ماذا فعل الداعية السعودى محمد العريفى بخطبه عن مصر؟
الرجل لم يخترع أو يكتشف شيئا جديدا عن مصر والمصريين، لم يعثر على حجر رشيد جديد، ولم يتوصل إلى فك طلاسم نقوش فرعونية مذهلة تبوح بأسرار جديدة عن تاريخ مصر.. كل ما فعله العريفى أنه قال شهادة حق فى مصر والمصريين، هو فقط حاول تذكير الشعب المصرى بقدره وقيمة وطنه، وإسهامه فى صناعة التاريخ والحضارة الإنسانية.
وفى هذه الحدود يستحق العريفى الشكر والاحترام على هذه الروح المحبة والود الصادق والقلق الحقيقى على مصر من الانقسام والاستقطاب ورياح الكراهية السامة بين أبناء الوطن الواحد، غير أن المفارقة أن البعض لم يعجبه ذلك وانهال على الرجل تجريحا وتشويها وإساءة، بالقدر ذاته الذى بالغ فيه آخرون فى الاحتفاء بكلمات الرجل وكأن فتح مصر يبدأ الآن، واكتشاف شعب يسمى «المصريين» تم يوم الجمعة 11 يناير 2013 الموافق 29 من صفر 1434.
إذن ما بين التهوين والتهويل جرى التعامل مع زيارة العريفى، لكن الجدير بالتوقف أمامه هو هذه الحالة من التلمظ من خطاب الرجل، على بساطته وصدقه وانطلاقه من محبة حقيقية لمصر، فمن قائل إنه لم يأت بجديد، إلى ذاهب إلى تحميل الزيارة أكثر مما تحتمل من أغراض وأهداف سياسية وطائفية، وكأن اللد فى الخصومة والشطط فى الاستقطاب واللغو فى المعارضة والعمى فى إدارة الصراع السياسى، جعل البعض لا يطيق أن يسمع كلاما محترما عن بلاده، توهما أن القصد من وراء القول هو دعم النظام الحاكم والتيار الذى يلتف حوله.
وعلى الرغم من أن العريفى خاطب «المصريين» فى عمومهم، ولم يختص المسلمين أو الإسلاميين، فإن حالة من الإصرار على تقويله ما لم يقله بدت عجيبة وغريبة، وكاشفة لحالة من الازدواجية والسطحية فى التلقى.. فيما راح آخرون يفتشون فى ضمير العريفى وأرشيفه ليلتقطوا منه فتوى هنا وأخرى هناك فى موضوعات تخص مجتمعه، ليخرجوا منها بما يهيل التراب عليه وعلى زيارته.
وكان من الأجدر برافضى خطبة العريفى أن يتعاملوا معه بالقدر ذاته من الثناء والاحتفاء الذى قوبلت بها كلمات رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو بيرلسكونى عن مصر والمصريين بعد ثورة يناير، فالرجل وعلى رغم سجله الحافل بالفضائح من كل لون، وجد من يرقصون ويطربون لكلماته عن مصر، حتى وصل الأمر إلى تحويلها إلى لافتات ويافطات تمتد بطول الطريق إلى ومن مطار القاهرة تقول «لا جديد فى مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة» مع صورة بالحجم الطبيعى له.
ومن عجب أن نصفق لبيرلسكونى على هذه المداعبة اللطيفة للشعور الوطنى، ثم نصفر ونتشنج فى وجه العريفى حين يقول ما هو أبلغ وأصدق ويطالب باستثمار فوائض المال الخليجى فى مصر كى تتعافى من عثرتها.