(1)
الصور السابقة من كتاب "الدكتاتورية للمبتدئين.. بهجاتوس، رئيس بهجاتيا العظمى" للفنان الراحل العظيم بهجت عثمان، وهو الكتاب الذي أتذكر كثيراً من صوره المضحكة المبكية في هذه الأيام.
الصورة الأولى تذكرتها أثناء قرائتي لوقائع خطاب الفريق السيسي أثناء الندوة التثقيفية للشئون المعنوية، حيث تولى أحمد بدير، ومحمد صبحي، وإيمان البحر درويش، وكل الحاضرين دور شعراء بهجاتيا العظمى!
والصورة الثانية تذكرتها في اليوم التالي للخطاب، بينما أشاهد مانشيتات ومواضيع كل الصحف. نقترب من مرحلة أن يعطس الفريق السيسي، فتخرج مانشيتات اليوم التالي تتحدث عن عظمة العطسة التاريخية، التي أفشلت المؤامرة واهتز لها الشرق والغرب.
أما الصورة الثالثة فهي ما أتذكره دائماً بينما أشاهد حالة "الأفورة" نحو استفتاء الدستور، مثل تصريحات محافظ القليوبية بأن "من سيصوت بلا خائن وعميل" أو الفريق حسام خيرالله، وكيل المخابرات الأسبق بأن "الاستفتاء على الدستور به خيار واحد فقط هو (نعم) ".. الخ .. وكما قال الأستاذ حزلقوم: ما تاخد تكلمه انتا؟
(2)
"قبل الإفراج عن إمام بساعات اقترب منه ضباط الشرطة في الحجز وطلبوا منه خلع ملابسه الداخلية وتمزيقها أمام بقية المحتجزين. ثم قام اثنان من رجال الشرطة بعصب عينيه وإخراجه من الزنزانة. وتم إرغامه، وهو معصوب العينين ومقيد الحركة بين رجلي الشرطة، على صعود درج مكون من قلبتين بينما كانا يضربانه مراراً.
وفي أعلى الدرج، قام ضابط مجهول باستجواب إمام بشأن آرائه السياسية، وسأله عن كيفية تصويته في الانتخابات السابقة، والأجزاء التي يعارضها من الدستور"
من تقرير هيومان رايتس عن اعتقال محمود إمام، عضو حزب مصر القوية، بعد اكتشاف كمين شرطة حمله لدعاية "لا للدستور".
(3)
يقول بعض المنتمين للجناح - لا مؤاخذة - الديموقراطي، أننا يجب أن ننظر للجانب الممتليء من المزبلة، وأن المهم هو أن المسار بشكل عام يتجه نحو الديموقراطية بإقرار الدستور.
هل المطلوب منا أن نصدق أن اعتقال 22 ناشط متلبسين بجريمة الدعاية المعارضة للدستور هي مجرد هوامش على المسار الصحيح؟
وُجه للمقبوض عليهم تهماً من نوع "حيازة منشورات، محاولة قلب نظام الحكم، إثارة البلبلة والرأي العام، منشورات تحرض ضد الجيش وضد الداخلية" بالإضافة إلى المادة الغامضة رقم 98 من قانون العقوبات التي تحظر جريمة "الترويج لتغيير مباديء الدستور الأساسية، والنظم الأساسية للهيئة الإجتماعية..." وعقوبتها تصل إلى السجن 5 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، وكله بالقانون يا أستاذ!
ما يحدث يطرح سؤالين على الجناح الأمني والجناح - لا مؤاخذة - الديموقراطي كما يسمونهم، في "تحالف 30 يونيو" كما يسمونه:
بالنسبة للجناح الأمني، أو الدولة القديمة: ليه؟
الجميع يعلم أنه بكل ديموقراطية ونزاهة سيمر الدستور، لأنه كقاعدة عامة الناس دائماً "عايزين البلد تمشي". هذه أكثر عبارة سمعتها للموافقة على دستور الإخوان، وهي نفس العبارة التي أسمعها حرفياً في كل مكان الآن.
