** إسبانيا وإنجلترا إلى برلين للمباراة النهائية لبطولة أوروبا يوم 14 يوليو. تلك ليست القصة، ولكنها حكاية الإنجليز مع كرة القدم ومع البطولة التى يحلمون برفع كأسها، وهم فى المباراة النهائية للمرة الثانية على التوالى. وفى المقابل هى ليست حكاية إسبانيا الفريق الأقوى والأفضل فى البطولة، ولكنها قصة لامين جمال الذى سيبلغ السابعة عشرة قبل النهائى بيوم واحد، وهو اللاعب الموهوب الذى قاد إسبانيا للنهائى بهدف رائع، وهو شاب صغير يلعب فى بطولة كبرى دون خوف أو توتر، وإنما يلعب بمتعة وفرح وسعادة وتلقائية كأنه يلهو بكرة قدم أهداها إليه والده ليمرح بها فى الحديقة الخلفية للمنزل.
** قصة المباراة النهائية هى إنجلترا التى ستقاتل كى تهزم عقدتها التى دامت 58 عاما فى مواجهة لامين جمال الذى تفخر به إسبانيا وهو أصغر لاعب فى تاريخ بطولة أوروبا وكأس العالم يسجل هدفا متقدما على لاعب يدعى إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو. وعرفناه باسم بيليه. لقد تحولت تغطية صحافة العالم والإعلام الرياضى ببرامجه وبمقدميه وبمحليليه إلى أن النهائى بين كبرياء إنجلترا وبين مولد إمبارطورية إسبانية جديدة فى عالم اللعبة بقيادة طفل يدعى لامين جمال؟!
** لامين جمال درس بدون أستاذ فى فصل بمدرسة، ومحاضرة بدون دكتور فى مدرج بجامعة. لكل من يعمل فى مجال كرة القدم هنا أو هناك، فهذه هى الطريقة التى تنشأ بها الإمبراطوريات الجديدة. من بين أنقاض القديم، هكذا تولد الفرق الكبيرة من بين أنقاض الفرق المهترئة والممزقة، هكذا تنهض اللعبة برؤى جديدة وبدماء جديدة. وقد سلكت إسبانيا هذا الطريق (يا ترى أنت واخد بالك ياللى فى باللى؟). وهو أصعب طريق للبناء، وليس ما أعنيه هو الطريق إلى برلين.
** لعب لامين جمال تحت 17 عامًا وتحت 19 عامًا، ثم مباشرة إلى الفريق الأول فى برشلونة عندما كان فى الخامسة عشرة من عمره، وأجريت محادثات مع أسرته للتأكد هل سيختار إسبانيا أم المغرب؟ وها هو نجم إسبانيا الأول. والطريف أن لامين جمال احتاج إلى إذن الوالدين للسفر إلى الخارج مع المنتخب الوطنى وبرشلونة. وهناك مدرس مخصص له منذ بداية الموسم، وحددت المديرية الرياضية لناديه هدفًا لهذا الموسم: أن يكمل السنة الرابعة فى المدرسة. أخذ واجباته المدرسية وحصل على نتائج الامتحانات فى دوناوشينجن.. إن لامين جمال ليس مجرد لاعب موهوب ولكنه انتصار للنظام الذى ينتجه ويرعاه ويدفعه إلى بطولة كبرى، وهو يساوى أفضل وأطول سلسلة انتصارات تحققها إسبانيا منذ عام 2010 حيث هزمت فى هذه البطولة كل من إيطاليا وكرواتيا وألمانيا وفرنسا لتذهب إلى أول مباراة نهائية منذ عام 2012.
** منتخب إنجلترا الوجه الآخر للقصة، يصل للنهائى الثانى على التوالى، وهو إنجاز كبير لدولة وصلت إلى نهائى واحد فى تاريخها بالكامل قبل ساوثجيت المدرب الذى يعد الأفضل فى تاريخ منتخب إنجلترا وقد لعب فى الدور قبل النهائى أربع مرات وفى النهائى مرتين متفوقا على ألف رامزى بطل كأس العالم 1966. وسوف تشكل إسبانيا عقبة هائلة فى برلين.
إلا أن هذه اللحظة، وتذكر أنى أتحدث عن تلك اللحظة التى تقرأ فيها هذا المقال. لقد قفز ساوثجيت إلى أعلى شجرة الكرة الإنجليزية وسوف يبقى هناك فى الأعلى لو هزم إسبانيا وتوج بالكاس، وإن لم يفعل فسوف يعود إلى حلبات النقد والهجوم مرة أخرى، وهو كان دائما محل نقد، ويبدو شخصية عامة مكروهة، وهاجمه أفضل الصحفيين الإنجليز كبار المحللين والمذيعين، مع أنه قبل هذه اللحظة وحتى هذه اللحظة هو أنجح مدرب لمنتخب إنجلترا على الإطلاق ومنذ أن تولى المسئولية حتى اليوم. وبعد مباراة برلين إما يستمر ساوثجيت مدربا للمنتخب ويصبح قيصر الكرة الإنجليزية أو مديرا للاتحاد أو مدرسا للتربية الرياضية فى مدرسة بالريف الإنجليزى؟!
** فى الدقيقة 81 وبينما تتجه مباراة إنجلترا وهولندا للوقت الإضافى سحب ساوثجيت قائد الفريق هارى كين وفيل فودين، ودفع بكل من واتكينز وكول بالمر. وكأنى سمعت صيحات الغضب والاستهجان من مدرجات الإنجليز بسبب غباء ساوثجيت. وفى الدقيقة 91 تلقى واتيكنز تمريرة من كول بالمر وسدد مسجلا هدف الفوز لإنجلترا.. وكأنى سمعت مدرجات الإنجليز وهى تهتف وترقص وتغنى احتفالا بعبقرية ساوثجيت.. وعجبى؟!