فذلكة عمرانية.. نظرات فى الشارع - وائل زكى - بوابة الشروق
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 8:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فذلكة عمرانية.. نظرات فى الشارع

نشر فى : السبت 5 ديسمبر 2020 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 5 ديسمبر 2020 - 7:40 م

عندما تشرع فى المسير من مكان تقصد مكانا آخر، مفترض ألا يكون جهدك وتفكيرك فى كيفية الوصول ولكن فى توقيت الوصول تبعا لوسيلة انتقالك، لأنك تعلم جيدا نظام مسارك ومتطلباته لذلك سمى هذا المسار شارعا، أما الطريق ففيه تطرق مسارك وربما تواجه ما لم تكن تتوقعه من أحداث أو مخاطر، لذلك كانت المسارات بين المدن هى طرق السفر، فالطرق الإقليمية والطرق الدولية يخرج عليها المرء يدعو الله بدعاء السفر ويود أن تبدأ رحلته بسلام وتكون رحلة ميسورة وتنتهى بسلامة، أما المسارات داخل المدن فهى شوارع مخاطرها تكمن فى عدم اتباع نظم المرور المحلى أما طرق السفر والطرق الإقليمية والدائرية وغيرها فيزيد على حفاظك على النظم المرورية عليها نصائح الاحتراز من مفاجآت الطريق وأحداثه، منها ما هو متعلق بسيارتك وأعطالها أو الركاب واحتياجهم لدورة مياه مثلا أو استراحة أو مجابهة مواقف مع الغير، «فذلك» يجعلنا ندعو أن يكون كل مسار لنا هو شارع لا طريق وأن تتيسر لنا سبل الوصول وتحقيق الغايات.
***
الفذلكة فى اللغة أتت من «فَذَلك»، فحديث المتفذلك فى الفصحى يعنى إجمال الكلام فى مختصر بعد سرده بتفاصيله فيأتى المتفذلك فيعيده باختصار، والواقع أن الاختصار مع توصيل المعنى ليس بالأمر السهل، حتى أنه يميل أحيانا لفلسفة الأمور أو يبدو عليه ذلك، غير أن كلمة فذلكة والمتصف بها ظُلما فى اللهجة العامية بين الناس إذ صارت الفذلكة إعادة للكلام ليس من ورائها طائل، وقد شدنى المعنى الفصيح للفذلكة للتفريق بينها وبين السفسطة، فالسفسطائيون خلال القرن السادس قبل الميلاد لم يهنوا ولم تفتر عزيمتهم فى التحدث عن مطالبات الشعب والناس فى بلاد اليونان، وفى أواخر نفس القرن وبعد حروبٍ مع الفرس قضى فيها على كثير من الفلاسفة والناشطين، ظهرت فئة على غير تنظيم تسد ذلك الفراغ من المعلمين والفلاسفة كان الواحد منهم يسمى نفسه «سوفيتَس» وتعريبها «سوفيسطائى» أى المعلم البليغ أو معلم الحكمة، وعلى الرغم من رزانة الاسم فإن معظمهم لم يكن جديرا به، وظلموا الاسم وأصبح دلالة على اجتهاد المتحدث لإقناعك بفكره بِلىْ الحقائق وفساد المنطق، «فذلك» يدل على أن الفذلكة فى العامية أقل ضررا من السفسطة، ومن المتفذلكين بعض الساخرين المحببة فذلكتهم، أما السفسطائيون وقد كثروا فحاذر وأدر عقلك فيما تسمع وتقصّى المصادر ووازن الحقائق ببعضها.
***
المطب الصناعى.. فى الحقيقة هو ليس مطبا تطب فيه السيارة بل هو مقب تقب عليه السيارة، كما أنه ليس صناعيا التى هى ليست زراعيا مثلا وإنما هو اصطناعى، «فذلك» يعنى أن نقول مقبا اصطناعيا ولا نقول مطبا صناعيا، غير أن الواقع يدل على أن شوارعنا مملوءة بالفعل بالمطبات الصناعية وهى عبارة عن حفر بعرض الشارع قد تكون بغرض توصيل «كابل» كهرباء وأخرى بدون غرض وعن غير قصد لعيوب فى السفلتة مثلا فتكون صناعية بالفعل وليست اصطناعية، ودعونا نستخدم تسمية «المطب الصناعى» كالشائع العام ونذهب للغرض من سيرته حيث أنه يجب تصميمه مع تصميمات الطريق وتنفيذه أثناء تنفيذ الطريق، فالسيارات على أنواعها ومن النقل الثقيل مثلا تأتى قبل المطب الصناعى تهدئ من سرعتها بفرامل وتضغط بحملها بمقدم السيارة على الأسفلت بوزن يبلغ أطنانا قد