لن أضيف كثيرا لو كررت ما كتبه الزملاء المختصون من أن موسم دراما رمضان هو أفضل موسم درامى نشهده منذ سنوات طويلة.
والمؤكد أن الدراما التلفزيونية استعادت عافية كانت تنقصها خلال السنوات السابقة التى سادت فيها دراما تزعم تعبيرها عن الشارع، وهى أبعد ما تكون عن همومه، بل على العكس من ذلك فأنها صدرت تلك الرؤية للشارع؛ فتبناها من كانوا بحاجة لإشاعة قيمها والاستفادة منها فى نشر البلطجة والفساد وتجاهل القانون.
ومهما كانت التحفظات على تلك النوعية فإن منعها لن يتم بقرار أو عبر لجان رقابية تشكلها الهيئات ذات الصلة، فالأصل هو حرية الإبداع فكلما رفعت من سقف حرية التعبير تجد فنًا جيدًا بدليل المساندة الجماهيرية التى وجدتها مسلسلات مثل (لام شمسية، ظلم المصطبة، 80 باكو، وقلبى ومفتاحه، وولاد الشمس) وكلها عالجت موضوعات شائكة.
وتقديرى أنه لا يجوز ممارسة الوصاية على الجمهور ليس فقط لأن للجمهور الحق فى الاختيار وإنما لأن الأمور لم تعد كما كانت فى الماضى وبالتالى فإن ما نحتاجه حقا هو فهم سر الشعبية التى تتمتع بها بعض تلك الأعمال التى تزعم تعبيرها عن الشارع رغم نزعتها الاستهلاكية.
يتفق خبراء الدراسات الثقافية على أن ظهور الوسائط الرقمية ساهم فى دخول فئات جديدة إلى عالم الاستقبال الإعلامى وهى فئات كانت مهمشة فى السابق، إما لعدم قدرتها اقتصاديا على شراء أجهزة إعلامية أو عجزها عن القراءة بسبب الأمية وكان هذا العجز يحصر تأثير دوائر الثقافة والإعلام فى فئات معينة ومحدودة وأفضى ذلك إلى ظهور النخب الثقافية وعلى ضفافها هوامش عريضة من الأميين المهمشين الذين لا يعنيهم ما يجرى فى العالم الذى احتكرته هذه النخب إلى أن جاءت الميديا الجديدة بمختلف أشكالها لتكسر ذلك الحاجز الثقافى والتمييز الطبقى بين الفئات وشاع تعبير ديمقراطية الوسائط التى تمنح الجميع نفس الحق فى تلقى المعارف والأخبار والترفيه فى وقت واحد.
وكما يقول الناقد السعودى عبدالله الغذامى فى كتابه المهم (النقد الثقافى) فقد توسعت دوائر الاستقبال وأصبح استقبال الصورة لا يحتاج إلى إجادة القراءة وهو فى الغالب لا يحتاج إلى الكلمات أصلا، وهنا دخلت فئات لم تكن محسوبة على قوائم الاستقبال وأدى هذا إلى زعزعة مفهوم النخبة.
بفضل البث الرقمى صار الجميع سواسية فى التعرف على العالم واكتساب معارف جديدة مما ساهم فى توسيع القاعدة الشعبية للثقافة والإعلام ومن هنا تداخلت دوائر التأويل الثقافى حيث صار بإمكان الجميع أن يستقبل ويفسر دون حاجة إلى وسيط.
بفضل هذا التغيير تراجعت النخبة أو سقطت وسقطت معها الوصاية التقليدية ورموزها التقليديين الذين كانوا يحتكرون الحق فى التأويل وإنتاج الدلالات.
وتلاشت تبعًا لذلك رمزيتها التقليدية التى كانت تملكها من قبل، ولم تعد الثقافة أو الصورة تقدم رموزًا فريدة فى كل المجالات، ربما لأن فكرة الرمزية ذاتها من أهم معالم زمن الثقافة الكتابية التى تلاشت فى عصر ميديا الوسائط السمعية والبصرية وحلت محلها «النجومية» لا بمعنى النجم الفرد وإنما بمعنى المواصفات الفنية والثقافية لدور يمثله نجم أو نجمة، لا بقدراتهما الذاتية الحرة والمستقلة ولكن حسب قدرة أى منهما على تمثيل الصفات وتمثلها، حتى إذا ما تراجعت قدرات هذا النجم تمت إزاحته ليحل محله نجم آخر.
وانظر معى إلى الأمر الواقع الذى عاشه محمد هنيدى وأحمد مكى أو نجمات مثل دنيا سمير غانم وياسمين عبد العزيز فكل هؤلاء يحتاجون إلى مراجعة ونظر فيما قدموه من أعمال.
لكن السؤال يطرح نفسه عن الجماهيرية، وهل هى ظاهرة أوجدها المجتمع الرأسمالى نفسه وهى أيضا ثقافة مفروضة من فوق من سادة صناع «الكيتش»، أو تجار (البضاعة الرخيصة) فهى التى تربى جمهورا تنحصر مشاركته فى الاختيار بين أن يشترى أو يُشترى أم أن لدينا فعلا (ثقافة جماهيرية) عبرت عنها أعمال أخرى مثل (ظلم المصطبة) أو (قلبى ومفتاحه) مثلا؟