دليل القارئ الذكى إلى معنى التنمية - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 5:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دليل القارئ الذكى إلى معنى التنمية

نشر فى : الأحد 15 أكتوبر 2017 - 8:55 م | آخر تحديث : الأحد 15 أكتوبر 2017 - 8:55 م
أخوض فى هذا المقال مغامرة لا أعرف ما إذا كانت تستحق الجهد المبذول فى كتابتها، لأنها موجهة لمن يصنعون السياسة الاقتصادية فى بلادنا كما أنها موجهة للقراء الكرام. فلست متأكدا من أن ما أكتبه سيدفع الأولين إلى أن يفكروا على نحو مختلف بالنسبة لإدارة الشأن الاقتصادى، ذلك بافتراض أنهم يهتمون بقراءة ما يأتى على هذه الصفحة من كتابات، لغيرى أولا، تعكس فهما صحيحا لأوضاعنا الاقتصادية، وربما يكون عزائى هو أن القراء سوف يدركون أهمية ما أقول بل وخطورته حتى ولو كان ترديدا لما يعرفونه عن علم الاقتصاد.
أطمئن القراء الأعزاء أنى لن أتحدث عن نظريات علم الاقتصاد التى قد تبدو معقدة لكثيرين، ولكن أجدنى مضطرا لأن أكرر عليهم بعض أبجديات علم الاقتصاد ليس تأثرا بمرض مهنى يجعلنى أكتب فى بعض ما أزاوله كعمل، ولكن للمساهمة فى تنوير صانعى السياسة الاقتصادية فى بلدنا حول معنى التنمية، والذى يبدو أن فهمهم مغلوط عنه، وكذلك لتقليل بعض الضرر الذى يواصل الإعلاميون فى بلدنا إلحاقه بأذهان المواطنين بسرد أباطيل عما يحدث فى بلدنا وفى العالم، مثل الحديث عن تلك المؤامرة الكونية التى تتعرض لها مصر، وعن سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان، وعن إنجازاتنا الاقتصادية التى أبهرت المؤسسات المالية الدولية. ولست أتصور أن من يحتلون مواقع فى المجموعة الاقتصادية فى مجلس الوزراء يجهلون تلك الأبجديات التى أتحدث عنها، وهم يشاركون فى موكب التهليل فى بعض المناسبات التى تصدرها رئيس الدولة خلال الأسبوع الأخير احتفالا بعيد العبور العظيم فى أكتوبر 1973، وربما ألتمس لهم العذر فهم مسئولون عن تنفيذ برنامج الرئيس الذى لم يشارك أى منهم فى إعداده ولا مناقشته بل ولم يقرؤه أحد لا قبل الانتخابات الرئاسية ولا بعدها، بل ولا أعرف أصلا من علماء الاقتصاد فى مصر من سمع عنه قبل أن يصبح برنامج عمل الحكومة بعد انتخاب المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا للبلاد. ومع احترامى الشديد لكل منهم ومنهن، من قدر لى أن أعرفه شخصيا، ومن لم أحظ بعد بهذا الشرف، فلا أظن أن أيا منهم قد تحفظ على أى جانب فى برنامج الرئيس لا فى مناسبة عامة أو فى مناسبة خاصة، وبكل تأكيد ولا فى لقاء خاص مع الرئيس. طبعا ليست لدى أى معلومات عما يمكن أن يكون قد جرى فى هذه اللقاءات، ولكن ليس من المحتمل فى نظامنا السياسى الذى نعرفه أن يخرج عن أى من كبار المسئولين الحكوميين ما قد يبدو وأنه تشكيك فى حكمة الرئيس. بل إننى ألتمس لهم العذر لأن كلا منهم ومنهن مسئول فقط عن وزارته، ولا يدخل فى اختصاص أى منهم أن يتحدث عن الاقتصاد بصفة عامة. هناك وزير للمالية، وهناك وزيرة للتخطيط، ووزيرة للاستثمار والتعاون الدولى، ووزير للتجارة والصناعة، ولكن ليس هناك من قائد لهذا الفريق يمكن أن تكون لديه الرؤية الكلية فيتحدث عن الاقتصاد ككل. ربما يكون رئيس الوزراء هو المنوط به أن يكون هذا القائد، وربما كان هذا هو الوضع عندما كان رئيس الوزراء خبيرا اقتصاديا، كما كان حال المرحوم الدكتورعاطف صدقى أو الدكتور كمال الجنزورى، ولكن رؤساء حكومتنا من الدكاترة المهندسين، سواء كان ذلك هو حال الدكتور أحمد نظيف فى ظل مبارك أو الدكتور شريف إسماعيل فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فهم يؤثرون أن يتركوا العيش لخبازه، ولذلك وجدنا خلافات داخل حكومة الدكتور شريف حول مسألة لائحة قانون الاستثمار لم يستطع رئيس الوزراء حلها بسهولة.

بناء المدن الجديدة وتشييد الطرق.. هل هذه هى التنمية؟

الذى يدفعنى لكتابة هذا المقال فى هذا الأسبوع هو تلك المقالات التى تتهم من يتحفظون على ما يقوم به الرئيس من وضع حجر الأساس لما يسمى بعاصمة إدارية جديدة ومن افتتاح أولى لبعض الطرق السريعة بأنهم يقللون من مقدار الإنجاز الذى يتم فى مصر، ومن نجاح إدارة الرئيس فى وضع مصر على طريق التنمية. طبعا لا يشكك أحد فى جدوى تحسين وسائل المواصلات سواء كان طرقا أو سككا حديدية ولا ربط مصر بشبكة معلومات متطورة ولا حفر أنفاق تربط سيناء بالدلتا والوادى فى دفع عملية التنمية، مع أن هناك قضايا أساسية بالنسبة لهذه الطرق السريعة لابد من مناقشتها، وهو إلى أى حد يساهم بعضها فى اغتيال الأرض الزراعية التى نشكو جميعا من ضآلة مساحتها إلى إجمالى السكان ومن الاعتداء الذى طالها وجعلنا نفقد تقريبا عشر المساحة المزروعة فى البلاد ومن أجودها فى كل من الدلتا والصعيد. ولكن جوهر التنمية الاقتصادية هو النهوض بالصناعة والزراعة والخدمات الإنتاجية وبجودة عالية توفر لها قدرة تنافسية فى الأسواق العالمية وتقلل من حاجتنا للاستيراد. ومع ذلك لم نسمع فى أسبوع الإنجازات هذا عن مصنع جديد افتتحه واحد من كبار المسئولين، ولا عن آلاف من الفدادين تم استصلاحها وبدأنا نشهد ثمارها أو تنوعا فى هيكل صادراتنا فنرسل للعالم بعض السلع عالية القيمة المضافة بالإضافة إلى صادراتنا التى لا يتجاوز معظمها تحضير مواد أولية مثل الأسمدة والأسمنت والأغدية والمنسوجات. طبعا سيقال أن اقتصادنا يتحول إلى القطاع الخاص، وذلك على الرغم من أن الدولة مازالت تحتفظ بقطاع عام كبير، ومع ذلك لم نسمع وبكل تأكيد لم نحتفل بأى إنجاز كبير فى أى من القطاعين. بل لقد فسرنا الهبوط الحاد فى حجم وارداتنا على أنه دليل على نجاح السياسة الاقتصادية التى تهدف إلى الحد من الواردات بينما سببه الأساسى هو الركود الذى أصاب الاقتصاد بعد قرارات تعويم الجنيه ورفع سعر الفائدة فى البنوك.
كون أن التنمية تعنى فى بلد مثل مصر التصنيع مع النهوض بالزراعة وبالخدمات الإنتاجية يكاد يكون من بديهيات علم الاقتصاد. وفى حالة مصر تحديدا هو سبيلنا للحد من المديونية الخارجية التى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة على امتداد تاريخنا الطويل باقترابها وفى ظرف شهور قلائل من تسعة وسبعين مليار دولار. ولن نسدد هذه المديونية بمبانى العاصمة الجديدة ولا بشبكة الطرق السريعة، ولكن سبيلنا لسد الفجوة بين وارداتنا التى وصلت إلى خمس وثلاثين مليار دولار وصادراتنا التى لا تتجاوز خمس عشرة مليار دولار سنويا وبحسب آخر أرقام وزارة التجارة والصناعة هو زيادة صادراتنا من السلع الصناعية والزراعية والخدمات الإنتاجية.

درس الدول الصناعية الجديدة

والعجيب حقا أن هذا الدرس البسيط لم يصل بعد إلى أذهان صانعى السياسة الاقتصادية فى مصر على الرغم من أن زيارات كبار المسئولين تكررت لبلاد مثل الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام، وهى دول تصنف فى كل التقارير الدولية على أنها الدول الصناعية الجديدة. عندما يذهب كبار مسئولينا إلى هذه الدول فإنهم لا يهتمون بأن يتعلموا كيف وصلت هذه الدول إلى هذه المكانة فى الاقتصاد العالمى وهى التى كان يضرب بها المثل فى الفقر المدقع ولكنها قهرته فى ظرف عقود قليلة. هم ينشغلون عندما يذهبون إلى هذه البلاد فقط بدعوتها للاستثمار فى مصر بينما كان عليهم أن يسألوا مثلا كيف نجحت فى رفع مستوى الادخار والاستثمار المحليين لديها والذى لا يقل عن ثلث ناتجها المحلى بينما لا يكاد استثمارنا المحلى 15% أو سدس ناتجنا، ومن ثم نبحث عن النجاة فى الاستثمارات الأجنبية التى لم تلعب دورا أساسيا فى النهضة الاقتصادية لهذه البلاد. وليت المستقبل يوحى بأن هذه الأوضاع ستتغير، فالمساهمة الكبرى فى توليد النمو حسب أرقام وزارة التخطيط تأتى فى قرابة ثلاث أرباعها من التشييد والتجارة الداخلية وأنشطة العقارات، ولا تساهم الصناعة إلا بـ3% وتساهم الزراعة بنحو 15%.
بديهية أخرى أكررها على أسماع مسئولينا وإعلاميينا الفرحين بإنجازات المبانى الفاخرة، لم تعد التنمية فى عرف علماء الاقتصاد ولا حتى فى المؤسسات الدولية تعنى فقط التنمية الإقتصادية، ولكنها أصبحت تعنى التنمية الإنسانية بأوسع معانيها، فهى تمكين للمجتمع كما أنها تمكين للدولة. هى تمكين للمجتمع من خلال رفع مستويات التعليم والصحة للمواطنين، ويعرف القراء الأعزاء أن مكانة التعليم فى بلادنا هى بين الأدنى على مستوى العالم، كما لايزال ترتيبنا بين دول العالم فى مؤشرات التنمية البشرية هو 111 أى فى الثلث الأخير.
والتنمية الإنسانية هى تمكين للمجتمع من خلال إطلاق الحريات المدنية والسياسية، وكنت أود الاستشهاد فى هذا الصدد بتقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر والذى قدم للرئيس، ولكن عرفت أنه غير متاح للمواطنين، لا على الموقع الإلكترونى للمجلس ولا فى صورته المطبوعة. والتنمية الإنسانية هى تمكين للدولة من حيث إلتزامها بقواعد الحكم الرشيد من احترام لحكم القانون ورشادة فى صنع القرار وتحقيق الشفافية فيما يصدر من قرارات ويتبع من سياسات، ومساءلة من يصنع السياسات ومن ينفذها فضلا عن التكافؤ فى توزيع أعباء وفوائد السياسات العامة على حد سواء. أى من هذه المعايير ترونها واردة فى خطاب المسئولين عن «الإنجازات».
يا من تصنعون سياساتنا الاقتصادية ومن تشكلون عقول المواطنين. إنجاز التنمية ليس بتشييد المبانى الفاخرة فى مدن جديدة ولكن بالتصنيع الذى يقود الزراعة وبتعليم البشر وإطلاق حرياتهم.

 

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات