فى غمرة التحولات السياسية الغربية والعربية العميقة فيما يتعلق بالأزمة الدموية فى سوريا، يقع الانقلاب الناعم / الخشن فى مصر والذى أفضت إليه أو حرضته انتفاضة شعبية عارمة. وفى ظل مشهد سياسى / عسكرى سورى ملىء بالغموض وبالتعقيد، يتم التحول القسرى المصرى عبر إرادة شعبية / عسكرية لا تنظمها مبدئيا رؤية سياسية أو مشروع وطنى جامع إلا فى إطار حماية الدولة ومؤسساتها المجمع عليها غالبا من قبل من قام أو أمل بهذا التغيير.
ومن منطق التفاعلية المستمرة بين المشاهد السياسية والذى كان واضحا خلال فترة انطلاقة الحراك الشعبى على امتداد الدول العربية، فمن الطبيعى أن يكون للتحولات الإيجابية أو السلبية، المسرعة أو المبطئة لعملية الانتقال الديمقراطى فى بلد ما، من تأثير كبير على مجريات الأحداث فى البلدان الأخرى. ويكون التأثير أكثر عمقا بالتأكيد عندما يكون هذا البلد هو مصر.
●●●
وقد تبين تأثير الحدث المصرى على الساحة السياسية السورية التى تعبر مخاضا وجوديا مؤلما من خلال عدة مؤشرّات أهمها، الترابطية النظرية بين الأهواء السياسية المخيّمة على المخيّلة الجمعية للمصريين وللسوريين. فالقومية العربية، والإسلامية السياسية، والليبرالية المستحدثة فى أوساط سياسية متناقضة، والسلفية المستجدة، والتطرف الوطنى القطرى ما دون القومى الشامل، واليسارية الناضجة أو الصبيانية، إلخ.. كلها نقاط يشترك فيها المشهدان السورى والمصرى نظريا على الأقل وبنسب متفاوتة فى الترتيب والأهمية.
وبالمجمل، يبدو أن القلق من التطورات المصرية لدى السوريين هو الأعم والأشمل. وهذا لا يعتبر بأى شكل من الأشكال تدخلا فى شئون مصر، بقدر ما هو تقدير كبير، وربما مبالغ فيه، لتأثير ما يحصل فى مصر على مجمل التجربة السياسية العربية الناشئة.
●●●
وقد تبدى بأن وسائل التواصل الاجتماعية أصبحت لدى السوريين فضاء تفريغيا لشحنات كبيرة من الضغط النفسى، واستهلاكا واعيا أحيانا، ومكررا فى أحيان أخرى، وممجوجا فى أحايين، للأفكار وللمفاهيم السياسية التى يجرى التعرف عليها على هامش الحراك السورى كالديمقراطية مثلا. فنجد الكثير من التنديد، المتجرد أو غير المتجرد، بإجهاض تجربة ديمقراطية رائدة فى مصر أدت إلى انتخاب أول رئيس جمهورية، مع التمييز الواعى بين كارثية أدائه وإقصائه السياسى للآخر المشترك معه بالوطن، وبين حتمية احترام نتائج صناديق الاقتراع.
ومن جهة أخرى، ونتيجة لاحتفال النظام السورى ومؤسساته الإعلامية بالحدث المصرى الجديد، واعتباره انتصارا للرؤية السياسية السائدة فى قمة الحكم السورى، فقد انعكس ذلك سلبا، وبشكل تلقائى، على تقييم بعض السوريين للتغيرات المصرية. خصوصا، فى الأوساط الأقرب أيديولوجيا إلى تيار الإسلام السياسى، وهى غالبة، صوتيا على الأقل، فى ظل انحسار قدرة الآخرين على التعبير أو عدم رغبتهم فيه، كما عودونا منذ بداية الحراك.
●●●
بالمقابل، يجدر التنويه إلى أنه أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين عبر فرعها حزب الحرية والعدالة بمصر، كان الطرف الآخر، فى القوى المعارضة تحديدا، يعانى ويشتكى، عن حق غالبا، من مستوى التحريض الإعلامى عبر بعض الوسائل المملوكة للجماعة وإخوانها. وكانت ترّهات بعض من ادعى العلم فى الدين تتصدر الشاشات الدينية، بعيدا عن أى معايير أخلاقية أو مهنية، وكانت تُنبئ ببدء مرحلة تكفيرية إعلامية يسيطر عليها خليط من الغوغائية والجهل بأمور الدين خصوصا وبأمور الدنيا عموما.
أما وبعد أن أزيح هذا «العبء» السياسى من وجه «الديمقراطيين»، ووقع اعتقال إعلاميين ودعاة من الطرف الآخر، وأغلقت محطات تلفزيونية من دون أحكام قضائية، فى إطار منطق معالجة تستنبط التجربة الكارثية، فقد انطلقت أصوات إعلامية مليئة بالشوفينية البدائية وبالتحريض العنصرى وأنتجت بحق السوريين معلقات من الشتائم التى تحاسب عليها حتى شريعة الغاب. ومنطلق هذه الانعدامية الأخلاقية، هو شبهة مشاركة بعض ممن غرر بهم من السوريين فى اعتداءات مزعومة يحاسب عليها القانون وليس الغوغاء. وترافق هذا التحريض البدائى، للأسف، مع إصدار تعليمات أمنية تقيد من لجوء أو سفر السوريين إلى بلدهم الثانى الذى ما فتئ يستضيفهم بكرمه وبانفتاح شعبه العظيم منذ بدء المقتلة السورية.
●●●
إن تطور الحدث المصرى سلبا أو إيجابا، سينعكس بشكل كبير على تطور المشهد العربى عموما والسورى خصوصا سلبا أو إيجابا. وإن كان الوعى بهذا الأمر منقوصا لدى النخب السياسية، فهو يجب أن يتعزز لدى القوى المدنية.