تجدد الحديث عن تعديلات دستورية من قبل المعارضين وتمسك رجال الحزب الوطنى بعدم التعديل. وهو مشهد عبثى فيه ما يدعو للفكاهة والتفكير وها أنا أسترجع معكم عددا من مشاهد الأفلام المصرية وأربطها ربطا مفتعلا، لكن لا يخلو من طرافة، بواقع حياتنا السياسية المعيش.
تبدأ السخرية بمشهد لنجاح الموجى فى فيلم «زيارة السيد الرئيس» الذى كان يقوم فيه بدور حلاق القرية. وكان بعد أن يحلق ذقن الفلاحين الغلابة يضع فى يده بعضا من الماء ويقوم بوضعها على ذقن الزبون، كما لو أنها كولونيا ويخرج من فمه صوتا من قبيل(هااااا) وكأن الكولونيا قد بلغت من وجه الزبون مبلغا يؤدى إلى الشعور بالألم، فينتفض الزبون وكأن هناك كولونيا فعلا فى مشهد كوميدى لا يخلو من مبالغة من قبل الحلاق والزبون، الأول بكمية «الكولونيا» السخية التى يضعها على وجه الزبون والثانى نتيجة ارتياحه لأن وجهه قد أخذ نصيبا وافرا من «الكولونيا».
لو تخيلنا الحزب الوطنى هو الحلاق، والشعب المصرى هو الزبون المنتفض من فيض الديمقراطية، عفوا الكولونيا، ألا يكون ذلك تشبيها لطيفا؟ ربما...
وأنتقل الآن إلى إسماعيل ياسين، وهو إجمالا لا يُضحكنى، لكن له مشهدا لطيفا إذ كان يمر على أحد المجانين فى فيلم «إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين» وكان الرجل الذى يضع أذنه على الحائط منهمكا فى الاستماع إلى حوار مهم وحين مر عليه إسماعيل ياسين وأحدث شيئا من الضوضاء، كعادته، زجره المنصت وعنفه قائلا: «هوسسس، إسمع...» فأخذ إسماعيل ياسين الموضوع بجدية وأنصت مهتما لما قد ينقله له الحائط من أصوات، وبعد لحظات قال له: «إيه ده، أنا مش سامع حاجة!!»، فقال الرجل بجدية لا تنطلق إلا من واع بما يقول: «ما هو ده اللى مجننى!!»
ويبدو موقع الكثيرين من المواطنين المصريين من التعديلات الدستورية الأخيرة كموقع إسماعيل ياسين الذى دعى إلى الإنصات وبعدما أنصت باهتمام اكتشف «لا شىء» وحينما تعجب وجد نفسه بلا قضية. ولسان حال الكثيرين من المصريين يقول «ما هو ده اللى مجننا»!!
وأتذكر كذلك مشهد عبدالسلام النابلسى بعد أن وقع على رأسه طبق الملوخية من زينات صدقى فى فيلم شارع الحب بعد أن أكثر من الدعاء: «ابسطها يا باسط»، فكان قوله بعد الطبق الشهى على رأسه: «ما تبسطهاش أكثر من كده». فأجد نفسى، وبكل سخرية وأذى، ألمح المعارضة التى كانت تدعو لتعديل الدستور تقول بعد أن تم تعديله وبنفس نزعة الأسى فى صوت عبدالسلام النابلسى وهو يرفع يده اليمنى قائلا: «بس ما تعدلهوش أكثر من كده.» وأما وقد تجددت المطالبة فلينتظروا طبقا جديدا من الملوخية على رءوسهم.
ولعبدالفتاح القصرى نصيب وهو يشير إلى «عنكب» تلك الخلطة الغريبة من الشومة والشاكوش والذى سأله عنه نجيب الريحانى فقال له «ده من مخلفات الوالد الله يرحمه»، ثم سأله عن مطرقة ضخمة فقال له بصوته الأجش وعينيه الجاحظتين: «هذه الحاجة زهرة». فسأله نجيب الريحانى: «ودى من مخلفات مين»؟ فقال له: «لأ، دى من منشآتى أنا».
ويبدو الأمر مثيرا للتأمل والدولة تقول إنها ورثت حالة الطوارئ عن عهود سابقة، فهى ليست مسئولة عنها، كما ورث عبدالفتاح القصرى عنكب، ولكنها استحدثت معها فكرة إعداد قانون للإرهاب، كما استحدث صاحبنا الحاجة زهرة. وفى ظل التركيبة الحالية والمتوقعة لمجلس الشعب ما أسهل أن تعلن الدولة حالة الطوارئ فى ظل وجود قانون الإرهاب أيضا.
وهنا يكون السؤال: إذا كانت الدولة تريد أن تحمى المجتمع من إرهاب الخارجين على القانون، لكن من الذى يحمى المجتمع من إرهاب بعض القائمين على تنفيذ القانون مع يقيننا بأنهم قلة، لاسيما مع وجود أحكام قضائية كثيرة لا تنفذ، ومجلس شعب لا يستطيع طرح الثقة بالحكومة حتى لا يحله الرئيس؟
ولمحمد صبحى نصيبه من الكوميديا فى مسرحية تخاريف التى تنفع فى التندر على واقعنا السياسى المثير للتأمل حين قرر أن يطبق «الرأسماكية» وهى خلطة من الاشتراكية والرأسمالية يعمل بموجبها الجميع عند الحكومة، والحكومة «تلم الفلوس»، وحين وجد قنبلة مشتعلة فى الدرج صرخ قائلا: «ارميها على الشعب» وحين طلب «ابن الشعب» أن يتحدث إلى الناس فى المايكروفون فرفض الديكتاتور إعطاءه إياه قائلا: «عايز المايكروفون علشان تفكه وتبيعه».
وقد خاف التليفزيون الرسمى فى عام 2005 من أن يستضيف أيا من المعارضين للاستفتاء على أى من قنواته خلال الأيام الستة بين موافقة مجلس الشعب على التعديلات وبين الاستفتاء بل ووجه ضيوف التليفزيون الرسمى للمعارضين فيضا من الاتهامات بالتخاذل والإرهاب الفكرى وعدم احترام الديمقراطية وغيرها دون أن يعطوا للمعارضين المايكروفون حتى لا يفكوه ويبيعوه، والله أعلم باللى فى ضميرهم أثناء تعاملهم مع أبناء «الشعب».
وهو استمرار لحقيقة أن الحزب الوطنى يخشى أن يكون للأحزاب الأخرى قنواتها التليفزيونية والإذاعية حتى لا يكون للمعارضة فرصة فى إفساد عقول الناس فى ظل سيطرة الثقافة السمعية والبصرية على مجتمع ليس مشهودا له بعشق القراءة.
ولمحمد صبحى فى شخصية عم أيوب عبرة لفهم الواقع المصرى. فالرجل الذى يبدو بطيئا جدا لدرجة الملل فى مشيه يدعوه الناس لكى يسرع فى المشى، فيقول لهم بوضوح إن عملية المشى مستمرة من أول لحظة دخل فيها المسرح لكنه «يمشى فى الجزمة الأول». وفجأة يهرول عم أيوب وكأن تباطؤه السابق لم يكن لأى سبب واضح. وهكذا وجدت مصر نفسها فى حالة انتظار تعديلات دستورية لسنوات طويلة وحينما تأتى التعديلات، تناقش فى مجلس الشعب فى أقل من يومين ويتم التصويت عليها خلال ستة أيام. ويخرج علينا من يقول إن التعديلات كانت بتناقش من زماااااااااان بس إحنا اللى ما كناش واخدين بالنا، وأتارينا كنا بنمشى فى الجزمة الأول.
ورغما عن أنها ليست كوميدية لكنها مثيرة للتأمل تلك الأبيات التى قالها فؤاد نجم عن الشعب المصرى، «فاهمين وبنتغابى...خيخة لا ناب ولا فم». وهى نظرية متكاملة فى عدة كلمات. المصريون ليسوا أغبياء، حتى لو قابلنا بعض غير المبالين والمتواكلين أو المبالغين فى الاستخفاف بمشاعر ومصالح الآخرين، لكنهم يختارون أن يتصرفوا بغباء مصطنع كوسيلة للدفاع عن النفس أو لتحقيق مصالح غير مبررة. لماذا؟ لأنهم خيخة لا ناب ولا فم، أى بلا قدرة على التغيير الفعلى، ألفوا الكسل واعتادوا اللامبالاة وأصبح جزءا من شخصية المصرى أن يتكيف مع واقعه، لكنه لا ينسى أن يلعنه بدلا عن أن يعمل على تغييره.
فالموظف الذى يرفض إعطاء المواطن حقه إلا بعد دفع «الشاى» أى (الرشوة المحرمة شرعا) ليس غبيا لكنه من الممكن أن يتصرف بغباء وظيفى (أى له وظيفة مباشرة) كى يعطل مصالح المواطنين من قبيل الحاجة إلى طابع أو أن الختم غير واضح أو هات شهادة تثبت أنك لم تزل حيا: أى فوضى لُغوية...المهم الزبون يدفع.
وهذا النقد ليس المقصود منه اليأس، وإنما هذه هى نقطة البداية الحقيقية فى أى نهضة. وسأشير فقط إلى النقد الحاد الذى وجهه مهاتير محمد لمسلمى ماليزيا لتكاسلهم وتواضع أدائهم المهنى والعلمى مقارنة بالأقليات الأخرى فى ماليزيا.
وفى آخر مسرحية الزعيم، أبيات شعر غير كوميدية لكنها ذات دلالة مهمة... حيث يقول جمع الناس لـ«زينهم» الزعيم الجديد: «إنت الفارس، إنت الحارس، إنت مفجر ثورة مارس، ابن لنا مستشفيات ومدارس... وقول للعفاريت حابس حابس. فيرفض زينهم ويرد بلسان من وعى الدرس: لأ لأ، تانى هنبدأ، الشعب اللى مصيره فى إيده هو الفارس هو الحارس... الأحلام مش عاوزة فوارس... الأحلام بالناس تتحقق». نعم، الأحلام بالناس تتحقق.
وأختم هذه النكتة الطويلة بمقولة نجاح الموجى فى إحدى المسلسلات حيث كان يعمل سباكا، وكان يختم كل حواراته بهز كتفيه ثم يقول: «ها تسلك... ها تسلك» وهى نظرة تفاؤلية تذكرنا بأنه مادامت الماسورة الأم فى مصر مسدودة فإن شاء الله ها تسلك.
هل نحن نضحك فرحا؟ لا، ولكنه كضحك من لا يريد البكاء. وكما قال الشاعر:
لا تحسبن أنى أرقص فرحا *** فالطير يرقص مذبوحا من الألم
وتذكروا: إن الله لا يغير حكام قوم حتى يغير ما بأنفسهم.
أخيرا أقول: اضحكوا حتى نتجنب الموت...وفكروا حتى نجد الحل... وشاركوا حتى لا نفقد الأمل.