أول مرة فى حياتى تتاح لى فرصة أن أكون جزءا من عملية سياسية تجعلنى أعرف تفاصيل داخلية تتناولها الصحف. وبالتالى أخوكم أصبح يرى مشهدين: أحدهما الحقيقة من الداخل، والآخر الصورة الذهنية التى يرسمها الإعلام والصحافة. بصراحة المفارقة تدعو للتأمل والدهشة.
وأرى من واجبى أن أحذركم من بعض إعلامنا الذى يخلط بلا أى إحساس بالذنب بين الحقيقة والخيال وبين المعلومة والرأى. قد يقع جزء من المسئولية على غياب قانون لتداول المعلومات، ولكن من لا يستطيع الزواج لا يحل له الزنا فيما أعلم.
مثلا إعلان عن أن مفكرا كبيرا اعتذر عن أن يتولى منصبا كبيرا، مع أن هذا الاسم لم يكن مطروحا على الإطلاق. برنامج تليفزيونى يتحدث عن عدد وأسماء محددة لبعض الوزارات وبعض نواب رئيس مجلس الوزراء والحكاية أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. يبدو أن ماكينة الإعلام لابد أن تعمل، وإن لم تجد فى الحقيقة عملا وجدت فى الادعاء أعمالا. والرهان على ضعف ذاكرة القارئ والمشاهد بالغ. هناك موقع إلكترونى لصحيفة يومية تبدو لى وكأنها متخصصة فى الادعاء، وكأنها لا تضيع فرصة لتثبت أنها متخصصة فى الأكاذيب. القدرة على اختلاق المعلومات مهولة فعلا. والجرأة فى التحليل بالاعتماد على معلومات غير صحيحة ــ جبارة.
لفت نظرى صديق لى إلى مقالة كتبها شخص عن الأموال التى يحصل عليها مستشارو رئيس الوزراء. وكان الرقم المعلن أن كل مستشار يحصل على ١٥٠ ألف جنيه فى الشهر. شخص آخر أشار إلى ٢٥ ألف جنيه فى الشهر لكل مستشار.
وبما أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فاعتبروا حضراتكم هذا قسما مغلظا أن كل من أعرفهم من مستشارى رئيس الوزراء لا يحصلون على أى مقابل مادى ولا يكلفون الدولة أى مبالغ مالية. وكى أكون أمينا أنا حصلت على «يو إس بى» مودم بـ١٠٠ جنيه عهدة علىّ ولا أستخدمها تقريبا لأن شحنه مرة أخرى يتطلب إجراءات بيروقراطية لا يوجد عندى وقت لإتمامها. ومع ذلك لا بد من شكر الصحفى الذى ذكر ٢٥ ألف جنيه لأنه كان أكثر قربا من الرقم الحقيقى وهو صفر. هناك آية كريمة تقول: «وإذا قلتم فاعدلوا» وهناك حديث يقول: «لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه».
وهناك حديث آخر يقول: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع». إذا قلت، فقل العدل. ولا تَهَبْ أحدا إذا قلت، ولكن عليك ألا تقول كل ما تسمع، لأن بعض ما يقال قد يؤدى إلى الظلم. عندى الكثير مما أعلمه عن بعض السادة المسئولين تجعلنى أقدر لهم ما يفعلون. ويكفى أن أقول إن أحد قيادات القوات المسلحة الذين يخرجون علينا كثيرا فى التليفزيون يصارع المرض لأنه زرع كبد حديثا، ولكنه واجبه الذى جعله فى يوم يحارب حبا فى الوطن، ويدير ملفا شائكا حبا فى الوطن وهو يسمع بأذنيه شتائم له من «بتوع نضال آخر زمن فى الاستوديوهات» من الذين لا يقدرون للرجال أقدارهم. ولكنه قدرهم. طبعا هذا الكلام لن يرضى الكثيرين ممن لا يرون كل الحق حقا، ولا يريدون، ولا يرون كل الباطل باطلا، ولا يريدون. لكن هذا غير مهم. مصلحة البلد أهم. دمتم ودامت مصر بخير.