فى الحياة الجامعية قد تصادف أستاذا متميزا فى مادته، يكتب جيدا، ويضع مؤلفات يشار إليها دائما، لكنه لا يستطيع أن يتفاعل بكفاءة مع طلابه، أو أن يحمل إليهم ما يمتلك من معرفة. وإذا كان الأستاذ الجامعى يمتلك ناصية الاثنين معا: العلم الغزير والتواصل الإيجابى، فإنه يصبح متميزا، ومؤثرا. الدكتور مفيد شهاب واحد من هؤلاء، متميز فى علمه، بارع فى تواصله مع مستمعيه، يستطيع أن يبسط حقائق العلم، وهى مهمة صعبة لا يستطيع كثيرون القيام بها. وبالإضافة إلى هذا وذاك، فهو نزيه، مهذب، خلوق يمثل نموذجا رفيعا لرجالات الدولة المصرية.
فى حديثه عن حرب أكتوبر، وسط حشد من الطلاب والطالبات، وأساتذة الجامعة، فى أولى محاضرات الموسم الثقافى لكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، تحدث عن دروس مستفادة من ملحمة أكتوبر، الانتصار والسلام، ساحة القتال وميدان التفاوض، بهدف أن تكون حاضرة فى الأذهان فى مواجهة الأزمات القومية الأخرى. قال عنه الدكتور أحمد زايد، الذى أدار الندوة، إنه نموذج مبدع، ومشرق، يقدس قيمة العدل، ويؤرقه بشدة الظلم، وهى عقيدة مستقرة فى وجدانه وضميره، وشكلت دافعا له لدراسة القانون، والتفوق فيها، كما ذكر الدكتور مفيد شهاب، امتثالا لرغبة والده، رجل التربية والتعليم، الذى رأى أن أفضل مجال دراسى لنجله هو القانون.
أفرد الدكتور مفيد شهاب مساحة معتبرة من المحاضرة للحديث عن مفاوضات طابا، وروى الكثير من التفاصيل المتعلقة بها التى لم يكن غالبية الحضور على علم بها، وأطل كأستاذ قانون بارع على مراحل القضية فى مزج فريد بين مبادئ القانون وتطورات الأحداث، مما جعل المستمع، ومعظمهم من الشباب، يدرك كيف يترجم القانون فى الواقع، والتفرقة الدقيقة بين المصطلحات المتشابهة بلغة سهلة ميسورة متدفقة تبتعد عن التعقيد الأكاديمى الذى يغرق فيه المتخصص.
الدروس التى سطرها الدكتور مفيد شهاب كثيرة منها: الأزمات لا تحل بالشطارة أو الفهلوة، ولكن بالأسلوب العلمى الذى يقوم على التخطيط والتنفيذ الجيد، وروح الفريق، واحترام التخصص. ومهما كان الإنسان على علم ومعرفة، يظل دائما يلتمس خبرة من هم أكثر علما وخبرة، وهى رسالة إلى كل شاب: مهما كان طموحا، واجتهاداته واسعة، وعلى دراية بالاتجاهات الحديثة يظل بحاجة إلى استلهام خبرة من هم أكبر منه سنا وعلما. ولفت أيضا إلى أنه لا يكفى العلم والتخصص فحسب عند التصدى للقضايا الوطنية، بل ينبغى أيضا أن يكون الحس الوطنى حاضرا بقوة. ودلل على ذلك بحوار مع المستشار القانونى الإسرائيلى فى مفاوضات طابا بعد صدور الحكم الذى ذكر له أن بلاده تدرك أن طابا مصرية، لكنهم كانوا على يقين أن المصريين لن يستطيعوا أن يدافعوا عن حقهم بالبرهان والحجة، وقد أذهلهم قوة الدليل وبراعة الدفاع الذى قدمه المفاوض المصرى.
وسوف يظل الدكتور مفيد شهاب واضحا فى أفكاره، منحازا إلى مبادئ القانون، لا يغلبه هوى سياسى أو تعصب فكرى، فعندما سئل عن حادث مقتل سائحين إسرائيليين، ومرشدهم السياحى المصرى فى الإسكندرية منذ أيام، ذكر صراحة: أنه يرفض الحادث، ويمقته، وينبغى أن ينال المخطئ عقابه بعد تحقيق ومحاكمة عادلة، لأنه اعتدى على نفس إنسانية، وأضر بمصالح بلاده، ولكنه أكد فى الوقت نفسه أنه يعارض السياسات الإسرائيلية التى تضرب بعرض الحائط قرارات الأمم المتحدة.
إنه القانون، ونزاهة الالتزام به، التى تحدد زاوية النظر والحكم لرجل عاش فى محرابه، وبرع فيه.