رحل الأستاذ سلامة.. رحل التواضع الإنسانى، ورحل الالتزام المهنى والأخلاقى، ورحل الإنسان المحترم والصحفى المحترم، هكذا كنا نراه كإنسان، وهكذا كنا نراه كصحفى وكاتب، وهكذا كان يراه القراء.
المحترم.. إنها الكلمة التى تختصر حياة إنسان ومهنة صحفى أجمع الناس والزملاء على احترامه. كان الأستاذ سلامة يجسد أمامى دائما هذا المعنى الفلسفى الذى يقول: «كلما علت قيمة وهامة إنسان وكلما حقق النجاح، فإنه ينحنى تواضعا للناس ولحب الناس ولتقدير الناس...».
برحيل الأستاذ سلامة تفقد الصحافة المصرية والعربية ويفقد الوطن واحدا من جيل الرواد الذين تسلحوا بالثقافة والعلم والضمير الوطنى والأخلاقى فى ممارسة المهنة.. جيل رائد عاش زمن السطر بالقلم. ولحق بزمن الصياغة الإلكترونية. وظل أمينا للقلم يراه سلاحا قاذفا فى وجه الظلم والاستبداد، وسلاحا يكافح به بالنيابة عن مجتمعه وعن القراء من أجل حريتهم ومن أجل حريته. الأستاذ سلامة من جيل مارس الصحافة كرسالة من أجل الوطن والمجتمع. وقد كان شجاعا بذكاء. حين كانت الشجاعة شجاعة. كان الأستاذ سلامة حريصا على إرسال رسالته وممارسة دوره، واستخدم فى تفسير ذلك جملة شديدة البلاغة: «الصحفى الشاطر يمكنه تجاوز الخطوط الحمراء بمنتهى الذكاء إذا أحسن الصياغة».
●●●
وفى حدود الصياغة كان الأستاذ سلامة متمكنا من لغته العربية ومن مفرداتها ومن تركيب الجمل وكان مجددا دائما، ويستمد هذا التجديد من إتقان اللغات الأجنبية التى وسعت من مداركه الثقافية ومن قاعدة كلماته المهنية.. وكان دائما شجاعا وجريئا فى نقد النظام وسلبيات المجتمع، ويمرر هذا النقد بموضوعية وبدقة وباختيار الكلمة المناسبة، التى تبدو فى بعض الأحيان مثل حد سيف وليس سن قلم.
أفتقد الأستاذ الذى علمنى دون أن يعلمنى.. فقد كان الأستاذ سلامة قدوة لجيلنا من الصحفيين الذين كان حظهم طيبا بالعمل معه وفى حضرة جيله الرائد بالأهرام المؤسسة العريقة، التى تظل بيتنا الكبير الذى تربينا فيه وتعلمنا فى أروقته.. وكنت أكثر حظا حين عملت بجوار الأستاذ سلامة بـ«الشروق»، التى كانت تجربة جديدة وثرية بالنسبة له ولنا ولأجيال شابة تحلم بالمستقبل وتتسلح بالأمل.. وفى «الشروق» اقتربت من الأستاذ سلامة كثيرا وكنت أراه رمزا لجيل رائد وعملاق، هذا الجيل الذى علمنا ونحن نراه يعمل، ونراه كيف يحب عمله، ونقرأ له، ونحب ما نقرأ، ونتعلم مما نقرأ ومما نحب، وكم كان جميلا أن يسعدنى حظى الإنسانى والمهنى أن أكون تلميذا لجيل من الأساتذة هم نجومنا، وهم الذين علمونا المهنة بكل حرف وكل كلمة كتبوها.
اليوم أفتقد الأستاذ الذى ترى فى عينه صورة الأب بما فى النظرة من حنان. وترى فى عينه صورة قائد العمل بما فى النظرة من صرامة. وترى فى عينه صورة التواضع بما فى النظرة من صدق وعدم ادعاء. وترى فى عينه صورة المهنة بما فى النظرة من رسالة.
فى حياتنا شخصيات ترحل ويصدمنا رحيلها، مع أن الموت هو الحقيقة الوحيدة فى الحياة. هو نهاية الرحلة.. إلا أنك تظل واهما بأن الأساتذة والعمالقة والرواد يبقون معك وحولك يمارسون دورهم ويضيئون شعلة التنوير، لكنهم فى النهاية يتركوك ويرحلون ويتركون لك ذكريات جميلة ترسم فى عقلك ابتسامة الرضا والمحبة لأنك عشت زمن هؤلاء الرواد..
وداعا أيها الأستاذ.. شكرا لك على ما وهبتنا وما أعطيتنا وما علمتنا.