** أصبح انتصار إيطاليا أحد أكثر اللحظات مشاهدة فى تاريخ التليفزيون البريطانى، حيث بلغ عدد المشاهدين 31 مليونا وهو العدد الأكبر منذ جنازة الأميرة ديانا عام 1997. وهو أمر يعكس حالة المجتمع والشارع البريطانى الذى كان مشحونا ويستعد للاحتفال بأول لقب أوروبى فى تاريخه وثانى لقب دولى بعد 55 سنة.. فماذا حدث وما نتيجة هذا الشحن؟!
** شوهت لوحة جدارية لماركوس أشفورد فى مدينة مانشستر، وتعرض هو نفسه مع زميليه، جادون سانشو وبوكايو ساكا إلى اعتداءات لفظية عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعى. فى سلوك بغيض وأحمق ليس له علاقة بالرياضة ولا بالإنسانية. وارتبط هذا السلوك المريض والمتعصب بمشاهد تعرض المشجعين الإيطاليين قبل وبعد المباراة النهائية لكأس أوروبا إلى اعتداءات همجية من جانب جماهير الكرة الإنجليزية وألقت الشرطة القبض على 49 شخصا كما اصيب 19 ضابط شرطة فى الاشتباكات. ويبدو أن ما اعتبر مزحة كان حقيقة، حين كتب بائع على دكانه: «لن نبيع المكرونة بعد اليوم».. والطريف أن بونوتشى علق بعد الفوز باللقب قائلا: «الجمهور الإنجليزى سيأكل الكثير من المكرونة»!
** كان ذلك قبل المباراة النهائية بين منتخبى إنجلترا وإيطاليا، فهل ما جرى وما يجرى من مشاكل كرة القدم أم أنه من مشاكل المجتمعين الإنجليزى والأوروبى وغيرهما من المجتمعات التى تطل فيها وجوه الانحطاط والتعصب والعنصرية على الرياضة وملاعبها وتشوه كل أوجه الجمال؟
** هؤلاء الحمقى والأشرار قلة. لكن نشر بضع عشرات أو مئات لمشاهد اعتداءات أو تعليقات عنصرية يفسد الصورة الأعم والأوسع لآلاف وملايين الصور والتعليقات الجميلة والبريئة التى تحترم فيها الأغلبية العظمى فى كل دول «العالم الآخر» البطولة وانتصار المنافس، وحالة الانكسار لفريقها أو لمنتخبها، حتى أن مشهد تحية الجمهور للفريق المهزوم بات مثالا للتحضر ولفهم قيم الرياضة. ولا يمكن الآن التغاضى عن دور ومسئولية مواقع التواصل الاجتماعى فى السيطرة على تلك التشوهات. فالموقع الذى يحجب حسابا رسميا لرئيس الولايات المتحدة، أو يحجب تعليقا لمواطن ضد الرئيس التركى مثلا يمكنه أن يحجب ويوقف مثل تلك المشاهد العنصرية القذرة التى تنتشر بنشرها وتوسع من قاعدة جمهورها!
** إن السلوك العنصرى مشكلة مجتمع أولا. ومشكلة إعلام أيضا يصدر للرأى العام كما هائلا من المبالغات كما فعل الإعلام الإنجليزى بتكراره اليومى قبل البطولة الأوروبية وخلالها وقبل المباراة النهائية أمام إيطاليا أن الكأس عائدة إلى موطنها، إلى ويمبلى، وهو ما دفع شمايكل حارس الدنمارك إلى التعليق خلال المؤتمر الصحفى الذى سبق مباراة فريقه مع إنجلترا إلى القول بأن هذه الكأس لا علاقة باستاد ويمبلى، لأن ما كانت فى موطنها هى كأس العالم عام 1966. بينما علق عملاق الدفاع الإيطالى وجنراله ليوناردو بونوتشى بعد المباراة النهائية الذى قال أيضا: «يقولون الكأس عائدة إلى موطنها. يقولون ذلك نهارا وليلا وكل يوم. لكن عفوا الكأس الآن فى طريقها برحلة طيران سعيدة إلى روما».. وهو تعليق اعتبرته جريدة الجارديان أفضل تعليق فى اليوم الذى توج الأزروى باللقب..
** إن العنصرية والعنف وسوء المعاملة هى مشاكل يمكن للرياضة التحكم فيها، لكن القوى السياسية والمجتمعية الأوسع فقط هى التى يمكن أن تحلها. وكرة القدم مجرد كرة قدم، وهى صناعة تحكمها مجموعة من الضوابط وإذا تم تشغيلها بشكل سيئ، فإن هذه الصناعة ستكون مزرعة لإنبات المتعصبين. والواقع أن الفوز بالمباريات والبطولات ليس اختصارًا للتعليم واللياقة والأخلاق فى أى مكان آخر. لذلك هناك استنتاج واضح يمكن استخلاصه من الإساءة البائسة للاعبين السود فى إنجلترا وهو أنه من الواضح أن هناك مجموعة من الناس فى إنجلترا يحتاجون إلى تحديد هويتهم، وتوجيه اللوم إليهم.. وهؤلاء الحمقى أصبحوا أصحاب الصوت الأعلى، والصورة الأشهر، فى صورة الرياضة العامة الجميلة فى كل مكان بالكوكب!