صاحب السمو سلامة أحمد سلامة - وائل قنديل - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 4:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صاحب السمو سلامة أحمد سلامة

نشر فى : الجمعة 13 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 يوليه 2012 - 8:00 ص

سيقول لنا التاريخ عن سلامة أحمد سلامة أن رجلا مر فى حياتنا لم يطأطئ جبهته لسلطان أو منصب أو مغنم قط، وبقى وفيا لما يكتب قابضا على جمر مبادئه، مكرسا حياته للكلمة النظيفة المتجردة من كل غرض وهوى، المتمردة على عصا السلطة وجزرتها.

 

ومن هنا يمثل الأستاذ سلامة فى تاريخ مهنة الصحافة ظاهرة فريدة وعجيبة، جعلته كاتبا صحفيا أكبر حجما من المؤسسة وأعلى مرتبة من المناصب العليا فى مهنة الصحافة.. وفى وقت بدت فيه صحيفة «الأهرام» فى حالة تقزم، ارتبطت بتقزم الدور الحضارى والسياسى للدولة المصرية فى أزهى عصور انحطاطها، كان عمود سلامة «من قريب» كيانا صحفيا عملاقا يلامس السماء، على الرغم من أن ارتفاعه لم يكن يزيد على 25 سنتيمترا فى صفحة داخلية.

 

وكان من المتاح للأستاذ سلامة أن يكون رئيسا لتحرير الأهرام وإمبراطورا وحيدا على عرش كبرى المؤسسات، لو أنه تنازل قليلا ومنح ضميره المهنى إغفاءة خاطفة، غير أن الرجل بقى صامدا، عصيا على الإغواء، مترفعا عن مهارشة السلطة فى مناطق ضعفها، وبؤر استجابتها، ففاز بالجائزة الكبرى وهى احترام القارئ، الذى بادله حبا بحب واحتراما باحترام، ما جعله مؤسسة بذاتها، وجريدة وحدها اسمها «سلامة أحمد سلامة».

 

وكان من الممكن أن يرتمى الأستاذ سلامة فى أحضان حزب سياسى أو جماعة معارضة، كرد فعل غريزى على تلمظ السلطة الحاكمة منه، وعبوسها فى وجهه، لكن الرجل كان يمتلك من البصيرة ما جعله يدرك بحس إنسانى شديد النقاء والشفافية أن تخوم مملكته تمتد من سن قلمه حتى عين القارئ، محتفظا بولائه لهذه المساحة الهائلة من التفاعل والشراكة فى وطن يتمدد جغرافيا وتاريخيا على نحو أكثر بهاء وجمالا من واقعه المنكمش.

 

إن الدرس الخالد الذى تركه الأستاذ سلامة هو «الاستقلال» بمعنى أن يكون الكاتب مستقلا عن السلطة الحاكمة، والمعارضة فى آن واحد، بحيث يبقى ضميرا وضوءا كاشفا للخلل حيثما وقع، محلقا فى فضاء حرية الكلمة الموضوعية المتجردة التى تتواشج مع حرية الوطن والمواطن.

 

وإذا كان الزمان قد جاد على كاتب هذه السطور بنيل شرف العمل مع قامة مهنية وإنسانية رفيعة اسمها سلامة أحمد سلامة، فليس أقل من الوفاء لما تركه فينا من قيم ومثل، تفرض على الكاتب أن يبقى مخلصا لما يكتب، مترفعا عن غواية الاقتراب من سلطة الحاكم، ومبتعدا عن دوائر التحزب الضيقة، بما يجعل انتماءه للكلمة وللناس وللوطن.

 

وداعا صاحب السمو المهنى.. وداعا سلامة أحمد سلامة.  

وائل قنديل كاتب صحفي