بتشجيع من قوى فاعلة إقليمية ودولية، وبمعزل عن التشاور الإيجابى المنتظر مع القوى الفاعلة الثورية، قام الائتلاف الوطنى السورى لقوى المعارضة بعدة محاولات من أجل التوصّل إلى وضع إطار جديد لنشاطه وتحفيز القوى مختلفة على الانخراط فيه لتشكيل معارضة قادرة على طرح تصوّر سياسى إنقاذى للمستقبل.
وشعر أعضاؤه القدماء أو الجدد بالعجز العربى والدولى عن الاتيان بأية مبادرة فعلية سياسية كانت أو غير، وبقدرة ما يسمى بالمجتمع الدولى على استنباط التصريحات تلو التصريحات وحتى لو تناقضت. وأبدى أيضاً الأعضاء عجزاً بنيوياً عن وضع تصور سياسى بعيداً عن الدوغمائية المستوطنة فى عقول مارس بحقها الاستبداد عقوداً من التجميد المعرفى إن لم يكن فى أحيان عدة، الفيزيائى أيضاً.
فى حين تنادى القوى الشبابية، تفكيراً أو عمراً، بتجاوز قوى المعارضة السياسية للخلافات الشخصية والتناقضات الإيديولوجية والتحكّمات الدينية والمآرب الدنيوية والهرطقات الجدلية والأنا المتضخمة من دون جدوى. ويسعى عقلاء التحليل السياسى إلى اجتراع المبررات وإيجاد المحفّزات لدعم بصيص من الأمل فى قلوب الضحايا المباشرين للمأساة. ويحاولون أن يجدوا لعجز بعض المعارضة تبريرات عدة، عسى أن يساعد هذا الهامش من «التسامح» السياسى فى إطلاق بعض المبادرات الواضحة.
وإن كان المصريون والتونسيون قد شعروا بأن هناك من يتربّص بثورتهم وأحسّوا بوجود قوى مستفيدة من الفراغ السياسى أو البطىء فى المسار الانتقالى، فإن السوريين يرون سارقى الثورة يتقدمون بكل عزّة وافتخار قبل انجازها. إضافة إلى النظام القائم وما يسمى بالمجتمع الدولى المتعاجز فالجميع مسئول عن الوصول إلى هذا الواقع الصعب والمعقد والمؤلم والمكلف بشرياً قبل أى أمر آخر.
●●●
من نخب تقليدية فقدت مصداقيتها وعجزت عن تطوير أدواتها وجهلت مجتمعاتها وعزلت ذاتها أو تم عزلها مرغمة عن واقع المكونات السياسية والثقافية والاجتماعية لبلدها، وتأخرت عن اللحاق بركب الثورة مستاءة من أن انطلاقتها خرجت عن سيطرة عقولها المتحجرة. إلى قوى سياسية غير منظمة وترفض التنظيم ولو بعد حين، سعت إلى تصدر المشهد الداخلى وهى بعيدة عن مضمون وسبب الاحتجاجات الشعبية التى لم تشارك فيها إلا تنظيراً فراغياً.
إلى شخصيات خرجت من تصحّر فى الممارسة وفى الحوار وفى العمل الجماعى لتبرز وكأنها المسيح المنتظر (أو المهدى بما أن الأمور تتجه فى هذا المنحى). إلى معارضى مقاهى سابقين أسموا أنفسهم بالمثقفين العضويين، الذين اكتشفوا بأن عجزهم سيودى بهم إلى النسيان الإعلامى فتعرّوا من مسئولياتهم الأخلاقية والتحقوا بركب الخطاب الرسمى السائد، منغمسين فى وحول التخوين والتطييف والشتم والوعيد، وهم بذلك كمن رفع رأسه وبصق فى الأعلى من دون التحرك من المكان. إلى قوى شبابية كانت، وما زالت، عماد الحَراك ووقوده الأساسى والتى عجز جزءٌ مهم منها على التنظّم بعيداً عن الولاءات الإيديولوجية أو المناطقية أو القبلية أو المذهبية التى ساهمت سنون الاستبداد فى ترسيخ ثقافتها.
لقد استطاعت بعض الجهود أن تتوصل إلى وضع إطار ما لمعارضة ما يعتمد على النيات الحسنة وعلى طاقات فكرية وهدف مشترك. لكن سرعان ما انقشعت امواج السراب بمساعٍ ذاتية وتدخلات خارجية، لم يعرف، ولم يعترف أيضا، ضحاياها كيف التعامل معها أو تجاوزها. ولم يشعر أحد منهم بالحاجة إلى قراءة ألف باء السياسة ومعرفة ما هى مقومات صنع جبهة سياسية تآلفية تستطيع القيام بتأطير العمل السياسى ووضع تصور لمآلاته.
وعلى الرغم من القدرات الفردية الكبيرة وعالية المستوى علمياً ومهنياً، وعلى الرغم من النوايا الطيبة والشعور الوطنى الغالب، إلا أن جميع الأمراض ظهرت، وبقسوة، فى كل الأجسام المشكّلة. ولم يشعر أى ممن تبوء واجهة العمل العام بضرورة التضحية ولو بالقليل. ومن عمل منهم فى صمت كامل، وبعيداً عن الأضواء الإعلامية والتسويقية، بغية تحقيق تقدم ملموس والظهور بمظهر المؤسسة الجامعة، فقد تم إقصائهم.
خلال اسابيع، استحقاق مهم ومصيرى ينتظره السوريون، هو مؤتمر جنيف، الذى هيئت له روسيا بإذعان أمريكى وخضوع غربى وتنسيق مع النظام السورى. وهناك معارضة «داخلية» تحلم بمنصب «داخلى» مهما كان الثمن الأخلاقى أو الفكرى، وهناك معارضة «خارجية» فيها الصالح والطالح، لم تستطع خلال اسابيع من أن تقرر ماذا تريد، إلا أنها نجحت، والحمد لله، بتشكيل لجنة «عليا» لتنظيم حج السوريين إلى الأراضى المقدسة. ابتسم.
نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى