بما أننا حديثو عهد بالديمقراطية فسنحتاج ربما لقضاء بعض الوقت لاستيعاب معنى كلمة «مستشار» رغما عن أنها تبدو واضحة ولكن استخدام البعض لها يجعل الإنسان يظن أن مستشار رئيس الوزراء هو «رئيس وزراء مناوب» أو هو «حضرة رئيس الوزراء النباتشى»
والبعض لا يفرق كثيرا بين المستشار وبين المحافظ أو موظف البلدية، أهو «كلكم حكومة مع بعضكم، هو أنا هاخد بالى من مين واللا مين؟!» فيقابلك شخص ويطلب منك «واسطة» كى يوصلوا الغاز إلى المنطقة التى يعيش فيها، أو سيدة فاضلة تشكو من أن ابنها يريد تغيير المدرسة التى ينتمى إليها لأن أحد المدرسين يضطهده. وهكذا. وقطعا هى كلها مطالب مشروعة بل ومهمة جدا لأصحابها، ولكنها تبدو بعيدة جدا عن المعنى الأصلى لأن تعمل مستشارا.
لذا فلنقض بعض الوقت فى فهم معنى الاستشارة عسى أن ننبه الناس ونرفع الالتباس ونفكر بحزم ونعمل بعزم بعيدا عن افتراض أن أى أحد يعمل أى حاجة، لأننا قطعا سنسمع عن وظيفة المستشار كثيرا فى الفترة القادمة. وسواء تعاملنا مع مفهوم «مستشار» على أنها «ad-visor» أو «consultant» فهى تفترض ثلاث صفات: الخبرة فى مجال الاستشارة، الأمانة على المعلومات إلا فى حدود ما هو متفق عليه أنها معلومات قابلة للنقل والنشر، وعدم تولى منصب تنفيذى فى نفس جهة الاستشارة.
الرأى الاستشارى ليس مساويا للقرار التنفيذى، المستشار يساعد صانع القرار من زاويتين: أولا توسيع دائرة البدائل المتاحة أمامه، وثانيا طرح سلبيات البدائل المتاحة حتى يكون صانع القرار على علم بما هو مقدم عليه.
ماذا لو أن صانع القرار لا يرى استفادة حقيقية مما يتلقاه من المستشار من استشارات؟ وماذا لو وجد المستشار أن صانع القرار لا يستجيب لنصائح المستشار؟ هذه مقدمة مهمة للطلاق السياسى بين صانع القرار والمستشار مع ملاحظة اعتبارات الصالح العام واللياقة.
يتفاوت صناع القرار من حيث اعتمادهم على المستشارين. هناك فريق يملك، أو يظن أنه يملك، رؤية متكاملة، والمستشار هو مجرد مساعد يقوم بتجميع المادة والأدلة التى تثبت صحة وجهة نظر الحاكم صاحب الرأى. وكان الرئيس السادات يتبنى هذه الصيغة فى علاقته بمستشاريه ومساعديه على نحو واضح لا يفرق فى ذلك بين الوزراء والمستشارين.
وهناك فريق من صناع القرار لا يملك هذه الرؤية على الإطلاق، ويريد المستشار بمنطق الموجه (mentor) أى الشخص الذى يرسم له الرؤية ويحدد له خطوات التنفيذ مثلما كان يفعل الخديوى توفيق مع مستشاريه.
وهناك فريق من صناع القرار يملك توجها عاما ولكنه بحاجة لمن يساعده على بلورته ووضعه فى صورة برنامج عمل.
والغريب أن معظم القيادات التى توصف بأنها «رجال دولة» كانوا من هذه الفئة الثالثة بشرط أن يكون الوعاء قابلا وقادرا على استيعاب ما سيقوله المستشارون وأن يكونوا من خلفيات متناسبة. والغريب أيضا أن هذه القيادة من النوع الثالث هى التى تسعى لأن تجمع معها شخصيات ليست على شاكلتها ولكن بشرط قدرتها على الاستفادة منها.
فلو كان الشخص يميل لأن يكون ثوريا، فهو يميل لأن يحيط نفسه بمستشارين من خلفيات متفاوتة.
المستشار الجيد ليس وظيفته تحسين الصورة، وإنما تحسين الأداء، وإلا فلا.