نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالًا للكاتبة فاطمة الزهراء عبدالفتاح، تحدثت فيه عن مزايا دمج الذكاء الاصطناعى فى مواقع التواصل، وما التداعيات المستقبلية.. نعرض من المقال ما يلى:
أعلنت شركة ميتا، المالكة لمنصات «فيسبوك» و«إنستجرام» و«واتس آب»، خلال شهر مارس 2025، عن عدة خطوات تعكس مساعيها الحثيثة لتعزيز استثماراتها فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى التى قفزت نفقاتها الرأسمالية للتوسع فى بنيته التحتية من 40 إلى 65 مليار دولار بين عامى 2024 و2025. ففى أسبوع واحد، أعلنت الشركة العملاقة اختبارها أول شريحة تدريب على الذكاء الاصطناعى لتقليل الاعتماد على موردين خارجيين، هذا إلى جانب إطلاقها تحديثًا على تطبيق "واتس آب" يسمح بإضافة واجهة مستقلة للمساعد الذكى (Meta Ai)، وسط أنباء عن اعتزامها إطلاق تطبيق مستقل له خلال الربع الثانى من العام الجارى.
• • •
يندرج مساعد «ميتا» (Meta AI) ضمن تقنيات الذكاء الاصطناعى للتفاعل اللفظى (Conversational AI)؛ وهى أنظمة ذكية مصممة للتفاعل فى محادثات طبيعية مع البشر استنادًا إلى مزيج من تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) والتعلم الآلى للتعرف على مدخلات الكلام والنص، وتوليد الاستجابات، وترجمة المعانى عبر لغات مختلفة.
وتعكس هذه الاستثمارات المتزايدة سعى «ميتا» الحثيث لأن تكون فى صدارة الشركات المتنافسة فى مجال الذكاء الاصطناعى التوليدى، لا سيما مع الكشف عن استعدادها لإطلاق تطبيق مستقل لمساعدها الذكى (Meta Ai) فى الربع الثانى من عام 2025، والذى يتيح مزايا البحث المتقدم، وإنشاء صور وتعديلها، وتحويل الرسومات اليدوية إلى صور متحركة؛ ما يضع الشركة على خط المنافسة مع تطبيقات «شات جى بى تى» لشركة «أوبن إيه آى»، و«جيميناى» لشركة ألفابت، فضلًا عن المنافسين الصينيين الصاعدين بقوة مثل «ديب سيك» لشركة «ليانج وينفينج»، و«كوين» التابع لشركة على بابا.
• • •
تتعدد تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى الإعلام الاجتماعى، ما بين إنشاء الصور والفيديوهات وتوليد النصوص، فضلًا عن تطبيقات الدردشة فى مجالات الإعلان والتسويق وغيرها. ويبدو أن تلك التطبيقات باتجاهها نحو التسارع مع مبادرات الدمج بين التطبيقات الذكية وواجهات الشبكات الاجتماعية، بحيث لا يصبح المستخدم بحاجة لاستخدام تطبيقات خارجية للبحث أو توليد المحتوى أو توجيه سؤال، فيما يعيد تعريف العلاقة التفاعلية بين المستخدمين والتطبيقات الاجتماعية، خاصة مع دمج سمات المساعدين الافتراضيين والمحادثات بالذكاء الاصطناعى عبر تلك الواجهات.
ولا يقتصر دمج سمات الذكاء الاصطناعى التوليدى فى التطبيقات الاجتماعية على تلك المملوكة لشركة "ميتا" فحسب؛ إذ سبق أن أطلقت "تيك توك" فى قمتها العالمية فى مايو 2024 أداة (Symphony) التى تتيح توليد مقاطع الفيديو وتعديلها وتوليد الصور الرمزية، وكذلك ترجمة الفيديوهات ودبلجتها، وتوليد التعليقات الصوتية.
وتوفر أيضًا منصة يوتيوب أداة ذكية للمحادثات لمستخدمى خدمتها المدفوعة فى الولايات المتحدة، والتى تتيح لهم إجراء محادثات وتوجيه أسئلة بشأن محتوى الفيديو الذى يشاهدونه، وهى الأداة التى تولد الردود من خلال نماذج اللغة الكبيرة التى تعتمد بدورها على معلومات من «يوتيوب» والإنترنت، كما تجمع بدورها بيانات حول تفاعلات المستخدمين؛ ومن ثم تطوير نظم التوصية والترشيح.
• • •
تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعى وكذلك البيانات الضخمة على تغيير صناعة التواصل الاجتماعى بشكل ملموس، وهو ما يحمل تداعيات مستقبلية نذكر منها الآتى:
أولًا: أتمتة المحتوى الإبداعى الاجتماعى: أظهرت دراسة أجرتها (Originality AI)، شملت ما يقرب من 9 آلاف منشور طويل على «فيسبوك»، أن نحو 41% من هذه المنشورات من المُحتمل أن تكون مولدة آليًا، وهو ما تزايد بشكل ملحوظ مع ظهور تطبيق «شات جى بى تى»، حيث بلغ متوسط نسبة المنشورات الشهرية المولدة بالذكاء الاصطناعى على «فيسبوك» 24.5% خلال الفترة من 2023 وحتى نوفمبر 2024. كما تتوقع شركة كابتيرا للأبحاث أن يكون نصف محتوى وسائل التواصل الاجتماعى الذى تنشئه الشركات مُولَّدًا بالذكاء الاصطناعى بحلول عام 2026. وإلى جانب ما تعكسه تلك الإحصاءات من تأثيرات محتملة فى سوق الأعمال والوظائف المرتبطة بالشبكات الاجتماعية، خاصة التسويق والإعلان؛ فهى تحمل أيضًا تأثيرات جسيمة بشأن مستقبل التفاعل البشرى عبر شبكة الإنترنت والتأثيرات المُحتملة للاستحواذ والإفراط المتزايد بالمدخلات الآلية عبر الشبكات الاجتماعية؛ ما قد يُفقد التواصل الاجتماعى بصمته الإنسانية ويعمل على تآكل المحتوى الإنسانى الأصيل، ليس فقط على مستوى الاستخدامات الفردية، وإنما على مستوى الإبداع والتفكير الاستراتيجى كذلك.
ثانيًا: المخاوف الأخلاقية: يُثير الوصول الواسع إلى بيانات الأشخاص المستخدمين، مخاوف الخصوصية وإساءة الاستخدام، كما يُمثل المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعى، مثل التزييف العميق والوسائط المصطنعة والمضللة، تحديًا حتى مع التزام الشركات وإعلانها أُطرًا للحوكمة والذكاء الاصطناعى المسئول، هذا بخلاف التحديات المتعلقة بمن يملك الحقوق ويتعهد بالمسئولية عن التداعيات المترتبة على المحتوى المولد آليًا.
ثالثا: تأثيرات غرف رجع الصدى التوليدية: على الرغم من شيوع مصطلح "رجع الصدى" لوصف مجتمعات الويب الاستقطابية التى تتداول الآراء ذاتها بما يُعزز انغلاق المستخدم على توجهاته الحالية، فقد وجد باحثون أمريكيون أن روبوتات الدردشة تمارس مفعولًا مشابهًا، وذلك فى دراسة أجروها على 272 مشاركًا لفحص ما إذا كان البحث على تلك التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعى يُعزز التعرض الانتقائى ويحد من التعرض لآراء متنوعة، وأكدوا أن تلك الروبوتات تميل إلى تكرار آراء الأشخاص الذين يستخدمونها؛ وهو ما يخلق غرف رجع صدى توليدية تُعزز تحيز المستخدمين.
رابعا: ابتكار نماذج آلية جديدة للتجارة عبر الشبكات الاجتماعية: هذا ما يتجسد بوضوح فى التوسع بسوق تجارة المحادثة (Conversational Commerce)، والتى تعتمد على المحادثات والمراسلة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعى لتقديم التوصية بالمنتجات، والعروض، والإجابة عن الأسئلة الشائعة، وحتى المساعدة فى إتمام الصفقات، وهو ما يعتمد فى جانب كبير منه على الذكاء الاصطناعى التوليدى من خلال روبوتات الدردشة والمساعدين الصوتيين الذين يجرون محادثات معقدة مع العملاء، والذى لا يُولد فقط استجابات شبيهة بالإنسان، وإنما يمكنه تحليل سلوك العملاء والتنبؤ بخطواتهم التالية. وقُدرت قيمة السوق العالمية لحلول روبوتات الدردشة فى عام 2023، بنحو 504 مليارات دولار، حيث تعمل أكثر من 80% من الشركات حول العالم باستخدام أحد أنواعها، فيما قُدر عدد بوتات (Bots) المبيعات عبر تطبيق محادثات "فيسبوك" بأكثر من 330 ألف بوت فى عام 2023. تجدر الإشارة إلى أن البوتات هى برامج أو أنظمة ذكاء اصطناعى مصممة لتنفيذ مهام معينة دون تدخل بشرى مباشر، وهى تُستخدم فى مجالات، مثل خدمة العملاء، والتجارة الإلكترونية، والتسويق، وغيرها.
• • •
استحدثت تطبيقات الذكاء الاصطناعى التوليدى عدة مزايا للشبكات الاجتماعية مثل كسر الحواجز اللغوية، وخلق امتدادات للقدرات الإبداعية بإتاحة القدرة على توليد أنماط من المحتوى كانت تتطلب مسبقًا مهارات خاصة مثل تحرير الفيديو وتصحيح الألوان وتصميمات الجرافيك، فلم يعد المستخدم بحاجة لذلك من أجل توليد محتوى جذاب متعدد الوسائط، فضلًا عن تعزيز مزايا واجهات التطبيقات الاجتماعية بروبوتات المحادثة للبحث والدعم والإجابة عن التساؤلات، بما يُعزز من ناحية أخرى قدرات تلك التطبيقات على الشخصنة والتخصيص؛ إذ يُعد الاستخدام المكثف لمنصات التواصل الاجتماعى وتطبيقات تحرير الصور وتوليد النصوص المعززة بالذكاء الاصطناعى مصدرًا لجمع البيانات عن المجتمعات حول العالم، وكذلك لصياغة محتوى مخصصًا أكثر تأثيرًا من الرسائل العامة التى تطلقها الإذاعات والقنوات الموجهة.
لا شك فى أن دخول شركة بحجم «ميتا»، ذات قاعدة مستخدمين مليارية، على خط المنافسة مع روبوتات المحادثة العملاقة وتقديمها لتطبيقات اجتماعية ذات واجهات ذكية عبر دمج تقنيات الذكاء الاصطناعى فيها؛ يعنى ملايين الملايين من مدخلات البيانات متعددة اللغات والوسائط والديمغرافيا وغيرها من المتغيرات القادرة على دفع وتيرة تطوير تلك النماذج بقوة وكفاءة، فضلًا عن تغيير الطريقة التى نستهلك ونتفاعل بها مع وسائل التواصل الاجتماعى، بدءًا من من توصيات المحتوى المخصصة إلى إنشاء المحتوى الإبداعى، وهو ما يحمل أثرًا تحويليًا لتبنى الذكاء الاصطناعى التوليدى ودمجه فى استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعى، وأثر ذلك على سوق الأعمال ونماذج الاتصال الرقمية، وبما يجدد الصراع المستمر بين الابتكار الآلى والإنسانى.
النص الأصلى:
https://bitly.cx/ZEhLy