الديمقراطية الأمريكية تطرق نادى جمهوريات الموز! - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 10:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الديمقراطية الأمريكية تطرق نادى جمهوريات الموز!

نشر فى : الثلاثاء 1 أبريل 2025 - 5:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أبريل 2025 - 5:15 م

فى تطوّر لا يبدو مستبعدًا فى عصر «ما بعد الحقيقة»، يبدو أن الديمقراطية الأمريكية العتيدة تفكر فى الاندفاع لحجز مقعد فى نادى جمهوريات الموز؛ فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى لم يعد يكتفى بكسر الأعراف، يريد الآن كسر الدستور نفسه، مُلمّحًا إلى رغبته الجامحة فى الترشح لولاية ثالثة، رغم أن المادة 22 من الدستور الأمريكى تقول، بشكل لا لبس فيه: «لا يجوز انتخاب أى شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين».
لكن من قال إن النصوص الدستورية تشكل عائقًا أمام رجل يتعامل أحيانًا كما لو أن القيود لا تنطبق عليه؟ الرئيس الأمريكى، فى مقابلة حديثة، صرّح بكل جدية ــ لا على طريقة «أنا أمزح» ــ أن «هناك طرقًا» تتيح له البقاء فى البيت الأبيض بعد 2028. والحقيقة أن هذا التصريح لم يكن مفاجئًا، بل يعد استمرارًا لمنهج اتبعه منذ ولايته الأولى: اختبار حدود القانون ثم القفز فوقها.
• • •
فما هى تلك «الطرق» السحرية التى يقترحها ترامب؟
السيناريو الأول، والأكثر تداولًا، هو نموذج «بوتين ــ ميدفيديف»؛ حيث يرشح نائب الرئيس الحالى، جى دى فانس، نفسه للرئاسة فى 2028، ويُدرج ترامب كنائب له. ثم، وبمجرد الفوز، يستقيل فانس، ليعود ترامب إلى سدة الحكم، ملتفًا بذلك على النص الدستورى. يبدو السيناريو كوميديًا، لكنه يعكس استغلالًا فجًا للثغرات ــ وربما عبقرية قانونية لا تخلو من المغامرة.
المشكلة التى تواجه هذا السيناريو هى التعديل الثانى عشر للدستور الأمريكى، الذى يوضح أن أى شخص غير مؤهل للرئاسة، لا يمكنه أن يشغل منصب نائب الرئيس. وهو ما يعنى ــ نظريًا ــ أن هذا المخطط أيضًا محظور دستوريًا. لكن مجددًا، من يهتم بالدستور عندما يتحكم الخطاب الشعبوى فى الرأى العام، وتتحول المحاكم إلى ساحات للشد السياسى أكثر من كونها حامية للدستور والقانون؟
• • •
السيناريو الثانى أكثر طموحًا وأقل واقعية: يتعلق الأمر هنا بتعديل الدستور نفسه. نظريًا، يمكن لأى رئيس أن يطلب من الكونجرس الدعوة إلى «مؤتمر دستورى» يُقِرّ تعديلاً يرفع سقف الفترتين الرئاسيتين. ولكن هذا يتطلب موافقة ثلثى أعضاء الكونجرس، ثم ثلاثة أرباع الولايات، وهو أمر أقرب إلى الخيال السياسى، خاصة فى بلد منقسم إلى هذا الحد.
السيناريو الثالث أكثر خفاءً، لكنه أكثر خطورة: وبمقتضاه يجرى العمل على تحقيق التآكل البطىء للمؤسسات والقيم الديمقراطية. كأن تُطرح فكرة الولاية الثالثة على الطاولة بجدية، وأن تبدأ حملات التمهيد لها من الآن، وأن يجرى تقديمها كـ«حق» للرئيس الذى «سُرقت منه الانتخابات فى 2020»، هذا كله يؤسس لرواية سياسية قد يتبناها نصف الشعب الأمريكى. وعندها، يصبح المستحيل ممكنًا.. ليس لأن الدستور قد تغيّر، بل لأن احترامه قد تلاشى.
وهناك أخيرًا، سيناريو التوريث. فترامب لا يخفى رؤيته لعائلته كـ«سلالة حاكمة». من نجله دون جونيور، إلى لارا ترامب، مرورًا بإيفانكا وجاريد، ويوحى ترامب فى أكثر من مناسبة بأن البيت الأبيض قد يصبح إرثًا قابلاً للانتقال ضمن العائلة.
• • •
فى نهاية المطاف، لعل أخطر ما فى تصريحات ترامب الأخيرة ليس احتمال ترشحه، بل حقيقة أنه قد ينجح فى تحويلها إلى نقاش جدى. بمجرد أن تدخل عبارة «الولاية الثالثة» قاموس الجدال السياسى، تكون الديمقراطية الأمريكية قد بدأت فعليًا العدّ التنازلى نحو نمط حكم لم تعد تختلف فيه كثيرًا عن من تسميهم «أنظمة استبدادية».
وفى ظل هذا المشهد الذى يبدو أقرب إلى عرض سياسى مستمر، يبقى السؤال: هل ما نشهده تطور ديمقراطى طبيعى، أم بداية لانزلاق تدريجى عن المبادئ التى قامت عليها الديمقراطية الأمريكية؟

التعليقات