(قُل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، صدق الله العظيم.
ما أعظم وأروع هذه اللحظات، وما أجمل أن تقرأوا هذه الكلمات بعد أن استعاد المصريون حقهم فى تقرير مصيرهم.
الآن ستكتسب الكلمات معناها الحقيقى: ميدان «التحرير» سيكون ميدان التحرير فعلا، تحرير المواطن. «المواطن» المصرى سيصبح مواطنا فعلا، ليس مجرد مقيم أو أسير. مجلس «الشعب» سيصبح مجلسا للشعب يمثله، لا يمثل به ولا يمثل عليه.
هل هو تدبير ربانى أن يخطئ النظام كل الأخطاء الممكنة، حتى يترك الرجل منصبه بعد أن يترك فينا الكثير من الحزن والحنق الذى يجعلنا لا نحب أن نسمى محطة مترو باسم «محطة مبارك» أو مدينة البحث العلمى بـ«مدينة مبارك» أو أكاديمية «مبارك» للأمن؟
ظلوا يتحدثون عن «خروج آمن» و«خروج كريم» لكن يبدو أن إرادة الله أن يكون الخروج على غير ذلك، بما كسبت أيديهم. أردناه رئيسا سابقا، إلا أنه أبى لنفسه إلا أن يكون رئيسا مخلوعا
وينطبق عليه قول أحمد شوقى:
زمان الفرد يا فرعـــون ولَّى ودالت دولـــة المتجبرين
وأصبحت الرعاة بكل أرض على حكم الرعية نازلين
يا صانعى الرأى العام من مثقفى ومفكرى وإعلاميى مصر الوطنيين: لقد أحسنتم الأمل وأحسنتم العمل. لقد كنتم خير مصداق لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها». لقد كنتم سببا فى قيامة مصر، بنفس منطق من يزرع دون أن يدرى هل يرى نتاج زرعه فى حياته أم لا. لقد كان المصرى متثاقلا أشبه بالزاحف على بطنه يتحرك بصعوبة. وها هى قيامته فيهب واقفا على قدميه مستعدا لأن يحلق فى السماء ليتحرك أسرع وأقوى بعد أن استعاد إنسانيته، وقدم للعالم واحدة من أروع ثورات العالم المعاصر.
يا شباب مصر النبلاء: أنتم نبت عظيم، حولتم الكلام إلى فعل، الحلم إلى حقيقة، الخيال إلى واقع، الفلسفة إلى سلوك، المنطق إلى عمل، شكرا لكم أن جعلتم لكلام الكتاب والمفكرين الوطنيين معنى. شكرا لكم جميعا. وكما كان يقول الفاضل د. سيف الدين عبدالفتاح: «إذا عمل الإنسان بالسنن، فاض الله عليه بالمنن».
وها هى نعم الله ومننه تنزل متسارعة على أهل مصر، بفضل مثقفيها الوطنيين وشبابها الواثقين. ولكن دعونا نتذكر ما كتبته من قبل منسوبا لأفلاطون: «من يعزف عن المشاركة فى الحياة السياسية، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه». وها نحن نتعلم الدرس، فلا للعزوف عن المشاركة فى الحياة السياسية، ولا لأن نترك لغيرنا أن يعبث بمصرنا، أو أن يسرق بلدنا. شاركوا، تَصلحوا، وتُصلحوا.
فلتهدأ الثورة ولا تختفى الروح الثورية، لأننا سنحتاجها لإعادة بناء الوطن.
(قُل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)