إذا حدث التوافق الفعلى على أن تكون الأبواب الثلاثة الأخيرة من دستور 1971 هى موضع اهتمام وتركيز الجمعية التأسيسية للدستور، باعتبار أن هذه الأبواب، لاسيما الخامس، هى التى تحدد مركز الثقل فى عملية صنع القرار السياسى بما تتضمنه من تركيز للسلطات فى يد شخص واحد والذى هو رئيس الجمهورية والحكم بين السلطات فى أحد الفصول، والذى هو رئيس السلطة التنفيذية وواضع السياسة العامة للدولة فى فصل أخر، والذى هو شريك فى عملية التشريع بحكم إصداره للقوانين وحقه فى الاعتراض عليها ثم هو رئيس كل أجهزة الدولة وسلطاتها بما فى ذلك كل ما يتعلق بالإدارة المحلية فى الجزء الخاص بها فى الباب الخامس.
وبالتالى ما هى الفلسفة الجديدة التى ينبغى أن تحكم الشكل الجديد للباب الخامس؟ لقد أخذ دستور «بيت الحكمة» المقترح بخمسة مبادئ نظرية تشكل الأساس الفلسفى للصيغة الجديدة. وهذه المبادئ هى: أولا كل سلطة توازيها سلطة مكافئة لها تشترك فى عملية صنع القرار معها. وهى ببساطة تعنى ألا يوجد شخص فى الهيكل السياسى كله يمارس اختصاصاته بعيدا عن جهة إما يستشيرها أو يتخذ القرار بموافقتها. ويبدو هذا واضحا فى عملية اختيار المحافظين مثلهم أو فى تعيين رئيس الوزراء والوزراء أو النائب العام أو قضاة المحكمة الدستورية العليا. فى الدستور المقترح، ستكون كلها مناصب لا ينفرد فيها رئيس الجمهورية بالتعيين أو الاختيار.
ثانيا، كل سلطة تراقبها سلطة أخرى تحاسبها إن أخطأت. وهو مبدأ مستقر فى الديمقراطيات الحديثة بأن تكون الرقابة سريعة وحاسمة بحيث لا تتاح الفترة الزمنية الكافية كى تتحول مؤسسات الدولة وأدوات التشريع إلى أداة قمع سياسى للمنافسين.
ثالثا، كل شخص فى مركز صنع قرار عليه قيود كافية لعدم إساءة استخدام منصبه السياسى بما فى ذلك من تحديد واضح نسبيا للصلاحيات والحصانات والامتيازات المالية وكيفية محاكمته سواء كان رئيس الجمهورية أو الوزراء أو أعضاء البرلمان، مع وضع مؤشرات واضحة لكيفية صياغة القوانين التأسيسية التى تكمل البنيان الدستورى حتى لا تتآكل هذه القيود وتتاح معها فرصة إساءة استغلال المناصب.
رابعا، الاستفادة من أهل الخبرة والتخصص بتفعيل مجلس الشورى وحسن الاستفادة من طاقات العاملين بعد هيكلته مؤسسيا ليعطى مساحة أكبر ليكون مجلسا نوعيا فيه جزء منتخب مباشرة، وجزء منتخب من جهات محددة فى الدولة، ونسبة لا تزيد على عشرين بالمائة يعينهم رئيس الجمهورية وفقا لضوابط معين، ونسبة للمرأة، وتعيين المسئولين السابقين المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية فيه، فضلا عن نسبة للمصريين العاملين فى الخارج حتى يستفيد الوطن من خبرات أبنائه فى الخارج.
خامسا، وضع ضوابط كافية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من خلال مفوضية عليا لحقوق الإنسان، ومجلس أعلى للإعلام، ومفوض برلمانى للقيام بمهام ديوان المظالم. وكل هذا وغيره لنضمن أن تكون الدولة فى خدمة المجتمع وليس العكس. هذه فرصة تاريخية لأبناء هذا الجيل من المصريين أن يعيدوا الاعتبار إلى حقوق الإنسان فى حسابات صانع القرار.