حيرة واضحة ــ والحيرة عنا لفظ ٌمهذب ــ تملكت أكثر المتابعين للموقف المصرى بعد تصويت مندوبنا أمام مجلس الأمن لصالح مشروعى قرارين متعارضين دون مبرر مفهوم... المشروع الأول كان اقتراحا فرنسيا يقتضى الوقف الفورى للغارات الروسية الوحشية على حلب، وافق عليه أغلبية الأعضاء بمن فيهم مصر وعرقلته روسيا بحق الفيتو... والثانى كان المقترح الروسى الداعى إلى وقف كل صور القتال فى حلب وغيرها لكن دون الإشارة إلى وقف الغارات!... وقد وافقت مصر على هذا أيضا لتكون ضمن أربعة أصوات مؤيدة أمام أغلبية رافضة كلها الفيتو الأمريكى والبريطانى والفرنسى.
هل حاولنا مثلا استرضاء الحليفين الفرنسى والروسى بتسجيل هذين الموقفين؟ ماذا عن المحيط العربى والإسلامى الذى ننتمى إليه والذى عبر عن استيائه من موقفنا على لسان المندوب السعودى؟ هل نمتلك رؤية واضحة للحل فى سوريا، أم أننا قررنا التخلى عن ثقلنا الإقليمى والاكتفاء بدور ثانوى فى دعم غزو أجنبى لدولة عربية شقيقة؟
******************** ******************** ******************
(٢)
روسيا التى يراهن البعض على الاعتماد عليها، صاحبة تاريخ عريض من (الفصول الباردة) حينما يتعلق الأمر بمواقفنا المصيرية، من أشهرها التقاعس والمماطلة فى تزويد مصر بما تحتاجه من أسلحة إبان الإعداد لمعركة التحرير، ومعلوم ما فعله ( السادات) حينئذ... وانتهاء بموقفها المخزى من ترتيبات عودة السياحة إلى مصر على الرغم من كل ما بذله الجانب المصرى من جهود وعلى الرغم من ماء الوجه الذى أهريق مرات ومرات... وفى التوقيت ذاته تدهشك أخبار عودة السياحة الروسية وغيرها من صور التعاون التجارى مع الجانب التركى رغم أن هذا الأخير قد أسقط لها طائرة حربية عامدا متعمدا قبل أشهر قليلة من الآن!
روسيا كما الولايات المتحدة لا تبحث إلا عن مصلحتها، وثمة شواهد كثيرة تؤكد أن مصالحها تلك تتعارض بشكل كبير مع ما تعلنه (القاهرة) من توجهها الاستراتيجى حيال أزمات المنطقة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الإرهاب الذى تبرر روسيا احتلالها لسوريا لمواجهته، لا يناله من غاراتها سوى أقل القليل، فى حين تتحول (حلب) إلى جحيم حقيقى فى كل يوم وليلة يحرق منها الأخضر واليابس والإنسان والحيوان بغير تمييز... دروس التاريخ القريب تعلمنا أن هذه هى الخطوات الأولى لتكوين بيئة مثالية مفرخة للإرهاب!
وروسيا أيضا إنما تكرس لسيطرة إيرانية على طول القوس الواصل من العراق إلى لبنان، وربما أصبح النظام المصرى الآن أكثر استيعابا لخطورة ذلك وما يمثله من تهديد مباشر لأمننا القومى!
******************** ******************** ******************
(٣)
الخط الاستراتيجى الوحيد الذى يمكن قراءته من تحركات الدبلوماسية المصرية هو الحرص على بقاء سوريا موحدة غير مقسمة، وإجهاض الإطاحة ببشار الأسد طالما لم يستبدله النظام السورى طواعية، أى ببساطة الحيلولة دون تكرار ما حدث فى ليبيا واليمن.
ولأجل ذلك تدعم القاهرة كل صور تثبيت بشار الأسد على كرسيه المتهاوى رغم التكلفة الباهظة التى تتكبدها على الجانب الإنسانى أو على جانب علاقاتها الاستراتيجية مع حلفائها من الخليج وعلى رأسهم المملكة السعودية.
والواضح أنه ليس لدى القاهرة أية تفاهمات مع جانب فصائل الثورة السورية، ربما لكونها تخشى من انتصار مجموعات مسلحة على شبه نظام الأسد وهو الأمر الذى سيتحول إلى سابقة جديدة فى المنطقة العربية قد تنتقل عدواها إلى مناطق صراع أخرى... وهذا بالطبع مهدد للنظام المصرى نفسه.
******************** ******************** ******************
(٤)
اللعب على كل الأوراق واعتقاد أنك أكثر ذكاء من كل من حولك يمثل مقامرة غير محسوبة النتائج!