نعم نستطيع ذلك، لكن المسألة بحاجة لمهارة وحسن تدبر، مثلما قال لى المستشار حسن الششتاوى، عضو هيئة قضايا الدولة، الذى اكتسب خبرة دولية واسعة من دراسته وعمله فى كندا لخمس سنوات. ويقدم لنا سيادة المستشار خلاصة خبرته التى توضح أن كل دولة لها طريقتها الخاصة فى التعامل مع هذه القضايا. وقد أمدنى بمعلومات مستفيضة عن الدولة التى عادة ما يفضل المستبدون والفاسدون تحويل أموالهم إليها وهى سويسرا. وقد كانت سويسرا محط انتقادات فى تقرير صادر عن البنك الدولى لأنها تتلقى سنويا نحو واحد ونصف تريليون دولار، نصفها من حكام ديكتاتوريات الدول النامية بما فيهم مبارك والقذافى وصدام حسين وغيرهم.
واستطاع بعض الدول استرداد تلك الأموال رغم صعوبة الإجراءات وطول أمد النزاع مثل هاييتى ونيجيريا والمكسيك والفلبين. ويمكن الزعم بأن مصر محظوظة فى هذا الصدد لأن إجراءات التقاضى يمكن أن تكون أبسط وفقا لسعادة المستشار، لأن الحكومة الفيدرالية السويسرية سنت قانونا جديدا تحت اسم «قانون استرداد الأصول غير المشروعة للشخصيات السياسية» (RIAA). وهدف هذا القانون حماية أموال الشعوب التى تعرضت للنهب من قبل سياسييها ووضع آلية جديدة واضحة وسريعة بغية استرداد تلك الأموال وعودتها إلى من يستحقها تجنبا للمحاكمات الطويلة مثل إجراءات التقاضى بشأن أموال موبوتو سيسيسيكو التى استمرت 12 عاما بالمحاكم السويسرية دون جدوى لأن إخواننا من الكونغو أساءوا إدارة ملف استرداد الأموال. وقد دخل هذا القانون الجديد حيز التنفيذ مع مطلع شهر فبراير من هذا العام. وتم تطبيقه فى أول سابقة على ديكتاتور هاييتى جان كلو دوفوليير حيث تمت إعادة جزء من أمواله لهاييتى.
وقد أصدرت الحكومة السويسرية قرارا فى مساء يوم 11 /2/2011 وبعد ثلاثين دقيقة فقط من استقالة مبارك بتجميد أمواله بالبنوك السويسرية مع الأخذ فى الاعتبار أن تلك الأموال سوف تظل مجمدة لمدة عام على أن تبدأ إجراءات المصادرة والاسترداد خلال تلك المدة وفقا لنص المادة 15 من ذات القانون. إذن هناك فرصة حقيقية لاسترداد تلك الأموال. لكن فى حالة عدم تحرك الحكومة المصرية خلال عام للمطالبة بالأموال فسوف تئول تلك الأموال إلى مودعيها. ومن حسن حظنا أن كندا تبنت قانونا مشابها.
إذن علينا التحرك بسرعة فى محاكمة «عادلة» للمسئولين المصريين أمام قاضيهم الطبيعى، ومع توفر أعلى درجات النزاهة والحق فى الدفاع عن النفس. ولو أردنا استرداد أموالنا المنهوبة فى الخارج، فإنه يفضل تأجيل أى كلام عن محاكم استثنائية وفقا للشرعية الثورية. وهذا لا يعنى عدم محاكمة الرئيس وكل الشلة جنائيا على قتل الشهداء وانتهاكات حقوق الإنسان وإهدار المال العام والتربح غير المشروع وكلها محاكمات يمكن أن تساعدنا فى استرداد أموالنا. أرجو أن نعرف تكلفة المطالبة بمحاكمات سياسية استثنائية سريعة لأنها لا يمكن أن تتم وفقا لقواعد التقاضى التقليدية وإنما وفقا للشرعية الثورية لأن التشريعات المصرية لا تتضمن نصوصا تتعلق بعقوبات واضحة بشأن إفساد الحياة السياسية.
طلبت من المستشار حسن الششتاوى أن يبحث فى القوانين الحاكمة لمثل هذا الأمر فى دول الغرب الأخرى، فوعدنى أن يفعل ذلك مشكورا. الموضوع جد مهم. وعلى الجهات المعنية فى مصر التحرك فورا.