كنت دائماً اتسائل في حيرة عن سبب تزوير عبدالناصر للاستفتاء عليه، وافتخاره بصورته بينما خلفه لافتة تحمل رقم 99.9 %. كان الرجل محبوباً فعلا، وشعبياً حقاً، ولا يحتاج لهذا الرُخص.
هناك احتمال أن السلطة خائفة، تفكر بوعي كامل أن أي بذرة معارضة يمكن السماح لها بالنمو من أجل الديكور الديموقراطي، قد "تقلب بجد" في النهاية كما حدث مع مبارك سابقاً.
لا أفضل هذا الاحتمال لأني أستبعد وجود الوعي في السلطة التي تصدر لنا أشباه سبايدر في معركة أبلة فاهيتا!
أُفضل تفسير "الغباوة" .. السلطة الأمنية لا تفهم سوى هذا الأسلوب، كل معارض هو عدو وخائن يجب ضربه فوراً دون أي تمييز، لذلك لا فارق بين من يعارض داخل المسار أو خارج المسار، هذا لو كان هناك بينهم من يعرف أساساً كلمة "المسار"!
"التجويد" هو تفسير عظيم آخر .. بالصدفة العشوائية تماماً يشاهد عسكري أوراق "لا للدستور" فيقبض على حاملها من باب الاجتهاد في إرضاء الرؤساء، يقرر الضابط الأعلى منه تسليمه للقسم، ومن ثم حبسه، وكل هذا على مختلف الدرجات بدون أوامر، بل من باب "التاتش بتاعي" كما يقول الأستاذ حزلقوم أيضاً.
كل ما سبق يؤدي لسؤال من يعتبرون أنفسهم الجناح الديموقراطي: لماذا تتبعون سلطة الغباوة والتجويد؟
لا أحمل ذرة أمل فيهم، انتهى كل شيء منذ سقط المئات قتلى واعتٌقل الآلاف، أريد أن أفهم فقط، ولو من باب الخوف على الذات، متى يقرر الإنسان أن يخسر نفسه؟
(4)
"كل جمعة مش أقل من 500 إلى 600 بيتظبطوا .. الأول كنا ننتظر لما يخرج عن سلميته، دلوقت إحنا بنواجه بمجرد التجمع.. انت لما تيجي تواجهه بيجري، اللي بنقدر نمسكه بنمسكه"
وزير الداخلية محمد علي إبراهيم، في مؤتمر صحفي يوم 10 يناير.
(5)
بهجاتوس يا بهجاتوس .. جزمتك فوق الرؤوس
بهجاتوس إنت الكبير .. وإحنا بالكامل حمير
كلنا نفديك بروحنا .. الوزير قبل الغفير
(6)
من صدقوا أسطورة "تحالف 30 يونيو"، ودعونا لتصديقها، هم أول من يكذبها بأفعاله!
التحالف يعني الشراكة، ويعني أنه من غير المنطقي أن يهاجم الشريك شريكه، ثم يظل الشريك فخوراً بكل هذا "التلطيش"!
نشر زياد العليمي جزءاً من رسالة من حسام حسن، العضو البارز بالحزب المصري الديموقراطي في أسيوط، والمعتقل منذ شهر ونصف بتهمة تنظيم مظاهرة دون إخطار، حين احتج مع زملائه على فض مظاهرة الشورى. يقول حسام " هل أخطأنا عندما آمنا بكم ورددنا شعاراتكم؟ هل شعارات العيش والحرية والكرامة الإنسانية هى شعارات الخطيئة؟ أصدقائى المحترمون، هل أجرمنا فى حق أنفسنا وفى حق الوطن عندما تصدينا إلى دولة الإخوان؟"
حسام وغيره معتقلين، أو هاربين من أوامر ضبط وإحضار، بينما نفس الحزب الذي ينتمون إليه يفخر بأن رئيس الوزراء، وعدد من كبار مسئولي الحكومة ينتمون إليه أيضاً!
منذ فترة عُرض على إعلامي كبير أن يعرض قصة حسام في برنامجه، فقال لمن حدثه "خلي زياد والببلاوي يطلعوه!".
من المفترض أن هؤلاء في موقع يسمح تماماً بالتفاوض والندية، السلطة العسكرية والامنية تحتاج هذا الغطاء المدني داخلياً وخارجياً، وفي ظل الدستور الحالي الذي يقلص كثيراً من صلاحيات رئيس الجمهورية، سيحتاج أي رئيس قادم للتوافق مع الأحزاب الممثلة برلمانياً وإلا سيستحيل عليه الحكم.
ورغم كل ذلك فقد اختاروا بشكل واعي الانسحاق الكامل، والتماهي الشامل مع الجناح الآخر الذي يفترض أنه يختلف عنهم في كونه غير ديموقراطي!
لا نتحدث هنا عن مباديء أو أخلاق، بل عن المصلحة البحتة!
تجربة حزب التجمع في عهد مبارك حاضرة دائماً: التماهي مع السلطة يحولك إلى جزء منها بعيد تماماً عن كل الشعارات التي كنت ترفعها، تفقد جمهورك، وفي النهاية سيركلك صاحب السلطة. ما قيمتك إذا حاولت تقليد المخبر، مادام المخبر الأصلي موجوداً؟
من الغريب أن البعض رفضوا نفس صفقة "الشراكة التابعة" حين عرضها الإخوان، ثم قبلوا بها الآن.
في نقاش سابق مع رفيق سابق قال لي أن الإخوان لو كانوا استشاروا غيرهم قبل الإعلان الدستوري، بالتأكيد كان سيتم الوصول لصيغة وسط تضمن أن تقف الأحزاب والقوى الثورية معهم في إجراء إقالة النائب العام، لكن من غير المنطقي أن يصدر القرار بشكل سري منفرد تماماً، وبتفاصيل تخلط المتفق عليه بالمرفوض، ثم يزايد الإخوان علينا برفض الشراكة في هذا الإجراء الثوري.. أي شراكة وأنت لم تسألنا أصلا؟
اليوم نفس الرفيق لا تنتهي تبريراته من نوع "إحنا عارفين إنها مش شرطة سويسرا"، وسيصوت بنعم للدستور، وهو سعيد للغاية بشراكته الوهمية في التحالف الوهمي!
(7)
حنقول نعم تفكر الدنيا بلحظة العبور
(نعم) تخلّي الدنيا نور وخير عميم
غير انها حتجيب لنا رئيس عظيم
رئيس يفكّرنا برئيس مصر القديم
(نعم) تزلزل البلد
(نعمكو) انتو
غير ( نعم) عبد الصمد
هذا ليس جزءاً من كتاب بهجاتيا، بل من قصيدة جديدة للخال الأبنودي. لن أعلق هنا على اتخاذ الأبنودي جانب من كتب ضدهم مراراً، مثل عديد من أساتذتنا السابقين للأسف بل أعلق على الرداءة المبالغ فيها لمستوى الشعر من الناحية الفنية البحتة. ما أسوأ أن يخسر الإنسان نفسه..
ومع ذلك سنظل نردد "ياحضرة الظابط انت كداب، واللي بعتك كداب"، حتى لو غير الأبنودي نفسه رأيه، واعتبر أن الضابط قد تعلم الصدق أخيراً.
(8)
بهجاتوس مش بس إحنا .. ده انت حبك زاد ونطور
تعبدك حتى التيوس .. والبقر ويا الجاموس
كلنا فارشين خدودنا .. في الطريق علشان تدوس
ما انت مالك النفوس
والخزاين والفلوس
والضرايب والمكوس
(9)
ما الفارق بين وصف محافظ القليوبية لمن يرفضون الدستور بالخونة والعملاء، وبين وصف الإخوان لمعارضيهم بالعلمانيين؟
في عهد الإخوان كان يجب أن توافق على الدستور لأن العلمانيين وأعداء الدين هم من سيقولون لا، والآن يجب أن توافق لأن الإخوان وأعداء الوطن هم من سيقولون لا.. ودائماً هناك "منعطف تاريخي" وهناك "ضرورة للمرحلة".
ابتزاز السلطة الحالية لأي معارضة بأنها تقف مع الإخوان، هو بالضبط نفس أسلوب ابتزاز الإخوان لأي معارضة بأنها تقف مع الفلول، وهو سابقاً نفس أسلوب ابتزاز أنظمة مبارك والسادات بالوقوف مع أعداء الوطن، وحتى عهد الرئيس خالد الذكر حين كان المعارضون يُتهمون بالوقوف مع الاستعمار!
نفس السلطة باختلاف وجوهها تستخدم نفس السلاح دائما: التخويف من العدو المرعب، والابتزاز الديني والوطني.. والمنسحقون على اختلاف وجوههم يسقطون دائماً أيضاً.
اكتملت الدائرة . الأجواء "مباركية جدا" . الصحافة والقنوات كلها تغني في نفس الزفة، وإعلاميون وسياسيون ومثقفون وحتى مناضلون سابقون يطبلون .. عاد المخبرون والأمنجية إلى صدارة الإعلام، عاد الإخوان والشباب النشطاء إلى السجون، عادت الدماء لتصبح رخيصة للغاية، عاد التصويت إلى "نعم، نعمين، تلاتة"، وعادت القلة المندسة إلى مواقعها حيث تُتهم بالخيانة.
حين تنتهي الدائرة تبدأ من جديد. وحينها لن يكون هناك مكان لمن اختاروا أن ينشدوا: "بهجاتوس يا بهجاتوس.. جزمتك فوق الرءوس".
روابط ذات صلة:
بالفيديو.. «السيسي»: «الكرسي مكتوب عليه اسم صاحبه»
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11012014&id=d7261a65-77d9-49ac-ba87-e7e2933a3049
لصور السابقة من كتاب "الدكتاتورية للمبتدئين.. بهجاتوس، رئيس بهجاتيا العظمى" للفنان الراحل العظيم بهجت عثمان، وهو الكتاب الذي أتذكر كثيرًا من صوره المضحكة المبكية في هذه الأيام.
الصورة الأولى تذكرتها أثناء قراءتي لوقائع خطاب السيسي أثناء الندوة التثقيفية للشؤون المعنوية، حيث تولى أحمد بدير، ومحمد صبحي، وإيمان البحر درويش، وكل الحاضرين دور شعراء بهجاتيا العظمى!
والصورة الثانية تذكرتها في اليوم التالي للخطاب التاريخي، بينما أشاهد مانشيتات ومواضيع كل الصحف. نقترب من مرحلة أن يعطس الفريق السيسي، فيخرج مانشيت في اليوم التالي يتحدث عن عظمة العطسة التاريخية التي أفشلت المؤامرة واهتز لها الشرق والغرب.
أما الصورة الثالثة فهي ما أتذكره دائمًا بينما أشاهد حالة "الأفورة" نحو استفتاء الدستور، تصريحات الفريق حسام خير الله، وكيل المخابرات الأسبق بأن "الاستفتاء على الدستور به خيار واحد فقط هو (نعم) "، أو محافظ القليوبية بأن "من سيصوت بلا خائن وعميل.." إلخ.. وكما قال الأستاذ حزلقوم: ما تاخد تكلمه انتا؟
(2)
"قبل الإفراج عن إمام بساعات اقترب منه ضباط الشرطة في الحجز وطلبوا منه خلع ملابسه الداخلية وتمزيقها أمام بقية المحتجزين. ثم قام اثنان من رجال الشرطة بعصب عينيه وإخراجه من الزنزانة. وتم إرغامه، وهو معصوب العينين ومقيد الحركة بين رجلي الشرطة، على صعود درج مكون من قلبتين بينما كانا يضربانه مرارًا.
وفي أعلى الدرج، قام ضابط مجهول باستجواب إمام بشأن آرائه السياسية، وسأله عن كيفية تصويته في الانتخابات السابقة، والأجزاء التي يعارضها من الدستور، وتوقعاته لما سيحدث في مصر إذا لم يتم تمرير الدستور".
من تقرير هيومان رايتس عن اعتقال محمود إمام، عضو حزب مصر القوية، بعد اكتشاف كمين شرطة حمله لدعاية "لا للدستور".
(3)
يقول بعض المنتمين للجناح - لا مؤاخذة – الديموقراطي: إننا يجب أن ننظر للجانب الممتلئ من المزبلة، وأن المهم هو أن المسار بشكل عام يتجه نحو الديموقراطية بإقرار الدستور.
هل المطلوب منها أن نصدق أن اعتقال 22 ناشطًا متلبسين بجريمة الدعاية المعارضة للدستور هي مجرد هوامش على المسار الصحيح؟
وُجه للمقبوض عليهم تهم من نوع "حيازة منشورات، محاولة قلب نظام الحكم، إثارة البلبلة والرأي العام، منشورات تحرض ضد الجيش وضد الداخلية" بالإضافة إلى المادة الغامضة رقم 98 من قانون العقوبات التي تحظر جريمة "الترويج لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية" وعقوبتها تصل إلى السجن 5 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، وكله بالقانون يا أستاذ!
ما يحدث يطرح سؤالين على الجناح الأمني والجناح - لا مؤاخذة الديموقراطي - كما يسمونهم، في "تحالف 30 يونيو" كما يسمونه:
بالنسبة للجناح الأمني، أو الدولة القديمة: ليه؟
الجميع يعلم أنه بكل ديموقراطية ونزاهة سيمر الدستور؛ لأنه كقاعدة عامة الناس دائمًا "عايزين البلد تمشي". هذه أكثر عبارة سمعتها من الناس للموافقة على دستور الإخوان، وهي نفس العبارة التي أسمعها حرفيًّا في كل مكان الآن.
كنت دائمًا أتساءل في حيرة عن سبب تزوير عبد الناصر للاستفتاء عليه، وافتخاره بصورته بينما خلفه لافتة تحمل رقم 99.9%. كان الرجل محبوبًا فعلًا، وشعبيًّا حقًّا.
هناك احتمال أن السلطة خائفة، تفكر بوعي كامل أن أي بذرة معارضة يمكن السماح لها بالنمو من أجل الديكور الديموقراطي، قد "تقلب بجد" في النهاية كما حدث مع مبارك سابقًا.
لا أفضل هذا الاحتمال لأني أستبعد وجود الوعي في السلطة التي تصدر لنا أشباه سبايدر في معركة أبلة فاهيتا، وأفضل تفسير "الغباوة".. السلطة الأمنية لا تفهم سوى هذا الأسلوب، كل معارض هو عدو وخائن يجب ضربه فورًا دون أي تمييز، لذلك لا فارق بين من يعارض داخل المسار أو خارج المسار، هذا لو كان هناك بينهم من يعرف أساسًا كلمة "المسار"!
"التجويد" هو تفسير عظيم آخر، بالصدفة العشوائية تمامًا يشاهد عسكري أوراق "لا للدستور" فيقبض على حاملها من باب الاجتهاد في إرضاء الرؤساء، يقرر الضابط الأعلى منه تسليمه للقسم، ومن ثم حبسه، وكل هذا على مختلف الدرجات بدون أوامر، بل من باب "التاتش بتاعي" كما يقول الأستاذ حزلقوم أيضًا.
كل ما سبق يؤدي لسؤال من يعتبرون أنفسهم الجناح الديموقراطي: لماذا تتبعون سلطة الغباوة والتجويد؟
لا أحمل ذرة أمل فيهم، انتهى الأمر منذ سقط المئات قتلى واعتقل الآلاف، أريد أن أفهم فقط، ولو من باب الخوف على الذات، متى يقرر الإنسان أن يخسر نفسه؟
(4)
"كل جمعة مش أقل من 500 إلى 600 بيتظبطوا.. الأول كنا ننتظر لما يخرج عن سلميته، دلوقت إحنا بنواجه بمجرد التجمع.. أنت لما تيجي تواجهه بيجري، اللي بنقدر نمسكه بنمسكه".
وزير الداخلية محمد إبراهيم، في مؤتمر صحفي يوم 10 يناير.
(5)
بهجاتوس يا بهجاتوس .. جزمتك فوق الرءوس
بهجاتوس أنت الكبير .. وإحنا بالكامل حمير
كلنا نفديك بروحنا .. الوزير قبل الغفير
(6)
من صدقوا أسطورة "تحالف 30 يونيو"، ودعونا لتصديقها، هم أول من يكذبها بأفعاله!
التحالف يعني الشراكة، ويعني أنه من غير المنطقي أن يهاجم الشريك شريكه، بالتشويه والهجوم، ثم يظل الشريك فخورًا بكل هذا "التلطيش"!
نشر زياد العليمي جزءًا من رسالة من حسام حسن، العضو البارز بالحزب المصري الديموقراطي في أسيوط، والمعتقل منذ شهر ونصف بتهمة تنظيم مظاهرة دون إخطار، حين احتج مع زملائه على فض مظاهرة الشورى. يقول حسام "هل أخطأنا عندما آمنا بكم ورددنا شعاراتكم؟ هل شعارات العيش والحرية والكرامة الإنسانية هي شعارات الخطيئة؟ أصدقائي المحترمون، هل أجرمنا في حق أنفسنا وفي حق الوطن عندما تصدينا إلى دولة الإخوان؟"
حسام وغيره معتقلون، أو صدر لهم أوامر ضبط وإحضار، بينما نفس الحزب الذي ينتمون إليه يفخر بأن رئيس الوزراء، وعدد من كبار مسؤولي الحكومة من صفوفه.
منذ فترة عُرض على إعلامي كبير أن يعرض قصة حسام في برنامجه فقال لمن حدثه "خلي زياد والببلاوي يطلعوه!".
من المفترض أن هؤلاء في موقع يسمح تمامًا بالتفاوض والندية، السلطة العسكرية والأمنية تحتاج هذا الغطاء المدني داخليًّا وخارجيًّا، ومستقبلًا في ظل الدستور الحالي الذي يقلص كثيرًا من صلاحيات رئيس الجمهورية، سيحتاج أي رئيس للتوافق مع الأحزاب الممثلة برلمانيًّا وإلا يستحيل عليه الحكم.
ورغم كل ذلك فقد اختاروا بشكل واعٍ الانسحاق الكامل، والتماهي الشامل مع الجناح الآخر الذي من المفترض أنه غير ديموقراطي!
لا نتحدث هنا عن مبادئ أو أخلاق، بل عن المصلحة البحتة!
تجربة حزب التجمع في عهد مبارك حاضرة دائمًا: التماهي مع السلطة يحولك إلى جزء منها بعيد تمامًا عن كل الشعارات التي كنت ترفعها، تفقد جمهورك، وفي النهاية سيركلك صاحب السلطة. ما قيمتك إذا حاولت تقليد المخبر، ما دام المخبر الأصلي موجودًا؟
الغريب هو أن بعض من قرروا التماهي مع السلطة الحالية رفضوا عمل ذلك مع الإخوان، رغم أنهم قدموا نفس شروط الصفقة بالضبط: الشراكة التابعة.
في نقاش سابق مع رفيق سابق قال لي: إن الإخوان لو كانوا استشاروا غيرهم قبل الإعلان الدستوري بالتأكيد كان سيتم الوصول لصيغة مرضية للجميع، تضمن أن تقف القوى الثورية معه في إجراء إقالة النائب العام، لكن من غير المنطقي أن يصدر القرار بشكل سري منفرد تمامًا، وبتفاصيل تخلط المتفق عليه بالمرفوض، ثم يزايد الإخوان علينا برفض الشراكة في هذا الإجراء الثوري.. أي شراكة وأنت لم تسألنا أصلًا؟
اليوم نفس الرفيق لا يعدم التبريرات من نوع "إحنا عارفين إنها مش شرطة سويسرا"، وسيصوت بنعم للدستور، وهو سعيد للغاية بشراكته الوهمية في التحالف الوهمي.
(7)
حنقول نعم تفكر الدنيا بلحظة العبور
(نعم) تخلّي الدنيا نور وخير عميم
غير إنها حتجيب لنا رئيس عظيم
رئيس يفكّرنا برئيس مصر القديم
(نعم) تزلزل البلد
(نعمكو) انتو
غير (نعم) عبد الصمد
هذا ليس جزءًا من كتاب بهجاتيا، بل من قصيدة جديدة للخال الأبنودي. لن أعلق هنا على اتخاذ الأبنودي جانب من كتب ضدهم مرارًا، مثل عديد من أساتذتنا السابقين للأسف بل أعلق على الرداءة المبالغ فيها لمستوى الشعر من الناحية الفنية البحتة. ما أسوأ أن يخسر الإنسان نفسه.
ومع ذلك سنظل نردد "يا حضرة الظابط أنت كداب، واللي بعتك كداب"، حتى لو غير الأبنودي نفسه رأيه، واعتبر أن الضابط قد تعلم الصدق أخيرًا.
(8)
بهجاتوس مش بس إحنا .. ده أنت حبك زاد ونطور
تعبدك حتى التيوس .. والبقر ويا الجاموس
كلنا فارشين خدودنا .. في الطريق علشان تدوس
ما أنت مالك النفوس
والخزاين والفلوس
والضرايب والمكوس
(9)
ما الفارق بين وصف محافظ القليوبية لمن يرفضون الدستور بالخونة والعملاء، وبين وصف الإخوان السابق لمعارضيهم بالعلمانيين؟
في عهد الإخوان يجب أن توافق على الدستور لأن العلمانيين وأعداء الدين هم من سيقولون لا، والآن يجب أن توافق لأن الإخوان وأعداء الوطن هم من سيقولون لا.. ودائمًا هناك "منعطف تاريخي" وهناك "ضرورة للمرحلة".
ابتزاز السلطة الحالية لأي معارضة بأنها بهذا تقف مع الإخوان، هو بالضبط نفس أسلوب ابتزاز الإخوان لأي معارضة بأنها تقف مع الفلول، وهو سابقًا نفس أسلوب ابتزاز نظام مبارك ومن قبل السادات، وحتى عهد الرئيس خالد الذكر حين كان المعارضون يتهمون بالوقوف مع الاستعمار!
نفس السلطة باختلاف وجوهها تستخدم نفس السلاح دائمًا: التخويف من العدو المرعب، والابتزاز الديني والوطني، والمنسحقون على اختلاف وجوههم يسقطون دائمًا أيضًا.
اكتملت الدائرة. الأجواء "مباركية جدًّا". الصحافة والقنوات كلها تغني في نفس الزفة، وإعلاميون وسياسيون ومثقفون وحتى مناضلون سابقون يطبلون.. عاد المخبرون والأمنجية إلى صدارة الإعلام، عاد الإخوان والشباب النشطاء إلى السجون، عادت الدماء لتصبح رخيصة للغاية، عاد التصويت إلى "نعم، نعمين، تلاتة"، وعادت القلة المندسة إلى مواقعها حيث تُتهم بالخيانة.
حين تنتهي الدائرة تبدأ من جديد. وحينها لن يكون هناك مجال لمن اختاروا أن ينشدوا: "بهجاتوس يا بهجاتوس.. جزمتك فوق الرءوس".
اقرأ المزيد هنا:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=13012014&id=0f3ed23f-4032-48ff-9490-55d196b8de89