فجرت الحرب الروسية الأوكرانية سؤالا كان مطروحا منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، يدور حول ما إذا كان هناك نظام دولى أم لا؟ وإذا لم يكن هناك نظام دولى فكيف يمكن الحفاظ على الأمن الدولى والأمن الإقليمى للنظم الدولية الفرعية مثل النظام الإقليمى العربى، وللنظام الدولى مهما كان شكله وتوصيفه خمسة شروط أو مقومات، أن يكون له بنيان من دول وفاعلين من غير الدول ومنظمات دولية فاعلة وأن تكون له قيادة إما أحادية أو ثنائية أو تعددية، وأن تكون له أهداف عليا يسعى إلى تحقيقها، وأن تعترف أطرافه بكل ذلك ثم إن يكون له هوية جلية لا خلاف عليها. والعالم اليوم يعيش فى مرحلة اضطراب تحدث عادة حينما يغيب النظام ويسود القلق وتبدأ نذر الحرب الكبرى، العالم اليوم بلا هوية، هناك شكوك حول قيادته، بل هناك صراع عليها بين روسيا والصين من ناحية والولايات المتحدة وأوروبا من ناحية أخرى، وهناك أهداف وضعتها الأمم المتحدة تتسم بالعمومية وتتطلب تمويلات تثقل كاهل الدول خصوصا دول الجنوب، والأهم أنه لا يوجد اتفاق على من يقود النظام، أكثر من ذلك هناك عدم رضا حول الشكل الهش للنظام.
فى حالة الاضطراب تلك، تثور قضية الأمن الإقليمى وكيف يتحقق، يبدو أن العالم يتجه نحو تفعيل النظم الإقليمية لتحقيق المصالح القومية المشتركة وصيانة الأمن القومى، مؤدى ذلك، أن حلف الناتو سينمو ويقوى ويتوسع ليضم دولا إضافية إلى أعضائه الثلاثين، ويمكن أن تنشط منظمة الدول الأمريكية والاتحاد الإفريقى ومنظمة شنغهاى وجامعة الدول العربية والآسيان، وربما تنشأ منظمات إقليمية أخرى تضم دولا متشابهة ومتقاربة جغرافيا ومصلحيا. السؤال الذى يجب أن يشغل العرب جميعا يدور حول أسس وسبل تحقيق الأمن القومى العربى فى عالم مضطرب يعجز عن مجرد التوسط بين روسيا وأوكرانيا. وعلى الرغم من أهمية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول العربية والموقعة عام 1950، وأهمية المؤسسات التى نصت عليها مثل اللجنة الاقتصادية العليا ومجلس الدفاع المشترك. وعلى الرغم من أنه قد تم تفعيلها فى بعض حالات التهديد الإسرائيلى، إلا أنه عام 2015 حينما وجد اقتراح بتوقيع بروتوكول القوة العربية المشتركة لم يتم عرضه للموافقة، صحيح أن المعاهدة تنص على أن أى اعتداء مسلح على أية دولة عربية أو أكثر يعد اعتداء عليها جميعها وتقوم الدول العربية مجتمعة بمواجهة هذا العدوان، وهو نفس ما تنص عليه المادة الخامسة من حلف الناتو. الفارق الكبير بين نظامى الأمن الجماعى الأوروبى والعربى، أن الأول لديه قوات عسكرية متطورة ومجهزة ومدربة ومستعدة لمواجهة أى عدوان على أحد أعضائه، بينما الثانى يفتقر إلى ذلك ويعتمد على دفع الدول الأعضاء لبعض قواتها لدرء الخطر، وهو أمر ضعيف الفاعلية فى المعارك العسكرية.
• • •
فى إطار التحولات الدولية من العالمية إلى الإقليمية، إلى أن يتشكل نظام دولى جديد، ولتحقيق الأمن القومى العربى وصيانته، هناك خطوات متتالية يمكن بناء نظام أمن جماعى فى ضوئها. فمما لا شك فيه أن دول الجوار غير العربية خصوصا إيران وحلم الإمبراطورية الفارسية، وتركيا ووهم الخلافة العثمانية، وإسرائيل وتعمد ابتلاع الأراضى الفلسطينية والعربية، وإثيوبيا وخطط حجب مياه النيل عن دولتى المصب تشكل التهديد الرئيسى لأمن الدول العربية. على الرغم من المحاولات المستمرة لإنشاء نظم أمنية شرق أوسطية تضم بعض الدول العربية وبعض دول الجوار إلا أن الوعى العربى بخطورة ذلك على الأمن القومى العربى حال دون تحقيقها. بالنظر إلى المصالح العربية المشتركة التى تتطلب لحمايتها واستدامتها نظاما فعالا للأمن الإقليمى فقد يكون من الضرورى الاتفاق على إنشاء حلف استراتيجى عربى (ASA) Arab Strategic Alliance يحل محل معاهدة الدفاع المشترك ويكون مستقلا عن جامعة الدول العربية، ويتم بناؤه على شاكلة حلف الناتو من حيث هيكله وتشكيل قواته وتسليحه وتدريبه واختيار مقر له.
إن الحلف الاستراتيجى العربى هو أداة بلورة الأمن القومى العربى فى المرحلة الإقليمية الجديدة، يقوم على أساس الاتفاق على مصادر التهديد ودرجتها وأولويات المجابهة، وهو حلف يسعى إلى ضمان أمن الخليج العربى وبحر العرب والبحر الأحمر وباب المندب والمياه الإقليمية العربية، وهو حلف يضم الدول العربية جميعها وفى قلبها مصر والسعودية والإمارات والجزائر، وهى التى تستطيع أن تعبئ عوامل التكامل والاندماج وتطوق عوامل التجزئة والفرقة، وهو حلف دفاعى يستهدف رد العدوان إن وقع أو ردعه قبل وقوعه. إنه حلف يقدم الوطن العربى كنظام إقليمى متماسك وفاعل إلى العالم، وفى ظل غياب نظام للأمن الجماعى الدولى حيث ثبتت عدم فاعلية نظام الأمم المتحدة وليد الحرب الباردة، فإن الحلف الاستراتيجى العربى يعد استجابة جماعية لخطورة استمرار غموض واضطراب «النظام الدولى».