بعد عامين فى البيت الأبيض .. أوباما والمستقبل الغامـض - فاروق جويدة - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 12:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد عامين فى البيت الأبيض .. أوباما والمستقبل الغامـض

نشر فى : الأحد 14 نوفمبر 2010 - 9:47 ص | آخر تحديث : الأحد 14 نوفمبر 2010 - 9:47 ص

 منذ عامين كان الانتصار عظيما فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عندما صعد نجم الرئيس الأمريكى الشاب باراك أوباما فى سماء السياسة العالمية كوجه جديد خالف كل أصول اللعبة السياسية فى أمريكا.. اقتحم الرئيس الشاب كل تحفظات المجتمع الأمريكى بتراثه التقليدى العتيق.. واستطاع أن يحطم كل الحسابات الاجتماعية والتاريخية.

دخل باراك أوباما الساحة السياسية وهو يحمل على عاتقه تراثـا كان من الصعب أن يؤهله بأى صورة من الصور للوصول إلى البيت الأبيض.. إنه أول رئيس أمريكى أسود.. وكلنا يعلم أن فى أمريكا تراثا عنصريا بغيضا كان يمنع السود من ارتياد أى مكان يوجد فيه البيض.. وتعرض السود فى التاريخ الأمريكى إلى أسوأ صور التعصب والعداء وكانت التفرقة العنصرية جزءا أصيلا من تركيبة أمريكا المجتمع والبشر والحياة.

كان من الصعب على شاب أسود أن يضرب بعمق جذورة واحدة من أهم وأخطر الظواهر الاجتماعية التاريخية فى المجتمع الأمريكى.. ورغم هذا كان نجاح باراك أوباما ودخوله البيت الأبيض شهادة اعتراف جديدة لمجتمع جديد تجاوز كل صراعاته القديمة وتراثه العنصرى البغيض.

على جانب آخر، كان اختيار أوباما يحمل صورا أخرى من صور العداء للمسلمين وهو الإحساس الذى تجسد بقوة فى سلوكيات الشعب الأمريكى بعد أحداث 11 سبتمبر.. كان أوباما قد اعتنق المسيحية ونشأ فى بيت جدته بكل تراثها المسيحى ولكن هذا لا يمنع أن الرجل حمل شيئـا من جينات أبيه الأفريقى المسلم وسلوكيات زوج أمه وكان أيضا مسلما..

فى ترجمته الذاتية لقصة حياته تحدث الرئيس أوباما فى اثنين من أهم الكتب التى سطرها عن تجربته وحياته وهما كتاب «أحلام من أبى.. قصة عرق وإرث» والذى ترجمته إلى العربية هبة المغربى.. وكتابه «جرأة الأمل». والكتابان كانا من أكثر الكتب توزيعا فى أمريكا طبقا لتقديرات وشهادة مجلة نيويورك تايمز.. فى الكتابين يتحدث أوباما الشاب الطموح عن تجربة قاسية أمام مجتمع عنصرى يقسم أبناءه طبقا للون والعقيدة، ويضع حدودا صارمة بين حياة فئة وحياة فئة أخرى.. وبالرغم من أن أوباما كان شديد الحنين إلى أبيه الأفريقى الأسود فإن الواقع الاجتماعى كان دائما يشده نحو أحياء نيويورك السوداء القديمة التى لا يسكنها إلا السود، وعلى مقربة منها يعبر البيض من بعيد ومعهم كلابهم الصغيرة التى تتبول على جدران بيوت السود..

تصور العالم أن العقل الأمريكى استوعب ذلك كله حين اختار أوباما رئيسا، وأن المواطن الأمريكى تغاضى عن عنصرين مهمين فى تركيبة رئيسه الشاب، أحدهما جانب عنصرى.. والآخر جانب دينى.

كان ظهور أوباما أمام 2 مليون احتفلوا بتنصيبه رئيسا حدثا كبيرا أمام العالم كله.. ولم ينس الرئيس الشاب أباه الأفريقى الأسود حين قال إن هذا الأب لم يكن يستطيع أن يدخل مطعما للبيض ولم يكن يتصور يوما أن ابنه سوف يصبح رئيسا لأمريكا.

كان أوباما على حق وهو يؤكد أن أمريكا تغيرت، وأن تراثها البغيض ضد السود وضد المسلمين أصبح جزءا من الماضى.. ولكن الرئيس الأمريكى الشاب كان حالما أكثر منه ثائرا، وكان أخلاقيا أكثر منه مناورا، فقد تصور أن الطريق الذى تمهد بانتخابه رئيسا سوف يمضى به نحو أحلامه وما أكثرها.

كانت أجندة الأحلام ــ فيما يبدو ــ أكبر من قدرات وظروف الرئيس الشاب.. ولهذا أسرف كثيرا فى وعوده.

● وعد وهو يوجه كلمة إلى العالم الإسلامى من أعرق الجامعات العربية جامعة القاهرة، أن قضية السلام بين العرب وإسرائيل سوف تحسم، وأنه سيوقف بناء المستوطنات فى الأرض الفلسطينية، وأن إقامة الدولة الفلسطينية قرار أمريكى لا تراجع فيه.. ودعا الغرب إلى أن يتفهم الفكر الإسلامى الذى يدعو للتسامح والمحبة بين الشعوب.

● وعد الرئيس أوباما بأن يسحب قواته من العراق، معترفـا بأن هناك تجاوزات كثيرة حدثت فى احتلال العراق، وأن على أمريكا أن تأخذ قواتها وترحل وتترك للعراقيين اختيار مستقبلهم.

● وعد بأن يسعى إلى إنهاء مأساة الجيش الأمريكى فى أفغانستان، وأن يعطى الفرصة لحكومة وطنية فى أفغانستان تكون قادرة على إدارة شئون الدولة فى ظل انتخابات حرة.

● وعد بإغلاق سجن جوانتانامو والإفراج عن المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم فى جرائم الإرهاب، وأن يغلق هذا الملف نهائيا لأنه يعتبر وصمة عار فى تاريخ حقوق الإنسان فى دولة قام كل تاريخها على الحريات وحقوق الإنسان.

كانت هذه بعض الوعود التى أطلقها الرئيس الأمريكى الشاب وهو يضع أقدامه فى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض.. وكانت هناك سلسلة من الأحلام الأخرى التى قدمها للشعب الأمريكى بتحسين أحواله الاقتصادية والسعى إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية التى أطاحت بالملايين ومواجهة البطالة والتأمين الصحى والضرائب.. لم يترك الرئيس أوباما قضية داخلية تخص الشعب الأمريكى إلا واقترب منها.. وقبل هذا كله لم يحاول الرئيس أوباما فتح ملفات الرئيس السابق بكل كوارثه، بل إنه أغلق صفحات مثيرة من هذا الملف كان أخطرها الاعتداء الصارخ على حريات الأفراد والإجراءات الأمنية التى اتخذها الرئيس بوش ضد الشعب الأمريكى فى المراقبة والتصنت تحت دعاوى محاربة الإرهاب.

فى سجل الوعود والأحلام التى قدمها الرئيس أوباما لشعبه رصيد كبير من الأمل، ورصيد أكبر من الإحباط.. لم يستطع الرئيس الأمريكى بعد أكثر من 700 يوم من الحكم فى البيت الأبيض أن ينجز شيئـا مما وعد به.. لقد فشل الرجل فى تحقيق أحلامه التى تحدث عنها.

فشلت مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أمام تعنت نتنياهو ورفضه وقف بناء المستوطنات واستطاع أن يفرض على الرئيس الأمريكى وجهة نظر إسرائيل.. كما أن حلم الدولة الفلسطينية دخل فى دائرة المساومات أمام شرط إعلان إسرائيل كدولة يهودية مع التوسع الرهيب فى بناء المستوطنات وتغيير جغرافيا مدينة القدس.

على جانب آخر، لم تنسحب القوات الأمريكية من العراق كما وعد الرئيس أوباما، بل إن معدلات العنف زادت وفشلت الإدارة الحكومية فى العراق فى اختيار الحكومة شهورا عديدة.. وكانت الضربة الكبرى لسياسة الرئيس أوباما فى العراق ما جاء فى تسريبات تقارير ويكليكس السرية التى دفعت مرة واحدة للإعلام العالمى بأكثر من400 ألف وثيقة سرية عن حالات التعذيب وانتهاك الاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان. واعتبرت الإدارة الأمريكية أن هذه الوثائق شهادة فشل صريحة وإدانة للرئيس أوباما بعد عامين من جلوسه فى البيت الأبيض.. وقد أدانت هذه الوثائق حكم الرئيس الامريكى ووضعته فى إطار واحد مع الرئيس بوش فى كارثة احتلال العراق، وما حدث فى العراق حدث أيضا فى أفغانستان ولكنه فشل فى الحالتين.. إن خسائر أمريكا فى العراق وأفغانستان كانت من الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية التى أطاحت بالاقتصاد العالمى كله وليس فقط الاقتصاد الأمريكى.. لقد خسرت أمريكا فى سبع سنوات فى احتلال العراق تريليون دولار.. وخسرت 5000 قتيل وأكثر من 30 ألف مصاب وإذا كانت القوات الأمريكية تعلن خسائرها فى العراق فهى تخفى جزءا كبيرا من حقيقة ما يحدث فى أفغانستان.. إن الشىء المؤكد أن الحرب فى العراق وأفغانستان أجهدت بل أجهضت الاقتصاد الأمريكى وهو السبب الرئيسى فى تراجع شعبية أوباما بين مواطنيه.

كان هناك اعتقاد لدى أبناء الطبقة الوسطى فى أمريكا بأن سياسة أوباما سوف تعيد التوازن إلى الاقتصاد الأمريكى فى فترة قصيرة ولكن الذى حدث أن الأزمات زادت، وأن المشاكل تفاقمت، وأن الرئيس الجديد تحدث كثيرا عن الأحلام وبقيت الأزمات كما هى لم يتغير منها شىء على الإطلاق.

فشل الرئيس أوباما فى أن يحقق ما وعد به أمام العالم فى القضايا الدولية ذات الحساسية الخاصة وفى مقدمتها الصراع العربى ـــــ الإسرائيلى..

وفشل الرئيس أوباما فى أن يحسم موقف أمريكا فى العراق وأفغانستان.

وفشل الرئيس أوباما فى أن يغلق سجن جوانتانامو كما وعد بذلك وقبل هذا كله فشل فى أن يخفف أعباء الحياة عن أبناء الشعب الأمريكى، وكان ذلك يعنى أن سياسة أوباما الخارجية لم يتحقق منها شىء.. وأن سياسته الداخلية أدت إلى تراجع شعبيته بمعدلات مثيرة.

هنا فقط وجد الرئيس الأمريكى الحالم باراك أوباما نفسه فى مواجهة مع قضيتين رئيسيتين.. الفشل.. والتراث الأمريكى.

أما الفشل فلابد أن يعترف الرئيس مع نفسه بأن أحلامه تجاوزت كثيرا قدراته على اتخاذ القرار.. وربما كان السبب فى ذلك أن هناك من يتصور أن القرار الأمريكى يصدر من البيت الأبيض ولكن الحقيقة أن هذا القرار ابن شرعى لمؤسسات كثيرة بعضها واضح وصريح وبعضها يمارس نشاطه فى الخفاء بعيدا عن الرصد والمتابعة.. إن قرارات مثل الانسحاب من العراق أو إنهاء الحرب فى أفغانستان أو إغلاق سجن جوانتانامو أو فرض مواقف معينة على حكومة إسرائيل مثل هذه القرارات لا يستطيع الرئيس الأمريكى أن يتخذها منفردا، ولهذا كان تراجعه عن كل ما وعد به منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

ومع الفشل فى اتخاذ القرار كان الرئيس أوباما فى الانتخابات الأخيرة ضحية تراث أمريكى عريق يظهر عادة بلا مقدمات، فقد عادت إلى الصورة أشباح الخلافات العنصرية بين الأبيض والأسود، وعادت طفولة أوباما الإسلامية تطارده مرة أخرى خاصة مع تلميحات كانت تظهر من وقت لآخر تقول إنه مازال مسلما.

