تذْكُرُ الرجل الذى كان يراود ابنة عمه عن نفسها فى قصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة؟ قطعا قرأتها وسمعت بها عشرات المرات من قبل.. لا أحصى كم من المرات توقفت مندهشا أمام هذا النموذج البشرى الذى انطفأت داخله شهوة محرمة تراكمت على مدى سنين فى لحظة واحدة وبمجرد كلمة واحدة !
كم من المرات احترق قلبه باشتهاء ابنة عمه فى الحرام؟ كم مرة راودها عن نفسها؟ الظاهر من مجموع طرق القصة أنها كانت عفيفة لا تقبل مواقعة محرمة.. تأمل إصراره على إفساد فطرتها وهى تتمنع عنه وتصده فما يزيده ذلك إلا تبجحا وتصميما .
الشرع علمنا أن بعض الشر أهون من بعض.. الزنا كبيرة نعم، لكن الزنا بامرأة فاجرة تحترف البغاء أهون بلا شك من مراودة العفيفة المحصنة وحضها على مواقعة الفاحشة.
ألمت بها ضائقة واحتاجت المال وما وجدت غير ابن عمها تستقرضه، فجمع إلى الشهوة المحرمة دناءة وخبث نفس وحيوانية مقززة لما اشترط عليها الزنا مقابل القرض .
استوعبت كل هذا الغيم؟ هالك كل هذا الشر؟ انقبضت لكل هذا القبح؟ احتقرته أيما احتقار؟ تُرى كم من الناس حولك تنطبق عليهم نفس هذه الأوصاف؟
(حتى إذا جلس منها كما يجلس الرجل من المرأة ).. إذا كان ما مضى كله خيالات مريضة ومراودة لفظية، فالوضع الآن مختلف، لا يفصله عن مواقعة الحرام غير سنتيمترات قليلة.. هو فى أوج شهوته الحرام فعلا.. كل الظروف مهيأة.. لسان حال ابنة عمه ( هيت لك ).. فأى موعظة تنفع والحال ما ترى ؟
يقول الرجل ( فلما وقعت بين رجليها ).. أوصاف دقيقة نقلها لنا الحديث بأكثر من رواية يتكفل معها العقل بتخيل إحداثيات المشهد وتفهم التفاصيل التى كف عنها اللسان النبوى تعففا..
ابنة عمه رغم موافقتها له مرغمة لأجل حاجتها ــ وليس ذلك بالمبرر بلا شك ــ لكنها لم تفقد الأمل أن ينزجر عن إتمام ما عزم عليه من قبح قالت :( يا عبدالله، اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه ).. لو تتبعنا كل السياقات لوجدنا احتمالا آخر بتراجعها عن موافقته: ( لا أُحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه ).. المهم، اتق الله؟ وما تفعل ( اتق الله ) مع رجل كهذا؟ وما تغير ( اتق الله) مع موقف كهذا؟ بقليل من التفكير يمكن استنتاج أن الرجل كان يعرف ( الله ) وكان على أقل تقدير يعلم حرمة ما سيقدم عليه وإلا لكان ذكرها ( لله) عبثا مع رجل كافر مثلا.. كان يعلم حدود الله إذن، ولكنه أصر على انتهاكها.
يمكننى أيضا استنتاج أنها لم تكن المرة الأولى التى تزجره بقولها ( اتق الله)، ظل هو يراودها مرات ومرات عن نفسها وكانت هى تأبى وتتمنع.. تتمنع مخافة الوقوع فى الحرام.. ومن ثم تمطر أسماعه بـ( اتق الله) كلما راودها.. لكن ( اتق الله) وقتئذ لم تحرك فيه شيئا، فالآن تحرك خوفه وقد بات قاب قوسين أو أدنى من هدفه ( فلما وقعت بين رجليها ) ؟
تساؤلات تتشابه مع منطق ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟ ).. منطق من لا يدرى حدود الدور ( الدعوى ) وأبعاده.. منطق من لا يريد أن يقنع بما قسمه الله لسيد الدعاة صلى الله عليه وسلم ( إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء ).