طول عمرى أسمع إن مصر مستهدفة، ثم كبرت قليلا لأكتشف أن مسألة الاستهداف هذه هى قيمة عربية كبرى، فكل القيادات العربية تقول إن بلدانها مستهدفة.
بل إن قضية الاستهداف هذه لها جذور ثقافية غير سياسية. فمثلا لى صديق اشترى سيارة جديدة وكان فرحا بها جدا وكان يسير بسرعة جنونية فارتطمت بحجر لم يكن يراه، فأصابها ضرر، فاعتبر أنه «محسود» وهو نوع من أنواع الاستهداف، ولم يفكر أنه ربما يكون أخطأ بزيادة السرعة.
وكلمة الاستهداف لا تفهم إلا بأن توضع بجوار عبارتين توضحان لنا الفكرة: الأولى هى القابلة للاستعمار والأخرى القابلة للاستحمار.
أما الأولى فقد جاءت فى واحد من كتابات مالك بن نبى، المفكر الجزائرى، على أساس أن القابلية للاستعمار تعنى أن الشعوب الضعيفة والمتخلفة يتولد لدى الفرد فيها رغبة بقبول حالة استعمار أمة أخرى له ولبلده، بحيث يتبرع الفرد بنفسه كى يخدم الاستعمار ومصالحه. وقد ساق صورا وشواهد كثيرة تؤكد صدق تحليله.
ثم استخدم على شريعاتى، المفكر الإيرانى، فكرة «القابلة للاستحمار» باعتبار أن لدى الجهلاء من البشر رغبة داخلية بأن يُكذب عليهم وهم يرتاحون نفسيا للكذب المزوق والمبالغات فى المواصفات وأهميتها حتى لو لم تكن ذات أهمية فعلية خارج الوجود الذهنى.
وقد قالها من قبل ويليام شكسبير بأن «عقول العامة فى آذانهم» أى من يسيطر على آذان العامة يسيطر على عقولهم، لأنهم يميلون للاعتقاد فى صحة آخر رأى سمعوه وتضعف قدرتهم للربط بين الأسباب والنتائج والتأكد من صحة المعلومات وسلامة عملية الاستنتاج.
والضعف فى النظام التعليمى ينعكس مباشرة على زيادة معدلات القابلية للاستحمار والقابلية للاستغفال والقابلية للاستعمار والقابلية للاستهداف.
ولكن السؤال، لماذا لا نقوى داخليا بالقدر الذى يجعل محاولات الاستهداف غير فعالة؟ ولماذا لا نستهدف نحن من يحاولون استهدافنا؟
لم نقرأ منذ فترة عن اكتشاف إسرائيل لشبكات تجسس مصرية أو عربية فى إسرائيل. هل هذا يعنى أننا ناجحون لدرجة أن إسرائيل غير قادرة على اكتشاف جمعة الشوان أو رأفت الهجان الجدد؟ أم أننا صدقنا أوهام السلام وقررنا أن يكفى خيرنا شرنا؟
هل نتعامل مع أعدائنا وأعدائنا المحتملين خارجيا بنفس كفاءة تعاملنا مع قوى المعارضة الداخلية؟ هل قابليتنا للاستحمار والاستهداف تتزايد أم تتناقص؟ أم كل هذه الأسئلة غير مهمة لأن الرئيس هو صمام الأمان؟