علاء الديب «يجعله عامر» - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 20 فبراير 2025 10:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

علاء الديب «يجعله عامر»

نشر فى : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:25 م

 حلت أمس ذكرى رحيل الروائى الكبير علاء الديب الذى جسد طوال مسيرته حالة إنسانية فريدة يندر أن تتكرر، سيما فى التوازن بين السلوك الشخصى والقيمة الإبداعية.

 ورغم قلة عدد الأعمال التى أصدرها، فإنها كانت بالغة التميز فالعدد فى الليمون كما يقال. اختلف علاء عن غيره بسبب شجاعته الواضحة فى معالجة أزمة مثقفى الطبقة الوسطى وكشف الفجوة التى تتسع بين الفعل والعمل لذلك استحق تقدير كتاب جيله والأجيال التى جاءت بعده فهو يكتب كـ«من يقطع من لحمه».

 بعد نحو 30 عامًا أو يزيد ما أزال أذكر المرة الأولى التى رأيت فيها الأستاذ جمال الغيطانى وأهدانى ساعتها - مشكورا- نسخة من المجلد الأول من أعماله الروائية الكاملة مزودة بكلمة على ظهر الغلاف اختارها الغيطانى من مقال لعلاء الديب ولما سألته عن دوافع هذا الاختيار رد بعبارة قاطعة (أنه ضمير جيلنا).

 عبارة كانت كفيلة برؤية علاء من منظور مختلف أبعد من الكتابة، وقد ساعد على ذلك أن اقترابى من غالبية كتاب الستينيات ساهم كثيرا على تأكيد حكم القيمة الذى قدمه الغيطانى، فلم يختلف اثنان على محبة الرجل الذى عرفته فى مرحلة تالية زادتنى بصيرة فى إدراك قيمته الإنسانية والإبداعية.

وطوال سنوات، عملت فيها تحت إشراف الأستاذ إبراهيم أصلان  فى صحيفة الحياة اللندنية، لم يتوقف أبدا عن ذكر مآثر علاء، وكيف أنه لم يكن  يطمئن لأى عمل ما لم يكتب عنه علاء فى زاويته الشهيرة (عصير الكتب) التى ظلت عنده معيارًا لا يفوقه أى معيار آخر.

اعتمد (علاء) على ذائقته الجمالية وحدها وعلى قراءة انطباعية فى مجملها لكن ثقافته الرفيعه مع سلامة ضميره ساعداه دائمًا على تقديم حكم منصف عند  تقييم  قيمة أى عمل، يتساوى فى ذلك الكبير والصغير والمعلوم مع المجهول لأن أداة الفرز كانت واحدة والميزان سليم لا يختل.

وقد لا يعلم الكثير من القراء أنه قد اختار بعد هزيمة 1967 ألا يكتب عن أى شىء سوى الكتب، وأصر أن تقتصر مساهماته فى الكتابة الصحفية على تحرير هذا الباب لأنه لم يرغب فى المشاركة فى أى شىء لا ينسجم مع قناعاته التى أكدتها الهزيمة.

ومن يطالع كتابه الفاتن والشجاع (وقفة قبل المنحدر، من أوراق مثقف مصرى) يسهل عليه إدراك دوافع هذا القرار وأسبابه، التى جاءت كلها ردًا على النكسة، فقد حسم موقفه من زيف الشعارات.

كعادة أسرته لم تشأ أن تعبر ذكراه دون أن تساهم فى إحيائها بتقديم كتاب جديد لم ينشر من قبل وواصلت زوجته المخلصة السيدة عصمت قنديل التقليد الذى بدأته منذ أن رحل، حيث تسند إلى أحد تلاميذه ومريديه تقديم أعماله إلى الأجيال الشابة وسبق لها أن كلفت الصديقين الشاعر علاء خالد وإبراهيم داود بتقديم كتابين، وهذا العام نشرت دار الشروق كتابا جديدا حرره الشاعر الصديق محمد رياض تضمن مقالات علاء الديب التى قدم فيها مئات المبدعين الذين كانوا ينشرون أعمالهم للمرة الأولى ويسطرون صفحة جديدة فى تاريخ أدبنا العربى، كما أعادت الأسرة نشر أول كتاب للراحل الكبير بعد 60 عاما من نشره للمرة الأولى وهو بعنوان (القاهرة) وأضافت له مقدمة حاولت أن أوجز فيها القيمة التاريخية والفنية للعمل الذى يمثل النواة الأولى لكل الأعمال التى جاءت بعده.

 كانت هذه مسألة مثيرة لى عند تناول أعمال الكاتب الذى أخلص لمشروعه طوال نصف قرن كامل ولم يشأ الابتعاد عن الخطوط التى رسمها عند كتابة قصصه الأولى.

كان الراحل يقول لى «أجمل ما فى الكتابة أنها منصفة والأجمل أن يأتى الاعتراف من الأجيال الأصغر لأن هذا هو الأثر».

يبدو أنه كان يقرأ فى كتاب الغيب، فكلنا يعلم أن هناك فئة من الكتاب حظوا بكل شىء ولم يعد لهم من ذكر حتى فى أوساط ذويهم، أما علاء الديب فإن حديقته تزهو بأفراد العائلة عصمت وسارة وأحمد والحفيد يحيى ومعهم الأصدقاء الذين تفتح لهم الأبواب فلا يجدون من رد عند المغادرة سوى الدعاء: «يجعله عامر، حسه فى الدنيا».