الذكاء الافتراضى وسؤال الإبداعية - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 5:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الذكاء الافتراضى وسؤال الإبداعية

نشر فى : الإثنين 31 مارس 2025 - 5:50 م | آخر تحديث : الإثنين 31 مارس 2025 - 5:50 م

ينفتح الكلام فى إشكالية المقارنة المحورية بين ثلاثية «الذكاء الاصطناعى والإجابات الافتراضية والتفاعل التبادلى»، على مقدمات تساؤلية واسعة تعكس اهتمام المجتمعات المتزايد بهذا الموضوع المستجد، وتهدف إلى تحديد بعض المفاهيم العلمية وتقويم دلالاتها وطرائق استخدامات هذا الذكاء بأنماطه الفطرية والاصطناعية والافتراضية، فى مختلف المجالات العلمية، سعيا للوصول إلى توضيحات واعتماد تحديدات وإزالة التباسات حول مدى مواءمة الذكاء الاصطناعى لخدمة الإنسانية من دون الحد من فاعلية وقيمة ودور الذكاء الإنسانى الفطرى والمُكتَسَب والمتراكم معرفيا بالعلوم والتخصصات والبحوث والخبرات.
الكلام العمقى والمتخصص فى هذا الإطار يطرح قضية ركيزية عنوانها: «الذكاء الاصطناعى وسؤال الإبداعية»، علاقة التكاملات والتمايزات.
تتظَّهرُ انشغالات هذا الموضوع الدقيق علميا وحضاريا على إضمامة من المواضيع الفكرية الساخنة، التى تتطلَّبُ قدراتٍ مجهودةً لمقاربة كيفية الإفادة من «الذكاء الاصطناعى فى التعليم وتشجيع الابتكار»، مع الحرص على الإبداعية الملازمة للإنسان، خلقا واختراعا وتفنّنا ومبادرات، انطلاقا من معادلة، أن الذكاء الاصطناعى، يستجيبُ لأسئلة، لكنه لا يقدم مبادرات!
فى تناول إمكانات الذكاء وتحديات التخصصات الأكاديمية، وصعوبات التمايز والتألُّق وتقوية القدرات التنافسية بين المتخصصين، يحضر السؤال المحورى: أى دورٍ للذكاء الاصطناعى فى تعزيز مستقبل إنسانية الإنسانية؟ وفى تحصين التمايزٍات والفوارق بين الذكاء الطبيعى والذكاء الافتراضى والاصطناعى؟
يتركز «الهدف الأساسى» من التعليم، على تنشئة أجيال قادرة على القيام بأعمال جديدة ومتمكنين من أن يطوروا ويُحدِّثوا ويزيدوا على ما عرفوه، لا أن يقدموا تكرارات لما أنتجته الأجيال السابقة.
الهدف الثانى من التعليم هو «تكوين العقول»، وتغذية القدرات الذهنية لتصبح عقولاً مالكةً القدرةَ على النقدِ والتذوّق والتقويم والتحقّق من كل ما تسمع وترى وتقرأ وتقترح وتبادر، لا أن تكون وسائط للنقل المعرفى ووسائل للتداول العلمى.
فهل يسبّب الذكاء الاصطناعى «الإدمانية» على الاستعانة، و«الاتكالية» على المعلومات المجهزة ويؤدى إلى التكاسل؟ ويخفّف ذلك من الاندفاعية نحو الإبداع والابتكار، أو يبقينا فى وقوفية موصوفة، ودائرة زمنيّة مغلقة؟ هل يرقى الذكاء إلى المستوى الإبداعى الأدبى والوجدانى، شعورا وتفكيرا ووضع حلول؟ فمنْ يقودُ منْ؟ الذكاء الاصطناعى أم الفطرى؟ وهل يحل الذكاء الاصطناعى محل الذكاء الفطرى والطبيعى، وفى أى مجال؟
• • •