لا يتحملها إن لم يكن مصمما من البداية على تحمله، ثم تصعد السيارة فوق «المطب الصناعى» وتنزل بحملها بعده أيضا بتأثير وزن أكبر من مجرد حملها لتضغط على الأسفلت بعد المطب مباشرة ثم تبدأ فى المسير وتكرر عجلاتها اللاحقة نفس الشىء، «فذلك» يجعل الأسفلت قبل المطب يصير كما لو كان سجادة مموجة بالطول أحيانا وبعد المطب سجادة أخرى مموجة بالطول أو بالعرض على حسب طبيعة السفلتة وتحملها إن لم يكن قد صمم هذا القطاع تحديدا ليكون موضع مطب صناعى، «فذلك» يجعل من الضرورة عندما يقرر بعض أصحاب الفذلكة التنفيذية أن ينفذ مطبا صناعيا أن يؤسس له قبل وبعد موضعه المقرر تنفيذه فيه.
***
كان تخطيط القاهرة الخديوية أو وسط البلد وأجزاء فى محيطها تخطيطا لم يغب عنه عمل شبكة صرف أمطار، ولا تعانى منطقة وسط البلد من الغرق بعد أى موجة أمطار أو حتى سيول، وكم من مخططات تبعتها لم ترع معدلات الأمطار أو السيول وكم من مشاكل صارت موسمية تغرق فيها شوارع أحياء بكاملها ومع ذلك يستمر الإصرار على التخطيط دون عمل شبكة صرف الأمطار التى هى بالمناسبة ليست شبكة تصريف السيول وإن كان على صلة بها، فتصريف السيول لها أعمال مدنية تبدأ من خارج المدينة لتغيير مسار السيول وغير ذلك من استعدادات وقياسات وتصميمات، فى حين أن تصريف الأمطار هى ضرورة تصميمية اعتيادية داخل شوارعنا ليس فقط بعمل ميول عرضية للطريق لتنهمر مياه الأمطار ثم تميل لتسير بجانب الرصيف فى رصانة وهدوء ثم تسير فى ميل الطريق الطولى من شارع إلى آخر حتى تقابل ربما قدرا ما، «فذلك» يستدعى أن نأخذ فى اعتبارنا عند تطوير الشوارع والأحياء والمدن عمل مجارى وبالوعات صرف الأمطار بجانب الرصيف ثم تجميعها وربما يستفاد منها بتوزيعها لرى الحدائق أو غيره أو تصريفها بشكل صحى سليم.
***
المرافق تعنى كل ما يربط بين الشبكات الأساسية بالمدينة وبين مستخدميها أو العكس، فشبكة المياه تصل إلى أى منطقة سكنية عبر مواسير أسفل الأرصفة أو أجناب الطرق، وتتبع فى مسارها الهيئة العامة للمياه، ثم تخرج بماسورة أعلى الرصيف بجوار المبنى الذى ستدخله لتصبح بذلك مرفقا حتى المحبس العمومى نسميه فى العامية «الأم»، ويتولى هذا الجزء موظف من مرفق المياه، ومن بعد المحبس الأم تنتهى الصفة المرفقية لتصبح أعمال سباكة ويتولى هذا الجزء حرفى سباكة، والذى قد تلاحظه أن مواسير شبكة الصرف الصحى التى تسير فى محور الطريق تنتهى تبعيتها للهيئة العامة للصرف الصحى عند فوهة البالوعة ثم تجد غطاء البالوعة مكتوبا عليه مرفق مياه كذا، «فذلك» يعنى أن الماسورة شبكة والغطاء مرفق، وكذلك يمكن أن يصير تعميما أن كل ما فوق مستوى أسفلت الطريق هو مرفق، عامود الإنارة مرفق وصناديق الكهرباء والمحولات والقمامة ومحطات المياه، حتى رصيف الشارع مرفق يقوم مالك العقار بعمله ونهوه خارج حد البناء وتسليمه للحى حيث يصير ملكا للسائرين فى الشارع يسيرون عليه بدلا من السير فى نهر الطريق، «فذلك» يعنى أن الرصيف بعد إتمامه هو ليس ملكا لك لتضع عليه صناديق الورود أو بضاعتك أو سيارتك أو تستعمله كجزء من ممتلكاتك أو تحجزه ولا تسمح لأحد بالسير عليه أو ركن سيارته أمامه، ولكن لا حى يستلم ولا مالك يرعى حق الشارع وحق المشاة، أقول ذلك وأحسبه فذلكة فيها إعادة لأمور هى فى الواقع قانونية أو علمية ولكن العرف بيننا صار بها على غير حقيقتها وهنا يقول السفسطائيون لا تنسى أن العرف أحد مصادر التشريع فلا تخرج عنه إذ ربما يصير يوما قانونا كما هو صائر واقعا.
استشارى التخطيط العمرانى

وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات