دول أعضاء «بريكس» مجتمعة. ورغم ما قد يبدو من «محدودية» الدور الاقتصادى، الذى يمكن أن تضطلع به مصر ضمن التجمع؛ ينبعث ترحيب دوله بعضويتها، من مآرب استراتيجية أعمق. كرستها الجوائح الوبائية، وما صاحبها من صراعات تجارية وتكنولوجية؛ وما تلاها من حرب روسية ــ أوكرانية؛ توشك أن تتدحرج إلى مواجهة عالمية. وهى المآرب، التى تفصح عنها مساع حثيثة، تتبناها روسيا والصين، توخيا لكسر عزلة، تصر واشنطن وحلفاؤها على احتوائهما ومحاصرتهما، من خلالها. كما تتجلى فى إصرار الدولتين على طى سجلات القطبية الأحادية الأمريكية، تمهيدا لإقامة نظام عالمى ديمقراطى، وعادل، ومتعدد الأقطاب.