تعصف الرياح والأمطار والثلوج بمنطقة المشرق العربى مخلفة وراءها الكثير من الدمار الناجم عن بنى تحتية مهترئة وفساد متأصّل فى الدوائر والبلديات. ويكتشف قاطنو هذه الدول كم هى رخيصة حيواتهم أمام صفاقة الفساد المستشرى فى مؤسساتهم الحضرية. وعوضا عن الترحيب بالخير فى المناطق الجافة، نرى الترقّب والهلع سيدى الموقف لدى الأهالى. بالمقابل، لا يسع الجهات الحكومية إلا استنباط التبريرات وأهمها، بل وأسخفها، هو القول بعدم توقع حجم العاصفة.
•••
فى هذا المناخ الطبيعى لشتاء قاسٍ، يرزح اللاجئون السوريون فى المخيمات فى ظروف بشعة تتضافر فيها جهود الطبيعة مع إهمال المستضيفين، وانعدام التنظيم المحلى الداخلى فى المخيم لابتعاد النفسيات طويلا عن العمل المدنى والتعاضدى، وفساد بعض منظمى المساعدات، وكذب المانحين، واستغلال الشعراء والفيسبوكيين للصور وللمشاعر من أجل الاستغراق فى رحلة تبرئة الضمير من عدم القدرة أو الرغبة على المساعدة.
وتتميّز مخيمات الأردن بوضع مأساوى، حيث اقتلعت الخيام وفاضت الأرض وتجمدت الأوصال، وتوفى الأطفال وانتشرت الأمراض. وتنتشر الروايات عن سوء الاستعداد، أو انعدامه حتى، لأى طارئ مناخى فى منطقة صحراوية تقع فى مسارب السيول وسبق أن تم التنبيه إلى سوء اختيارها منذ بدء التداعيات الإنسانية للتغريبة السورية فى مخيمات اللجوء بفضل «حكمة وسلمية الحل السياسى» الذى تتبناه الحكومة السورية منذ بدء الثورة فى مارس 2011.
من خلال هذه المأساة، تتوضح حقيقة «الاستثمار» الأممى فى المأساة السورية فى جوانبها الإنسانية على الأقل. وفى ظل شلل العملية السياسية ونفاق الدبلوماسية الدولية، يبرز العجز الدولى عن تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية، ليس لدعم صمود السوريين أمام آلة القمع والتنكيل، فهذا «كثير» ويمكن أن يعتبره بعض «الشرفاء» تدخلا لا أخلاقيا فى شئون الدول، وإنما مساعدتهم على الأقل فى الاستمرار فى الحياة بانتظار الفرج.
•••
وعودٌ كثيرة انهمرت على ممثلى المعارضة السورية فى اللقاءات التضامنية وفى مؤتمرات «أصدقاء» الشعب السورى لم تتحقق ولو جزئيا. ويستمر السوريون معتمدين على مساعدات مغتربيهم التى تصل بطرق غير منتظمة وأخرى ضئيلة الحجم تديرها بيروقراطية معقدة تصلهم من المنظمات الأممية، ومساعدات محدودة ومشروطة الارتباط أو الشكر أو العرفان من قبل بعض الجهات العربية.
وضعٌ بشع لا يزيده بشاعة إلا الشماتة الصادرة عن مجرمى الولاء، والتصريحات التى تمنّ على الضحايا بأفعالها، وأخرى تدين من تريد أن تصفى حساباتها السياسية معه متذرّعة بالحديث عن مسألة إنسانية، وعبارات شاعرية لا تصرف حتى فى أرخص أسواق الحياة. أضف إلى ذلك، العنصرية المتجسدة فى تعابير بعض الساسة فى مقاربتهم لكارثة لجوء السوريين لبلدانهم هربا من القصف ومن القتل.
•••
فى ماضٍ قريب، تضرّع السوريون لله فى سنوات الجفاف عبر صلوات الاستسقاء من أجل نقطة ماء تروى محاصيلهم المهددة بالتلف. إنهم يصلون الآن للخلاص من الجفاف والتلف الأخلاقى والسياسى والإنسانى.
نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى