رسالة طفل البطاطا الشهيد - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة طفل البطاطا الشهيد

نشر فى : الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص

كم مرة تجهمت فى وجه بائع البطاطا الصغير وأنت تشق زحام ميدان التحرير؟

 

كم مرة ارتبت فيه وفى أسباب وجوده وكم مرة حسبته على «الأمن» وكم مرة اعتبرته من عناصر الخطر التى تشوه وجه الميدان وثواره؟

 

كم مرة دخلت معه فى فصال على سعر البطاطا واتهمته بالجشع والاستغلال، وكم مرة بعد أن رجعت إلى بيتك بعد يوم تظاهر حاشد تذكرت وجهه وفكرت كيف يتحمل جسده الهزيل كل هذا البرد وذاك البرود والزحام ورائحة الغاز ؟

 

كم مرة تأملت فى مقدرة هذا الطفل على انتزاع ما يقيم الحياة من فم الموت المحلق كل لحظة على جنبات الميدان؟

 

إن هذا الطفل الشهيد هو الجدير بالغضب والحزن الحقيقى، ذلك الذى وقف يخدم كل أنواع المظاهرات، وكل ألوان المحتجين، يهتف مع الفئويين وغير الفئويين، ويسد جوع الغضب دون أن يأكل، ويتبنى مطالب الجميع دون أن يتذكر قضيته أحد، مثله مثل عمود الخيمة وحجر الرصيف ووقود التدفئة فى عز البرد.. أداة من أدوات الثوار والغاضبين وليس موضوعا رئيسيا لها.

 

تشتبك الجموع فى الميدان، وتتصادم النخب فى الاستوديوهات وهو يدفع الثمن، يدفعه فقرا وبردا وجوعا والآن يدفع الثمن موتا. مثله مثل الأرانب تموت صامتة تحت أقدام الأفيال المتصارعة، فالرصاص الغادر لا يرحم ولا يفرق بين صغير خرج يبحث عن لقمة عيشه أو متظاهر يزرع الميدان غضبا ليحصد بعضا من الحرية، أو عابر من المكان بالصدفة ذاهبا إلى عمله أو عائدا منه.

 

إن مثل ذلك الوجه النائم فى راحة الموت لا يتذكره أحد إلا بعد أن يرحل رحيلا تراجيديا فاجعا يلهم أقلاما كى تكتب ويشحن حناجر كى تهتف وتصرخ، لكن أحدا لم يكتب عنه أو يهتف من أجله وهو على قيد الحياة.

 

وسواء كان هذا الصغير قد قتل برصاصة خاطئة، أو متعمدة، فإنه هو الشهيد الذى لا يحتاج إثبات استشهاده وجدارته باللقب أى مجهود، أو ينتظر تحريات وتحقيقات ومعاينات نيابة وتقارير طب شرعى. لا ينبغى لأحد أن «يفاصل» فى صحة استشهاده كما كان ينهكه الفصال فى ثمن البطاطا.

 

إنه الشهيد ولو لم ينشر اسمه أو يتوصل إليه أحد، تكفى هذه الفتحة فى قلبه ــ قلب الوطن ــ و هذه النظرة المعاتبة فى صورته الملتقطة بمشرحة زينهم. ولو لم تحدد العدالة قاتليه وتعاقبهم فلن تكون عدالة، ولو لم تسرع الدولة باعتباره شهيدا وتمنح أسرته معاش شهيد فلن تكون دولة، ولها أن تختار ما تشاء من أسماء: غابة، محرقة، معسكر موت مجانى.

 

هو الجدير بجنازة تليق بشهيد خالص لا شية فيه. ترى كم طفلا سيقتلون بعده فى هذه المعركة المجنونة؟

وائل قنديل كاتب صحفي