ارفعوا أجورنا يزدهر الاقتصاد - وائل جمال - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ارفعوا أجورنا يزدهر الاقتصاد

نشر فى : الأحد 11 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 11 سبتمبر 2011 - 9:00 ص

ارفعوا أجورنا. هذه هى صيحة مئات الآلاف من المصريين الذين أعلنوا نيتهم الإضراب عن العمل خلال الأسبوع الماضى، من عمال النسيج فى المحلة إلى عمال النقل العام ومترو الأنفاق والبريد إلى أطباء ومعلمى مصر. وتحت ضغط هذه الموجة الهائلة، التى هى تعبير لا يمكن إنكاره عن مطالب أهل البلاد ودافع أساسى لثورتهم وضعه النقاش العام جانبا، اضطرت حكومة شرف للاستجابة لمطالب عديد من هؤلاء المضربين، حتى وإن كانت وهى تقوم بذلك فى أعقاب مجرد تهديد، ترفع صوتا خشنا بالتعامل بلا هوادة مع الإضرابات، التى "تعطل العمل".

 

يستند كل من التجريم، الذى صار شاملا بهذا المعيار لأنه ليس هناك إضراب لا يعطل العمل، والإصرار الحاسم على الوقوف بلا هوادة ضد الاحتجاجات، والإصرار والحسم كما نعلم شيء نادر من نوعه فى تاريخ هذه الحكومة، على منطق اقتصادى يقول إن رفع الأجور أمر لا يحتمله الاقتصاد "الذى يمر بوضعية حرجة".

 

أجور قليلة تساوى اقتصاد منحاز

 

تكشف وضعية الأجور فى مصر الكثير عن طبيعة هذا الاقتصاد، الذى علينا جميعا إنقاذه حتى لو كان يعمل ضد مصالحنا. فنسبة المشتغلين بأجر بين من يعملون فى مصر تتعدى الستين فى المائة، بينما تمثل الأجور 72% من مجموع دخل الأسر فى 2008/2009 بحسب مسح الدخل والإنفاق، كما تمول الأجور 44.4% من دخل الفقراء.

 

يشير وزير المالية السابق الدكتور سمير رضوان فى دراسة صادرة له فى أكتوبر 2010 إلى اتجاهين يؤكدان انحياز الاقتصاد على مدى السنوات السابقة ضد العاملين بأجر. ترصد الدراسة ظاهرتين: الأولى هى تراجع نسبة الأجور الحقيقية من الناتج المحلى الإجمالى خلال فترة حكم مبارك من 36% سنة 1981 إلى 25.4% فى 2007. والثانية هى انخفاض نمو الأجور الحقيقية "بشكل ملحوظ" عن نمو الاقتصاد، و«اتساع الفجوة بينهما عبر الزمن». وتعنى الظاهرتان أن الاقتصاد انحاز ضد العاملين بأجر، من عموم المصريين المتجاوزين الفئات والفئوية، وفساد أن فكرة أن انخفاض الأجور هو انعكاس لكسلهم وضعف إنتاجيتهم. إذ أن نمو الاقتصاد الذى يعكس نمو الناتج المحلى أعلى من النمو فى أجورهم وهو ما يعنى بوضوح أنهم يعملون ليحصد غيرهم.

 

ولا تقتصر مشاكل الأجور على ذلك فقط بل تشمل انحيازات أخرى من بينها انحيازها السافر ضد العاملات، والتشوهات الهائلة فى هياكلها، التى تجعل نسبة الأجر الأساسي من إجمالى الأجر تصل أحيانا إلى الربع فقط.

 

لكن إصلاح المعوَّج فيما يتعلق بالأجور ليس فى الحقيقة أمرا يتعلق بإحقاق العدالة أو رد بعض من المظالم لأولئك الذين لا تكفيهم أجورهم للكفاف (وهو ما وصفه نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الحالى الدكتور حازم الببلاوى فى برنامج تليفزيونى بأنه أمر يصل لحد العبودية). تعديل هيكل الأجور صار المرفأ الآمن الأساسى لإنقاذ الاقتصاد من وطأة الأزمة العالمية التى تضرب الأسواق منذ 2008.

 

طريق الإنقاذ

 

هذا هو الاستنتاج الرئيسى للتقرير السنوى لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الصادر يوم الثلاثاء الماضى تحت عنوان «التحديات لسياسة ما بعد الأزمة فى الاقتصاد العالمى». عزا التقرير ارتفاع متوسط معدل النمو فى البلدان النامية عنها فى البلدان المتقدمة (6.5% مقارنة بـ2.5% فى الدول المتقدمة و3.5% فى العالم المتقدم) إلى أن الطلب المحلى هو الذى يقود النمو كما هو الحال فى الصين والهند والبرازيل. «الدخل من الأجور هو المحرك الرئيسى للطلب المحلى فى اقتصادات السوق المتقدمة والناشئة. ولذلك لابد من نمو الأجور لتحقيق الانتعاش والنمو المستدام»، يقول التقرير بلا مواربة.

 

وتمضى الأونكتاد قدما لتؤكد على نهاية نموذج الاقتصاد القائم على التصدير لحساب أرباح الشركات أولا. «قيام كثير من البلدان فى آن واحد بانتهاج استراتيجيات النمو الذى تقوده الصادرات يعنى حدوث سباق نحو القاع فيما يتعلق بالأجور ووجود نزعة انكماشية. وعلاوة على ذلك إذا نجح أحد البلدان فى تحقيق فائض تجارى، فإن هذا سيعنى أنه ستحدث عجوزات تجارية فى بلدان أخرى، مما يتسبب فى حدوث اختلالات فى التجارة ونشوء مديونيات خارجية، أما إذا كان الإنفاق المفرط مدفوعا بتيسير الائتمان وارتفاع أسعار الأصول، كما هى الحال فى الولايات المتحدة قبل الأزمة، فإن الفقاعة الناتجة عن ذلك ستنفجر فى لحظة ما بما تنطوى عليه من آثار خطيرة على الاقتصاد المالى والاقتصاد الحقيقى على السواء». أما التوصية القاطعة فهى: «لذلك فمن المهم اتخاذ تدابير لوقف وعكس الاتجاهات التى لا يمكن تحملها فى توزيع الدخل». ويضيف التقرير أن أحد العناصر التى لابد منها لدعم الاقتصاد هو تعديل الأجور الحقيقية بما يتماشى مع الإنتاجية (فى حالتنا بتقليص الفجوة التى أشار إليها دكتور رضوان بين نمو الاقتصاد ونمو الأجور الحقيقية)، كى يرتفع الاستهلاك المحلى تمشيا مع العرض. وتقول الأونكتاد إن هذا لن يزيد تكلفة العمل للوحدة الواحدة مما لا يهدد التضخم «بل يمكن عندئذ أن تولى السياسة النقدية اهتماما أكبر لضمان إيجاد تمويل منخفض التكلفة للاستثمار فى الطاقة الإنتاجية الحقيقية، الأمر الذى يؤدى بدوره لإيجاد فرص عمل جديدة».

 

ونظرة إلى مطالب عمال المحلة، التى تصفها الحكومة والمجلس العسكرى وإعلام رجال الأعمال المستفيدين من النظام السابق بالفئوية، تكشف لنا إصرار العمال على ضخ استثمارات لتحديث الماكينات ومن ثم زيادة الإنتاج والتنافسية لمصنعهم، الذى كان درة صناعة النسيج العالمية حينما أسسه طلعت حرب فى النصف الأول من القرن الماضى، جنبا إلى جنب مع رفع أجورهم ودخولهم.

 

لن يذهبوا

 

لا التمويل هو المشكلة ولا الاقتصاد سينهار برفع الأجور، بل سيزدهر بتحريره من شبكة المصالح الضيقة للشركات الكبرى وأباطرة الأعمال والتجارة لسماء واسعة من مصالح الملايين، الذين يصنعون ثروته ويصيغون تقدمه. وليس هؤلاء هم من يجب أن ينتظر إذا كان الانتظار واجبا. من يسوقون الحجة وراء الحجة ضد تحسين حياة ملايين المصريين من العاملين بأجر، هم من يقفون ضد ازدهار اقتصاد البلاد والعباد.

 

قرب نهاية عام 2007، وداخل خيمة مطلة على شارع قصر العينى أثناء اعتصام موظفى الضرائب العقارية، جلس القائد العمالى والمناضل السياسى الناصرى كمال أبوعيطة يشرح لى كيف تختلف المعركة بالنسبة له عن مئات ومئات المظاهرات السياسية التى شارك فيها على مدى عقود: فى الحالة الأخيرة أنت تذهب كناشط أو مثقف وتعبر عن رأيك فى ضرب العراق أو اعتداءات إسرائيل على غزة أو حتى تزوير الانتخابات ثم تعود لمنزلك راضيا حتى لو لم تتم الاستجابة لمطالبك لأنك عبرت عن رأيك. أما الحال هنا فهو مختلف: شرط فك الاعتصام لا ثانى له. أن تعود هذه الآلاف بما تراه كافيا ومرضيا من مطالب. أما غير ذلك فسيعنى الاستمرار فى الاعتصام والإضراب لأن المعركة ليست معركة رأى.. إنها معركة حياة.

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات