اعتمد مؤتمر قمة الأرض المنعقد بالبرازيل عام 1992 التنمية المستدامة كوسيلة للنهضة والمحافظة على البيئة لصالح الأجيال المتعاقبة، بأبعادها التنموية الثلاثة: (الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية).
وفى 6 يناير 2013 دشنت مصر مشروع تنمية محور قناة السويس لاستغلال عبقرية الموقع فى خلق كيانات صناعية وعلمية ضخمة تعبر بمصر إلى المستقبل باعتباره الأكبر فى مشروعات التنمية حاليا، والمُقرر تنفيذ مراحله فى الفترة من عامين إلى ثلاثة تبدأ من مطلع عام 2015، كما توجد إلى جانبه مشروعات تنموية أهمها فى (منطقة جنوب السد العالى وبحيرة ناصر وقرى النوبة القديمة، شبه جزيرة سيناء، مبادرة خمس وزارات لتنمية الصعيد، منطقة المثلث الذهبى للتعدين «سفاجا / القصير / قنا»، المحطة النووية بمنطقة الضبعة لتوليد الكهرباء بالإضافة لمبادرتى المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصِغَر، وقروض مشروعات الطاقة الشمسية ومشروعات الشباب التنموية).
•••
إلا أنه نتيجة لما أسفرت عنه التجارب الدولية فى تنفيذ خططها، أفاد تقرير التنمية فى العالم عام 2009 استمرار التفاوت فى مستويات التنمية، فى الكثير من الدول ومنها مصر.
وفى ضوء ذلك تعالت النداءات المطالبة بعدم الاكتفاء بالأبعاد الموضوعية الثلاثة للتنمية المستدامة، السابق إقرارها فى مؤتمر قمة الأرض، والدعوة إلى إضافة بُعد توازُن مُخططات التنمية. ومع انتشار هذه الدعوة عالميا، تعالت الدعوة إلى اضافة عنصر (التوازى) ليُصبِح البُعد الرابع للتنمية المستدامة هو (توازن وتوازى مُخططات التنمية المستدامة) ليشمل اقليم الدولة كَكل.
وقد بدأ تطبيق الأبعاد الأربعة فى دول عديدة أهمها (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الاتحاد الأوروبى، الصين، الهند). وبدأت تنفيذه دول عربية هى (السعودية، الجزائر، تونس، المغرب)؛ وتسير مصر فيه بأسلوب تصاعُدِى، حيث أدرجته بنصوص واضحة فى دستورها المُعدَّل سنة 2014 لتضفى عليه التِزام الدولة فضلا عن الحماية المُقررة للنصوص الدستورية ومنها الإجراءات المعقدة لتعديله؛ وفيما يلى ما جاء بهذه المواد:
ومن المواد التى أشارت صراحة إلى توازُن التنمية المرتبط بالضرورة بتوازيها: المادة (27) الخاصة بالتزامات النظام الإقتصادى، حيث نصت على أن (ويلتزم ب... والنمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا، ويلتزم اجتماعيا بضمان تكافؤ الفُرَص والتوزيع العادل لعوائد التنمية...). ونص المادة (41) على أن (تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج سكانى يهدف إلى تحقيق التوازُن بين مُعدَّلات النمو السكانى والموارد المُتاحة، وتعظيم الاستثمار فى الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك فى إطار تحقيق التنمية المستدامة). ونص المادة (177) على أن (تكفُل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية، وإدارية، ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، وتقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الإجتماعية بين هذه الوحدات...).
وتوجد مواد تتضمن التأكيد على التنمية المُستدامة وهى: المادة (9) الخاصة بالتزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز. والمادة (28/2) المُتعلقة بالاهتمام الخاص بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصِغَر. والمادة (29) الخاصة بحماية الرقعة الزراعية وتنمية الريف والإنتاج الزراعى والحيوانى وتشجيع الصناعات القائمة عليهما. والمادة (32) الخاصة بالموارد الطبيعية. والمـــادة (43) الخاصة بحماية قناة السويس وتنمية قطاع القناة.
ولأهمية كل هذه المجالات نرى أنها تدخل ضِمن اختصاصات مجلس الأمن القومى برئاسة رئيس الجمهورية الذى يُنشَأ تنفيذا للمادة (205) وكذلك المادة (31) المُتعلقة بالمُحافظة على أمن الفضاء المعلوماتى باعتباره جزءا أساسيا من منظومة الاقتصاد والأمن القومى.
•••
ويأتى تناولنا لهذا الموضوع بعيدا عن التقليل من أهمية أو جدوى ما يجرى وضعه وتنفيذه من مُخططات التنمية المستدامة فى مصر، ولا تصريحات الحكومة عن أسلوبها فى تنفيذ ما ورد بالدستور المُعدَّل خاصا بها، بل هو محاولة لإلقاء الضوء على امكانية تحقيق التوازن والتوازى المطلوب بين تلك المُخططات والتنسيق بينها وبين مشروع تنمية مِحور قناة السويس، وكذلك مدى امكانية ايجاد التكامل المُناسب بينهم.
وبمراعاة نص المادة (176) الخاصة بكفالة الدولة لدعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية؛ سنطرح مقترحات بإدخال بعض التعديلات التشريعية المُناسبة على قانون نظام الإدارة المحلية رقم (43) لسنة 1979 ولائحته التنفيذية، الذى نصت المادة (242) من الدستور المُعدَّل على استمرار العمل به إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه ودون إخلال بأحكام المادة (181) من هذا الدستور، وذلك لأنه وُضِع فى ظروف مُغايرة، ولمواكبة متطلبات الإندفاع الثورى المدروس لتعويض ما فاتنا. ومقترحات أخرى خاصة بالإدارة والرأى العام - وفيما يلى تلك المُقترحات:
1- بالنسبة للمجلس الأعلى للإدارة المحلية: المنصوص عليه وعلى اختصاصاته بالمادتين (5 و 6) من قانون الإدارة المحلية: إعادة تشكيله لِيَضُم فى عضويته : (ممثلاً لمشروع تنمية محور قناة السويس - ممثلاً للصندوق الإجتماعى للتنمية).
وتعديل مواعيد عقد جلساته لتكون مرة كل أربعة أشهر على الأقل بدلا من (مرة على الأقل فى السنة) المنصوص عليها بالمادة (4 مُكرر) من اللائحة التنفيذية للقانون.
وتعديل اختصاصات المجلس المنصوص عليها بالمادة (5) وهى : (... ويتولى النظر فى كل ما يتعلق بنظام الإدارة المحلية من حيث دعمه وتطويره واقتراح القوانين واللوائح والقرارات ذات التأثير على المجتمع المحلى) لتصبح كالآتى: «من حيث دعمه وتطويره والتنسيق بين مُخططات ومشروعات التنمية المُستدامة، والتوصية بما يُمكن تطبيقه من صُوَر التكامل بينها، وذلك استرشادا بنتائج أعمال التنسيق الواردة ضمن اختصاصات لجنة التخطيط القومى بكل اقليم اقتصادى «المنصوص عليها بالمادة ( 8 بند 1) من ذلك القانون» واقتراح القوانين واللوائح... الى آخره).
2- تعديل اختصاص لجنة التخطيط الإقليمى بكل اقليم اقتصادى المنصوص عليه بالمادة والبند المشار اليهما، وهو: (التنسيق بين خطط المحافظات وإقرار الأولويات التى تقترحها هيئة التخطيط الإقليمى والتى تُتخذ أساسا فى وضع بدائل لخطة الإقليم وذلك على ضوء الموارد المتاحة محليا ومركزيا) ليصبح كالآتى: (التنسيق بين خطط... فى وضع بدائل لخطة الإقليم أو التكامل مع خطط ومشروعات التنمية المستدامة بالمحافظات الأخرى أو مشروعات التنمية التى تشمل أكثر من محافظة، وذلك على ضوء الموارد المتاحة... إلى آخره).
3- الاستفادة من جهود وزارة البيئة ومخططاتها، وجهود مراكز التميز فى الجامعات المصرية بشأن التدريب من أجل التنمية المستدامة.
4- تطوير استراتيجية الإدارة المصرية بجميع القطاعات باعتباره المدخل لتحسين الأداء وتطويره واكتشاف وتوظيف الكفاءات. وتفعيل التعاون بينهــا (Synergy) لاستغلال الإمكانيات غير المُستغلة، ولخلق الظهير الحيوى لتنفيذ المُخططات.
5- مُتابعة ودراسة ما يتداوله الرأى العام من أفكار ومُقترحات وشكاوى، واتخاذ القرارات بشأنها فى التوقيت المُناسب، حتى لا يترسخ لديه انطباعات بأن موضوعات تهمه قد أُهيل عليها التراب! والاعتبار بالحكمة السياسية التاريخية التى تقول: إن الحكومات لا تتأثر بضربات خصومها بِقدر ما تتهاوى وتسقط من أخطائها.