الذكاء كمشاع مفتوح إلى أى مدى يشكل عنصرا مساعدا للإنسان؟ أم أنه يحمل أخطارا على البشرية؟ أى دور للذكاء الاصطناعى فى تفعيل الذكاء الطبيعى وتنميته، من حيث إنه عملية تطورية ولحظية واسعة ودائمة النمو؟ ماذا بعد الذكاء الاصطناعى؟ البشرية إلى أين؟ وما هى التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعى على الاقتصاد والبطالة وفرص العمل؟ والسؤال الذى يلحُّ أكثر هو: كيف تتم عملية ردم الهوة بين عدد الوظائف والتخصصات التى ستختفى، أو سيتم الاستغناء عنها بسبب ظاهرة أو عصر الذكاء الاصطناعى، مقارنة بالوظائف الجديدة التى ستنشأ مع هذا تقعيد هذا النمط من الذكاء؟ وهل من خوف أن يحلَّ جيل الروبوتات جزئيا محل المجتمع البشرى؟ تطرحُ أيضا مشكلة غياب (ميزة التمايز)، التى هى شبيهة بالبصمات الإنسانية.
فمع تصنيع الذكاء لن يعود هناك فرادة. بمعنى أن أى جوابٍ اصطناعى عن أسئلة افتراضية أو واقعية قد يكون طبق الأصل. عندها ستفتقد النوعية الإبداعية ويموت الفكر. ثم ماذا عن البطالة التخصصية؟ هل تنامى موجة الذكاء الاصطناعى ستفرض نفسها بقوة على المقررات والبرامج المدرسية وننتقل إلى أنماط ورؤى جديدة من المناهج؟ وهل ستضعف اختصاصات لتحل مكانها اختصاصات جديدة؟ هل سيتم الاعتراف بمفاعيله الأكاديمية والاعتماديّة رسميا؟ مَنْ يراقب «معايير الجودة» فى تعليم ونتاجات الذكاء الاصطناعى؟ هل من قيم يهددها؟ التحدى الأكبر هو؛ كيف نستخدمه للخير العام وتقدم البشرية ورفاهيتها؟ هل هو ذكاء مادى لا مكان للعاطفة والشعور فيه؟ هل مؤسساتنا التعليمية والجامعية مؤهلة لاستخدام الذكاء الاصطناعى ولتعليمه؟ وهل من جهاز أكاديمى مؤهل لذلك، وكيف تتأهل لهذا العصر؟ هل الجامعات ستتقدم بطلبات اعتماد لإدخال الذكاء الاصطناعى إلى برامجها ومناهجها التخصصية؟ ما هو موقف النقابات المنظمة بقانون من إنشاء اختصاصات دقيقة تعتمد الذكاء الاصطناعى ضمن الاختصاص العام، للجامعات رأيها الصلب فى تحديث وتغيير مناهج التخصص التى تسمح بالحصول على إذن مزاولة المهنة؟ هل الجامعات تدرس إمكان تأسيس اختصاص أكاديمى عنوانه (الذكاء الاصطناعى) ويتفرع منه اختصاصات تحاكى الاختصاصات التقليدية؟
الإنسانية ستتحول من منتج للذكاء الطبيعى إلى مستهلك لمنتجات هذا الذكاء، ومنها إلى إدارة الذكاء. هل يمكن إدارة منتجات الذكاء كمثل إدارة المعلومات؟ أخطر التساؤلات الواقعية حول الإشكالية الافتراضية التى يطرحها عنوان هذا الموتمر العلمى، هى (منْ يحمى مستهلك الذكاء الاصطناعى)؟ تماثلا مع حماية المستهلك الغذائى؟ كل نشاط ذهنى يبقى من دون تطوير وإدخالات وإضافات، يصبح من التراث.
• • •
فى هذا الواقع الجدلى نسأل: ما هى ظروف ومعايير ومحاذير توظيف هذا النمط من الذكاء فى التشريع؛ فهل بإمكان هذا الذكاء مثلا أن يقترح أو يضع مشاريع قوانين ويناقشها؟ هل ممكن تقديم مشروع موازنة معدة ببرنامج ذكاء وافتراض نقاشات حولها من نواب افتراضيين؟ ومنه إلى القانون والدستور والاجتهاد التعليم والاختصاص واستخداماته فى القطاعات الصحية والزراعية والصناعية والاقتصادية والبحوث العلمية! وأى رؤية للدولة من اعتماد الذكاء الاصطناعى فى الإدارة؟
فى بلد تكاملى الصيغة، وهذا مصطلح قعَّده الفكر الحوارى اللبنانى، للدلالة على لبنان الذى يتكاملُ بقيم وأخلاقيات أهله وبما يمثله من قيم حضارية وإنسانية وتراثية متفاعلة، علينا أن نطرح ونتفاعل: كيف يخدم الذكاء الاصطناعى إرادة الحوار والرغبة بالتلاقى ووضع استراتيجية لبناء الأفكار والجسور بين الجماعات؟
هذا الموضوع الذى يحمل تحديات تربوية ومجتمعية حادة، يطرح بتبنيه ومحاوره وعناوينه المهنية والتربوية والتخصصية، تحديا بحثيا دقيقا، يؤصّل ويقارن ويوازن، ويحمل تطلعات جادة لبناء مستقبل علمى ينفتح على انشغالات تخصصية واسعة. والجامعات، بدورها الأكاديمى والتوجيهى والعلمى والاستشارى، تشكل الصرح الأكاديمى المؤهَّل لحماية الإبداع والفكر التحديثى، بالتشارك مع اختصاصيين يتمتعون بصدقية الثقة لمواكبة كل مستجد علمى والانتهاء إلى خلاصات بحثية تثرى وتفيد، وتقدم خدمة للأجيال والخير العام والإنسانية. وهذا ما يُحرِّضُ على التفكير بمستقبل الإنسانية، وماذا بعد الذكاء الاصطناعى؟
كل التمنى للجامعات والصروح التربوية ومراكز البحوث بالنجاح فى هذه المهمة الحضارية الحاملة التحدى والوصول إلى عملية رصد دقيقة للمتغيرات التى تفرض نفسها على الواقع التحديثى فى العلم والتعليم والتخصص.
إن دقة القضايا التى يطرحها «الذكاء الاصطناعى» فى المجال التربوى والإدارى والوطنى والإنسانى، يستوجبُ تأكيد الجهوزية الدائمة الاستعداد لمتابعة مسيرة التألق، وإثباتِ القدرة على استئناف الحضارة... وقفلة الكلام فى هذا المحور الذى تتنامى الاهتمامات به، على الصعيدين المحلى والعالمى، من شأنه أن يُحْدِثَ تَغيبراتٍ إيجابية ودقيقة فى مسار التعامل مع «معايير الجودة» ومدى القدرة على اعتمادها فى مجالات استخدام الذكاء الاصطناعى، خصوصا على مستوى الواجبات التى يفرضها على واقع ومستقبل النقابات القانونية ذات الشخصية الكيانية ودورها التنظيمى والرقابى، على مستوى الممارسة كما على صعيد التحقق من قانونية ورصانة وكيانية كل مؤسسة أكاديمية من حيث الإشراف الواجب والتأكُّد من قانونية ورصانة المؤسسات الأكاديمية وعلاقاتها الاعتمادية مع مؤسسات وجامعات عالمية عريقة وذات رصيد أكاديمى جاد، إضافةً إلى حق النقابات من إبداء الرأى الأكاديمى والمهنى التخصصى بالمقررات والمناهج النظرية والتطبيقية التى تمكِّن المتخصص من بناء شخصيته العلمية والمهنية والإسهام بالتطوير والتقدم. من خلال اعتماد الذكاء الاصطناعى كعنصر مساعد فى عملية التمكين والتحديث وتوظيفه لخدمة الذكاء الإنسانى لا للحلول مكانه.
هذه التساؤلات تطرح مُشكلة العلاقة بين «الذكاء الإنسانى» ومسئولية تنميته، والذكاء الاصطناعى وكيفية استثماره لخدمة العلم والتربية وحماية القيم وخدمة الإنسان...
الأخطر من الترويج الأعمى لهذا النمط من التفكير المعلّب والمعلومات المركبة، هو تعظيم الاحتفالية التسويقية التى تقوم بها بعض الجامعات والمؤسسات التربوية التى تعظم شأن الذكاء الاصطناعى للاستغلال الاستثمارى وإظهار مواكبتها لحُمّى العصر، وإدخاله فى سياق الاعتمادات والاعترافات الأكاديمية...
والسؤال الذى يُلِح أكثر الآن هو: مَنْ يحمى الأجيال من هذه الظاهرة غير المقوننة بعد؟ ومَنْ يراقب جودتها، فى الوقت الذى لم يصدر حتى الآن «قانون حماية جودة التعليم»؟ وكيف العمل للحفاظ على عراقة الفكر والإبداع وحماية الرصانة العلمية وعدم تسليع المعرفة؟
جورج كلّاس


جريدة النهار اللبنانية
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/jcynzmr2

 

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات