رائع أن يتبع وزير التربية والتعليم سياسة القبضة الحديدية، ويمارس كل أنواع الضبط والربط فيما يتصور أنه إصلاح لحال التعليم فى مصر.. ومع خالص الاحترام لمن صفقوا لجولات الوزير و«كبساته» المفاجئة، إلا أن سياسة «الكمين» التى يتبعها الوزير بدر لم تسفر حتى هذه اللحظة إلا عن بعض «الإفيهات» التى تصلح كعناوين صحفية براقة، قد تطرب البعض لكنها بالتأكيد لا تصلح لإقامة «حياة تعليمية سليمة» كما يتمنى الوزير الثائر أحمد زكى بدر.
لا أشكك فى أن الوزير يريد الإصلاح ــ والتهذيب بالمرة ــ ولا أنكر أنه يخوض معركة يحارب فيها أشباحا تسكن ظلمات أخطر وأهم وزارة فى مصر، لكنى أزعم أن المنهج الاستعراضى الذى يتبعه الوزير فى تنفيذ ما يراه عملية إصلاح وضبط من شأنه أن يحول العملية كلها إلى مهرجانات وكرنفالات دعائية.
وكنت أتمنى لو أن الوزير تمسك بقراراته الباطشة التى اتخذها بشأن العاملين فى مدرسة حلوان التى شهدت البيان رقم واحد لثورة بدر التعليمية، حتى لو كانت تلك القرارات خاطئة أو فيها بعض الإجحاف أو التشدد، لأن من شأن التمسك بها أن يوجه رسالة مباشرة وواضحة بأنه لا تهاون ولا تراجع ولا استسلام.
غير أن الوزير لم يصمد أكثر من أيام قلائل وأعلن تراجعه عن قراراته الثورية بعد تدخل أو توسط وزير الإنتاج الحربى نائب حلوان سيد مشعل وهو ما يصوغ رسالة مضادة شديدة الخطورة مفادها أن الواسطة لا تزال عملة صالحة للتداول فى وزارة التربية والتعليم، والأخطر من ذلك أن التراجع يهز صورة الوزير أمام مرءوسيه ويظهره كمن لا يصمد على موقفه لأكثر من أسبوع.
وظنى أن ما جرى فى الإسكندرية أمس دليل آخر على أن جولات الوزير «المفاجئة» فقدت تأثيرها وجدواها بدليل أن شوارع العاصمة الثانية امتلأت أمس بلافتات ترحيب بالوزير بدر، وهو ما يعنى أن الجميع كانوا قد استعدوا لكى يقدموا له صورة مغايرة لتلك التى أطاحت بعدد من الرءوس فى موقعة حلوان الأولى، بل إن مدارس بعينها استعدت ببرامج احتفالية غنائية بمناسبة قدوم الوزير، والحاصل أن يوما دراسيا كاملا ضرب فى الصميم، حيث تعطلت الدراسة وانصب التركيز كله على مظهر هذه المدرسة أو تلك، أى باختصار كان هناك نوع من «وقف الحال» المؤقت، ورغم ذلك لم يأت الوزير وتضاربت التبريرات بشأن عدم حضوره.
ومهما كان الأمر فإن على الوزير المتحمس أن يعيد النظر قليلا فى سياسة «الصدمة والرعب» بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن شدة الغربال الجديد مؤقتة ولا تصمد طويلا.