الاقتصاد السياسى للذكاء الاصطناعى - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الإثنين 24 فبراير 2025 2:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الاقتصاد السياسى للذكاء الاصطناعى

نشر فى : الأحد 23 فبراير 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : الأحد 23 فبراير 2025 - 7:15 م

عندما عُيّن تشارلز ويلسون، المدير التنفيذى لـ«جنرال موتورز» وزيرًا للدفاع فى الولايات المتحدة (1953 - 1957)، قال أمام لجنة برلمانية: «ما يصلح لجنرال موتورز يصلح للبلاد». على نهج ويلسون يمكن القول اليوم، إن أقطاب الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا عمومًا، يقولون إن ما يصلح لنا لا يصلح فقط للولايات المتحدة، بل يصلح أيضًا للعالم. هكذا يفكّر أقطاب «الفيودالية التقنية»، فالنظر اليوم إلى التكنولوجيا وفى قلبها الذكاء الاصطناعى، ينبغى ألا يكون فقط من منظور كونها مسألة تحوّل تقنى وطفرة للعقل البشرى يمكن أن تصلح كتحقيب جديد للبشرية، بل أيضًا وأساسًا بوصفها آليّة جديدة للهيمنة الاقتصادية بعيدًا عن نظريات الصراع الطبقى، ولإعادة تشكيل السلطة السياسية بعيدًا عن صناديق الاقتراع والسرديات التقليدية عن الديمقراطية التمثيلية والدولة والمؤسسات، طبعًا بكل ما لذلك من أخطار تتجاوز قدراتنا على التوقع.

يدرس الاقتصاد السياسى للذكاء الاصطناعى تلك العلاقة المريبة بين الذكاء الاصطناعى والقوى الاقتصادية والسياسية التى تقف وراء تطوّره وتوسّعه وتأثيره على المجتمعات والدول، وعلى بنية صناعة القرار داخلها، وكذلك على الواقع الجيوسياسى والسلم العالمى، هذه العلاقة فى سياق التجربة التى يقدمها الثنائى ترامب/ماسك، يمكن النظر إليها من زوايا عدة، أولاها تزايد نفوذ شركات التكنولوجيا الأمريكية فى محيط صناعة القرار الأمريكى، بل إن إيلون ماسك أصبح يمثل الرئيس غير المنتخب، وخططه فى تفكيك بعض المؤسسات الفيدرالية والولوج إلى معطيات وبيانات حساسة، تثير الجدل، لأن الرجل ليس موظفًا فيدراليًا، ولا يخضع لرقابة الكونجرس. هذا الوضع يهدّد مبدأ فصل السلطات، لأن ماسك يعمل خارج قواعد الديمقراطية التمثيلية التقليدية. على غرار ماسك هناك تصاعد لدور قادة وادى السليكون الذين رسّخوا وضعًا احتكاريًا للتكنولوجيا، لا فقط داخل الولايات المتحدة، بل تقريبًا على المستوى العالمى، وهو ما يجعل من شركات مثل مايكروسوفت، ميتا، أمازون، سبايس إكس، جوجل وغيرها، تبسط يدها على مليارات الدولارات حول العالم، من دون أن تدفع فى غالبيتها، ضرائب ولا أجورًا ولا حقوق ملكية فكرية أو ضمانات حماية الخصوصية، بل لا تتحمّل حتى مسئولية ما يُنشر على منصّاتها أو ما يترتب على استعمال أدواتها، فى مقابل ذلك نجدها تعمل على مقاومة وضع قواعد تنظيمية وقانونية للحدّ من انفلاتها من أيّ رقابة، ويبدو أن تحالفها مع ساكن البيت الأبيض، يمنحها مساحة واسعة للاستمرار على النهج نفسه.
التحدّى الذى يواجه أقطاب التكنولوجيا، وقد يكون مرجّحًا فى تفسير تحالفها مع ترامب إضافة إلى أسباب أخرى سياسية وأيديولوجية، هو حاجة هذه الصناعة الجديدة، من جهة، إلى الطاقة التى تُستعمل فى تخزين البيانات من خلال الحوسبة السحابية، وإن كان هذا الأمر لا يتعلق بالمرحلة الحالية بجلب الطاقة من خارج الولايات المتحدة، بقدر ما هى بحاجة إلى تشريعات منفلتة من سردية الطاقات المتجدّدة وتغيّر المناخ للاستمرار فى استغلال الطاقة الأحفورية داخليًا، ومن جهة أخرى، هى أيضًا بحاجة إلى المعادن النادرة التى تدخل فى صناعة أشباه الموصلات وصناعة الفضاء وصناعة البطاريات، لكن تبقى أهم حماية ينتظرها قادة وادى السليكون هى الحد من المنافسة الصينية عبر كل الوسائل الممكنة، وهنا تصبح الدولة مهمة وضرورة فى خطاب «الفيودالية التقنية»، وقد تابعنا كيف أعلن ترامب إحداث هيكلية جديدة لصناعة الذكاء الاصطناعى بتمويل يصل إلى 500 مليار دولار، للحفاظ على ريادة أمريكا فى هذه الصناعة التى تمثل مستقبل العالم.
المنافسة مع الصين لها أوجه متعددة، لكن الذكاء الاصطناعى أضحى اليوم عنوانها البارز، ذلك أن الهيمنة فى هذا المجال ستمكّن الطرف المهيمن من النفوذ الاقتصادى والردع العسكرى، فاستعمالات الذكاء الاصطناعى من قبل الجيوش والأجهزة الأمنية، أدخلت العالم فى توازنات جديدة. الذكاء الاصطناعى يعادل خطر الأسلحة النووية، ولهذا فإن غياب أى تقنين أو توافق دولى بشأن حدود الذكاء الاصطناعى وأخلاقياته، يجعل العالم مفتوحًا على أخطار غير قابلة للحصر. وكالة أسوشيتد برس كشفت فى تقرير لها عن حرب إسرائيل على غزة، يوم الأربعاء الماضى، كيف أن استعمالات الذكاء الاصطناعى من قبل الجيش الإسرائيلى كانت كارثية، وأنه عوض أن تسهم فى تقليل الضحايا من المدنيين، نجد أنها أسهمت من خلال تقديراتها الخاطئة وتحليلها غير الدقيق للبيانات، فى زيادة عدد الضحايا والخراب، بل إن التحقيق كشف أزمة الأخلاقيات التى ترتبط بالخوارزميات المعتمدة فى تدريب الذكاء الاصطناعى، وأن عدم الدقة فى الترجمة من العربية إلى العبرية كان ثمنه أرواح بشرية. وقد أكد التقرير ضلوع كبريات شركات التكنولوجيا الأمريكية فى عقود مع الجيش الإسرائيلى لرصد البيانات وتخزينها وتحليلها، مثل مايكروسوفت، OpenAI ،DELL ،IBM، أمازون وجوجل.
ويكشف احتكار الذكاء الاصطناعى أهمّية الاستقلال التكنولوجى الذى يمثل اليوم أحد رموز السيادة، فالذكاء الاصطناعى ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو أداة تعيد تشكيل الاقتصاد العالمى والتوازنات السياسية، بحيث تصبح الشركات تقوم مقام الدول والمؤسسات السياسية لتعظيم الأرباح وتعزيز الهيمنة الاقتصادية.

عادل بن حمزة
جريدة النهار اللبنانية

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات