بين التقاعس والجدية فى أمور الصيانة العقارية - وائل زكى - بوابة الشروق
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 5:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين التقاعس والجدية فى أمور الصيانة العقارية

نشر فى : السبت 15 مايو 2021 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 15 مايو 2021 - 9:50 م
شدد القانون عقوبة السير بسيارة بدون ترخيص وقد وصلت العقوبة لحد الحبس مع الغرامة، فلم يتهاون القانون ولم يتقاعس المواطن، ومع معرفة صديقى بهذا التشديد لم يبالِ به رغما عن وجود القانون ومعرفته بالعقوبة ووعيه الكامل بأهمية قضية السير بدون ترخيص والمسئولية التى تترتب على ذلك حال وقوع حادث، لكنه لا يبالى كونه لا يمتلك سيارة فى الواقع، كذلك صديقى لم يكن يبالى بتشدد القانون فى وجوب سداد مستحقات الصيانة العقارية التى أقرها قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008، كونه يسكن فى عقار لم يؤسس اتحاد شاغلين، فالواقع كان تشدد القانون فى إلزام الشاغل بسداد نصيبه فى مصروفات الصيانة العقارية فى إطار وجود اتحاد شاغلين ينظم هذه العلاقة، ولكن القانون لم يلزم السكان بعمل اتحاد شاغلين أصلا، حيث إنه لم يترتب على عدم إنشائه أية مسئولية أو مخالفة أو عقوبة، فإن كنت عضوا فى اتحاد شاغلين أصبح عليك الالتزام، إذا لماذا يضع صديقى وجيرانه على رقابهم هذا الإلزام وهم جيرة وعشرة وتسير أمورهم عرفيا والطيب أحسن، هكذا كان المبدأ الذى أجمع عليه الجيران وشملهم الود بدايةً وقناعة ظاهرة ووعى بأهمية الصيانة والالتزام بها.
عادة نشترى أى جهاز من الأجهزة المعمرة فنحرص على مستند ضمانها، الثلاجة مثلا مهم التأكد من ضمانها واشتراطاته ضد عيوب الصناعة وغيرها إلا الشقة السكنية والمفترض أنها معمرة أيضا، وهى ممتلك ثابت وأصل من أصول الثروة فمن يضمن أنها ضد عيوب الصناعة ومن يحكم على سوء الاستعمال؟، وسواء كنت تمتلك شقة داخل عمارة أو فيلا أو مالك عمارة فإن حكم الصيانة يجرى على كامل العقار وليس جزءا منه، وسواء لا تستخدم المصعد لكونك فى الدور الأرضى أو لا تستخدم السلم لكونك تستخدم المصعد فهذا لا يعفيك من سداد نصيبك فى مصروفات الصيانة مقسم تبعا للمساحة، والاستخدام غير السكنى نصيبه ضعف نصيب الاستخدام السكنى، وكونك تمتلك شقة ولا تقيم فيها لا يعفيك أيضا من مصروفات الصيانة، هكذا هو القانون وحكمة المشرع فى نصوصه، فالصيانة تجرى للحفاظ على ممتلكك سواء تستخدمه أو لا، وكل الأجزاء المشتركة هى مؤثرة على عموم المنشأ وعندما يتأثر لا يجنب جزء منه وإنما تعم المشكلة ويتأثر استثمارك، فهب أنك تبيع شقة فى عمارة عليها مشاكل صيانة مهما كانت فإن سعرها سيتأثر بسمعة العمارة ومشاكلها وشكلها العام.
***
الصيانة تطيل عمر المنتج أو المنشأ، فعندما تشترى شقة لتدوم فى حيازتك وورثتك مائة عام أو أكثر، فإن الصيانة تحفظ لك العمر الافتراضى أو تقصفه بذات النسبة التى تستهين بها أو تتقاعس عنها، وبالتالى لن يحفظ لك المنشأ نصيبك الذى لا تستخدمه، فالمشكلة عامة والتأثر عام والنظرة نحو ما تستخدمه من عدمه هى نظرة قاصرة يغيب عنها الوعى بأهمية صيانة الممتلك العقارى ومد عمره الافتراضى، وهنا نأتى لمسألة الضمان التى هى من الأهمية بمكان عند شرائك وحدة سكنية، من يضمن لك هذا الممتلك ضد عيوب الصناعة؟، هل المالك أم المقاول أم المهندس المصمم أو المشرف أم الجهة الإدارية؟، والواقع أن المسئولية تتيه بين هؤلاء جميعا إن لم يتضمن التعاقد نصها القانونى الملزم بالمسئولية الجنائية حال وقوع ضرر ناتج عن عيوب الصناعة، فهب أن جهازا ثبت وجود عيب فى صناعته، فستعود على البائع والبائع يعود على المصنّع، والمصنّع هنا هو المقاول ولكن خصوصية الحالة تجعل من المقاول مصنّعا خصوصيا لمنتج مختلف فى كل مرة، وبالتالى هناك مسئولية مشتركة مع المهندس المشرف.
عند حدوث المشكلة فإن ملاك الوحدات فى العقار يكتشفون أن العقار تعاقديا صار فى مسئوليتهم مشمولا بنفى الجهالة حال الشراء وأنهم راضون بالمنتج أيما رضا، بل أحيانا يكون تمهيد العقد حجة عليهم وليس كلمات فيها مجاملة بين الطرفين، والواقع فى معظم الحالات يفشلون فى الحصول على حقوق عيوب الصناعة فى المنشآت العقارية، المشكلة قد تشمل عموم الثروة العقارية فى مصر والتى تشير أقل تقديراتها غير الرسمية إلى بلوغها حوالى تريليون دولار شاملة جميع الاستخدامات، فإذا فرضنا تخصيص نسبة واحد فى الألف فقط سنويا لأعمال الصيانة، بلغت قيمتها حوالى مليار دولار أو على الأقل 15 مليار جنيه سنويا، هذا الحجم المالى إن نظرنا له بنظرة استثمارية يستطيع إنشاء شركات متخصصة فى مجال الصيانة العقارية مقابل أن تسدد واحد فى الألف فقط من قيمة وحدتك العقارية سنويا وليس شهريا، فإن كنت تمتلك وحدة قيمتها 250 ألف جنيه بلغت قيمة الصيانة السنوية 250 جنيها أى حوالى 21 جنيها شهريا!، فهل ممكن تحقق ذلك؟
ألا يؤشر هذا الرقم البالغ 15 مليار جنيه سنويا سوقا واعدة ويفتح شهية المستثمرين لتأسيس شركات إدارة وصيانة عقارية، بالطبع هو رقم اقتصادى جيد، لكنه متوقف على مدى الالتزام به فهو غير منظم، فى حين أن جدواه الاقتصادية أكيدة، خاصة أن التزام شركات الإدارة والصيانة هو فى حدود الصيانة الوقائية، أى الاعتيادية والدورية وتخضع للإجراءات المتفق عليها مع ملاك العقار أو من يمثلهم، أما الصيانة العلاجية حين تبرز مشكلة فهى تحتاج لأحد أمرين، إما شكل من أشكال الضمان التأمينى مع إحدى شركات التأمين أو شكل من أشكال الضمان القانونى مع مقاول التنفيذ أو الشركة المنفذة تبعا لطبيعة الشكل القانونى لامتلاك الوحدة العقارية، أو يتحمل الملاك كلفة الصيانة العلاجية وقت الحاجة، وقد تضمن شركة الإدارة والصيانة العقارية الإصلاح عند عمل تقرير حالة بداية من تقرير التربة واختبارات الحالة الإنشائية بدءا بالأساس للمبنى القائم حتى الهيكل الإنشائى وإصلاح ما يحتاجه العقار قبل سريان الضمان، حيث لن تضمن الشركة مجهولا بداية ثم نأتى لما يمكن أن يتفق عليه من بنود الصيانة المعمارية وأعمال الكهرباء والتغذية بالمياه والصرف والأجزاء المشتركة جميعها.
لقد وصلت تكاليف الصيانة فى بعض المجمعات السكنية المحاطة بأسوار (كمباوند) إلى 5% من قيمة الوحدة، والواقع أن هذه النسبة اختلط فيها مقابل الإدارة مع مقابل ضمان الأعمال مع مقابل الصيانة، ويفترض أن سعر الوحدة يتضمن مصروفات الإدارة وضمان الأعمال، غير أن الأسعار وما تشمله يخضع للعرض والطلب، فيتهافت المواطنون على حجز الوحدات ثم يتعاقدون فى شكل من أشكال عقود الإذعان فى بعض الحالات، ثم يستفيق لنفسه وما تعاقد عليه بعد فوات الأوان وإقرار أمر واقع إما يقبله أو يرد الوحدة طبقا للشروط والأحكام، فمن يحمى المستهلك فى هذه الحالة؟، لقد جاءت مقترحات تعديلات قانون البناء 119 لسنة 2008 فيما يتعلق بالحفاظ على الثروة العقارية متضمنة إدارة المنشأ وصيانته من خلال شركات مختصة فى حالة عدم إنشاء اتحاد شاغلين، ومسئولية الشركات المطورة المنفذة لمجمعات سكنية بإدارة وصيانة منشآتها من خلال إدارات تابعة لها وليس من خلال شركة أو أكثر تنشأ لهذا الغرض كما نص القانون، فهل ذلك له أثر إيجابى فى عمليات الصيانة ومسئولياتها، هل يستدعى الأمر تقييما لتجربة اتحادات الشاغلين أو بدائلها، هل يحتاج تنظيما أشمل يتحمل مسئولية صيانة تلك الثروة العقارية ويشرف على شركاتها العاملة وينسق مع شركات التأمين والجهات الإدارية ذات العلاقة؟.
***
بفرض أن عضو اتحاد شاغلين لم يسدد اشتراكه الشهرى للصيانة، وأن الحى هو الجهة الإدارية المنوط بها تلقى بلاغ مأمور اتحاد الشاغلين، وهناك نص قانونى بالعقوبة حال ذلك، فما هى الإجراءات التى تتخذها الأحياء المكتظة بما أرهق أرفف مكاتبها من ملفات ومستندات تراخيص ومخالفات وتصالح وكان ينقصها اتحادات شاغلين لا تتعدى نسبته حاليا 1% من عدد العقارات بالحى، وبفرض أن الجهة تلقت البلاغ وأقرت العقوبة البالغة 10 جنيهات بداية عن تأخير كل شهر ثم تتعاظم حتى تصل للحجز الإدارى، فما الجهة المنوط بها التنفيذ وما هى إجراءاته وكم حدث مثل هذا الحدث منذ صدور القانون حتى يومنا هذا؟، هل هناك تهاون من الحكومة فى مسألة الصيانة العقارية أم تقاعس من المواطن؟ الحكومة تنظم ولكن يظل اتحاد الشاغلين ينظر له على أنه عمل أهلى، وقد يتجه كثير من الملاك لعمل اتحادات شاغلين هربا من التعامل مع شركات مختصة مادامت الأمور متروكة لرغبات الملاك، هل الأمر يستدعى مزيدا من الإلزام إن كنا حريصين على ممتلكنا العقارى وجادين فى ذلك بعد مصالحات جرت، إضافة إلى أن تنظيم شركات إدارة وصيانة عقارية ملزمة وتخضع لإدارة فنية خبيرة تحقق خفض قيمة اشتراك الصيانة وتتيح ما لا يقل عن 50 ألف فرصة عمل مباشرة.
وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات