التحيز فى خوارزميات الذكاء الاصطناعى بات تحديا واضحا فى العالم الرقمى. فعندما تُظهر الأداة تفضيلاً لفئة معينة على حساب فئات أخرى أو موضوع على حساب الآخر، فإن ذلك دليل على أجندات يسعى أصحاب المواقع الى تحقيقها.
منصة «إكس» مثلاً، التى استحوذ عليها إيلون ماسك وأجرى تغييرات جذرية عليها، تُعد مثالاً على كيفية تأثير مالكى المنصات على خوارزمياتها وتوجيهها بما يخدم أجنداتهم. فقد أجرى ماسك تعديلات على خوارزميات التوصية فى المنصة بهدف تعزيز المحتوى وزيادة الوقت الذى يمضيه المستخدمون على المنصة، بحسب ما أعلنه فى تغريدة نشرها على صفحته الخاصة. ومع ذلك، أثارت هذه التغييرات ردود فعل غاضبة من المستخدمين، الذين وصفوها بأنها شكل من أشكال الرقابة، وشككوا فى من يملك الحق فى تحديد ما يُعد «سلبيا» على المنصة.
هذه التطورات تثير تساؤلات حول من يملك الحق فى تحديد المحتوى المناسب على المنصات الرقمية، وما إذا كانت هذه التعديلات تخدم أجندات شخصية أو تجارية. ففى حالة إيلون ماسك، وُجهت إليه اتهامات بالتلاعب فى خوارزميات منصة «إكس» للتأثير على الخطاب العام، وقد أُثيرت مخاوف من أن تكون هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز مصالحه الشخصية، بخاصة فى ظل توجهاته اليمينية المتطرفة الأخيرة التى تعكس تقربه من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
فى هذا السياق، فتحت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية فى باريس (J3) تحقيقا حول منصة «إكس»، عقب تقريرٍ للنائب إريك بوثوريل، بشأن التغييرات الأخيرة فى الخوارزميات بهدف التلاعب بالخطاب الجارى على المنصة منذ استحواذ ماسك.
منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب، برز إيلون ماسك كشخصية مؤثرة فى الساحة السياسية الأميركية، متجاوزا دوره التقليدى كرجل أعمال ورائد فى مجالات التكنولوجيا والفضاء. إذ كُلِّف بقيادة «وزارة كفاءة الحكومة» DOGE المستحدثة، والتى تهدف إلى تقليص النفقات الحكومية بشكل جذرى. وفى خطوة غير مسبوقة، حصل ماسك وفريقه على صلاحيات للتدخل فى نظام المدفوعات بوزارة الخزانة، ما منحهم القدرة على وقف صرف الأموال الفيدرالية للجهات التى يرونها «غير ضرورية»، مثل إيقاف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، طرد جماعى لموظفين حكوميين وإغلاق وكالات بيئية وعلمية.
لم يكن كافيا تقليص الدعم الحكومى، بل استخدم ماسك أدواته التكنولوجية لتبرير هذه السياسات وإعادة تشكيل الواقع بما يخدم مصالحه.
من هنا، لا بد من التأكيد أن تدخل ماسك الكبير فى خوارزميات «إكس» دليل واضح على أنه يعمل جاهدا للترويج لسياسات ترامب وقمع الأصوات المعارضة. فقد أصبحت المنصة معقلاً للخطاب اليمينى المتطرف، مع تقليص المحتوى المعارض، ما يضعنا أمام تساؤلات جديّة بشأن تشكيل وعى جماهيرى منحاز إلى سردية واحدة.
• • •
فى مقال نُشر فى صحيفة «ذا جارديان»، يتناول الكاتب «كيت ييتس» سلوكيات إيلون ماسك المثيرة للجدل، والتى أدت إلى تصاعد الانتقادات ضده داخل الأوساط العلمية. يشير المقال إلى أن ماسك، الذى قُبِل كزميل فى الجمعية الملكية عام 2018 تقديرا لإنجازاته التكنولوجية، أصبح محط انتقاد بسبب مواقفه التى تتعارض مع القيم العلمية، بخاصة بعد دوره البارز فى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
ويشير المقال إلى أن ماسك كان جزءا من سياسات حكومية أسكتت علماء المناخ وخفّضت التمويل فى إطارِ استهداف منهجى للمجتمعِ العلمي، ما دفع الكثيرين الى التشكيك فى التزامه بالمعايير الأخلاقية للعلم، بخاصة أنه كان شنّ هجمات علنية على شخصيات علمية بارزة مثل الدكتور أنتونى فاوتشى وغيره.
وبعد المطالبة بطرده، اعتبر البعض أن هذه الخطوة قد تضعف ثقة الجمهور بالعلم، وأن طمس الحدود بين العلم والسياسة سيُلحق الضرر بسلامة العلم من قبل المجتمع. الأمر الذى ردّ عليه ييتس قائلاً إن «هذا المنظور يتجاهل الدور الحاسم الذى تلعبه المؤسسات العلمية فى ترسيخ المعايير الأخلاقية والدفاع عن سلامة العلم، لا سيما فى الأوقات التى يتعرض فيها العلم والعلماء للتهديد والترهيب من المؤسسات السياسية».
وعلى الرغم من تصاعد الضغوط، لم تتخذ الجمعية الملكية أى موقف واضح ضد ماسك، وهو ما اعتبره كيت ييتس تسييسا للبحث العلمى، الأمر الذى دفعه الى الاستقالة من منصبه فى إحدى مجلات الجمعية.
ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقنى برىء، بل يمكن أن نعتبره بمثابة إعادة هيكلة للوعى العام عبر الخوارزميات.
ختاما، إذا لم يكن هناك إشرافٌ حقيقيٌّ وموضوعى على كيفية تصميم هذه الخوارزميات وتطويرها، فإن المستقبل الرقمى قد يصبح أقل ديمقراطيةً مما نتخيل.
كيندا زيتونى
موقع درج