شجع على عودة هذا التراث البغيض أن أوباما كان ضعيفـا فى الكثير من مواقفه وقراراته ربما بسبب لونه أو خلفيات والده الدينية.. ولكن قبل هذا الإحساس الدفين داخل الرجل، فإن هناك جهات كثيرة فى أمريكا كانت تقف له بالمرصاد منذ دخل البيت الأبيض وجميعها تقريبا تمت بصلة ما مع مواكب اليمين الجمهورى الذى اكتسح أخيرا انتخابات الكونجرس..

إن البعض يرى أن اللوبى الصهيونى لم يتدخل فى هذه الانتخابات ولكن حجم المتغيرات فى نتائج هذه الانتخابات خاصة اختيار رؤساء الولايات كان يؤكد أنه كان حاضرا وبقوة.

وبجانب هذا، فإن المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى التى منيت بعدد من قرارات أوباما فى بداية حكمه مثل تخفيض رواتب رؤساء البنوك الكبرى وشركات السيارات ومؤسسات التكنولوجيا.. هذه الرءوس التى أضيرت العامين الماضيين كان من الصعب أن تستسلم ولهذا كان لها دور فى اقتحام الكونجرس وعودة اليمين الجمهورى بكل ثقله المالى والاقتصادى.

إذا كان أوباما يتحدث عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، فإن شركات إنتاج السلاح والشركات متعددة الجنسيات وشركات التكنولوجيا الحديثة ترى أن ذلك يتعارض مع مصالحها، وأن اليمين الجمهورى هو الضمان للحفاظ على مصالح هذه المؤسسات.

إذا كانت أمريكا قد خسرت بلايين الدولارات فى حربها فى العراق وأفغانستان، فإن هناك مؤسسات أخرى حققت مكاسب ضخمة منها شركات البترول وما نهبته من العراق ومؤسسات التغذية والأمن والحراسات والمقاولات.. هذه المؤسسات جمعت أموالا ضخمة فى السنوات الماضية ابتداء بما خربته فى العراق وانتهاء بتجارة المخدرات فى أفغانستان.

إن تراث الرئيس بوش بكل جوانب البطش والتوحش فيه مازال أعلى صوتـا وقد ظهر ذلك فى الشارع الأمريكى وربما كان هذا هو السبب فى أن الرئيس أوباما بدأ يتحدث بصوت مرتفع عن الإرهاب والقاعدة والطرود المفخخة القادمة من اليمن ويعيد للشعب الأمريكى مرة أخرى شبح 11 سبتمبر وحكايات الرئيس بوش الذى يبدو أنه مازال يحكم أمريكا، وسوف تظل أشباحه تطارد الشعب الأمريكى حتى وإن وجد وظيفة فى الكويت.

مسكين هذا الرئيس الحالم باراك أوباما.. جاء ليواجه أكثر من معركة بين مجتمع حاول أن يحمله إلى المستقبل وهو مشدود إلى الماضى بتراثه الدينى والعنصرى.. وحاول أن يقف قليلا مع الضعفاء من أبناء شعبه، ولكن سرعان ما اجتاحته أشباح قوة المال.. وسطوة الشركات متعددة الجنسيات.. وقبل هذا كله فإن الرئيس أوباما تولى السلطة على أنقاض فترة هى الأسوأ فى تاريخ أمريكا وهى حكم الرئيس بوش.. وما بين ماضى بوش البغيض.. وتراث أمريكا مع السود والأديان يقف الرئيس أوباما فى منتصف الطريق، خاصة أنه حاول أن يعطى السياسة وجها أخلاقيا لا مكان له الآن.

ولهذا لم يكن غريبا أن يأخذ الرئيس أوباما أوراقه ويذهب فى رحلة إلى دول شرق آسيا حيث كان يعيش يوما فى إندونيسيا أيام طفولته الأولى.

فاروق جويدة شاعر وصحفي مصري
التعليقات