إننا نعلم مبدأ الاحتلال جيدًا «فرق تسد» وقد تعبت إسرائيل كثيرًا مع منظمة فتح ومع القائد الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات» والذى كان بمثابة حجر ضخم فى طريقهم، وهنا بدأت إسرائيل فى التعامل مع مجموعة صغيرة تحاول أن تلفت انتباه الكثيرين بأنهم يقومون بالنضال العسكرى عكس منظمة فتح التى تتفاوض دائمًا ولا تناضل إلا النضال النظيف (التفاوض وإظهار المظلومية الفلسطينية للعالم).
بدأت هذه المجموعة الصغيرة ــ حماس ــ فى تنظيم نفسها وفى التعاون مع جماعات متشددة أخرى فى المنطقة.
• • •
لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فقد تحولت هذه الجماعة ــ حماس ــ ليس لتكون منافسًا لمنظمة فتح فتضعفها بل إن منظمة فتح تركت الساحة لحماس لتبدأ فى مشاكسة إسرائيل ومستوطنيها، فأصبحت حماس وعناصرها ــ من وجهة نظر البعض ــ حجة لأى هجوم أو أى مداهمة إسرائيلية حتى لا تعود لمائدة المفاوضات مرة أخرى ولحلول تكرهها إسرائيل كحل الدولتين أو الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
لذلك فإسرائيل بين كل عملية لحركة حماس تقوم بحرب شرسة على أهالى غزة وفى أحيان كثيرة تقوم القوات الإسرائيلية بمداهمات واعتقال المئات وأحيانًا الآلاف وما يعتبر دليلًا دامغًا ــ عزيزى القارئ ــ على أن إسرائيل تستهدف المواطنين الفلسطينيين العزل هو أن قادة إسرائيل تعلم تمام العلم أن عناصر حماس متحصنة فى مواقع أو أنفاق تحت الأرض، فلم إذن القتل واستهداف الأبرياء والمستشفيات.. وأخيرًا مراكز الإيواء؟ فالوضع الآن بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضى المعروفة بـ«طوفان الأقصى» أصبح فى انهيار كامل ووشيك للنظام العام بحيث يتعرض قطاع غزة لقصف جنونى مستمر ــ ظنًا منهم أن أعضاء حركة حماس سينتظرونهم حتى يقصفونهم بالطائرات ــ لذلك شدد الأمين العام للأمم المتحدة إعلان وقف إنسانى لإطلاق النار.
وقال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن المادة 99 من ميثاق المنظمة الدولية تعطيه الحق فى «لفت انتباه» مجلس الأمن إلى وضع يُعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر، كما أكد أيضًا أنه مع القصف الإسرائيلى المستمر وعدم وجود ملاجئ أو أى أمل للبقاء يتوقع انهيارًا كاملًا ووشيكًا، وذلك بسبب الظروف التى تدعو لليأس نتيجة تضييق إسرائيل على المساعدات الإنسانية بجانب القصف المتوحش الذى يصل إلى حد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى.
كما دعت منظمة «مراسلون بلا حدود» إسرائيل إلى السماح للصحفيين بالتحرك بحرية عبر معبر رفح الحدودى جنوبى غزة وطلبت فتح المعبر حتى يتمكن الصحفيون من القدوم والذهاب على جانبى الحدود.
وقد تم إغلاق المعبر فى بداية الحرب على غزة، وافتتح بشكل متقطع فى الأسابيع الماضية، حيث سمح للأشخاص المدرجة أسمائهم فى قوائم السفر المعتمدة بالخروج كما أن مصر اشترطت فى البداية فتح المعبر لكى تمر منه المساعدات الإنسانية إلى غزة اولا.
وقالت المنظمة «إن الصحفيين الفلسطينيين الذين اضطروا للفرار من منازلهم، مثل غيرهم من المدنيين فى غزة، وفى طلب مستحيل لم نسمعه من قبل تطلب منهم إسرائيل التجمع على الحدود مع مصر، دون إمكانية العبور».
بينما أكدت مصر بأن المعبر لم يغلق أبدًا من الجهة المصرية، برغم أن هناك بعض المرات التى تم فيها استهداف إسرائيل للمعبر بضربات جوية والذى عطل العبور فى البداية. ومعبر رفح فهو المعبر البرى الوحيد الذى لا تسيطر عليه إسرائيل وقد بدأ فى استقبال الجرحى ومزدوجى الجنسية منذ بداية نوفمبر الماضى.
صرح بنيامين نتنياهو فى رسالة مصورة على موقع إكس قائلًا: «لقد قلت إن قواتنا يمكن أن تصل إلى أى مكان فى قطاع غزة، ونحن على شفا القبض على السنوار»، وخلال حرب الإبادة هذه تواجه إسرائيل ضغوطًا دولية مستمرة من أجل حماية المدنيين فى غزة خلال عملياتها العسكرية التى تقوم بها فى المنطقة الجنوبية من القطاع، كما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية عدم تكرار ما حدث فى الشمال من أخطاء فى الجنوب حيث دمرت أحياء كاملة ــ وهذا بغرض إزالتها فيما بعد بحجة وجود عناصر لحركة حماس بها فيدكونها بالمدنيين الذين يحتمون بها، فأمريكا تريد إنهاء هذه القضية وإسرائيل تريد سحق الشعب الفلسطينى وليس حماس ــ فتقتل الآلاف وتشرد غيرهم.
• • •
وفى ردود فعل إيجابية لإحالة الأمين العام للأمم المتحدة الحرب لمجلس الأمن أيد كلٌ من وزير خارجية الاتحاد الأوروبى، ورئيس منظمة الصحة الدولية التفعيل النادر للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، كما أعربا عن دعمهما لقرار الأمين العام أنطونيو جوتيريش، وهذه هى المرة الأولى التى يتم فيها تفعيل المادة 99 منذ تولى أنطونيو منصبه، فبموجب هذه المادة يتمتع الأمين العام بسلطة إحالة قضية تهدد برأيه السلم والأمن الدوليين إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحض وزير خارجية الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل الشركاء على «التحرك الفورى لمنع الانهيار الكامل للوضع الإنسانى فى غزة» كما حذر رئيس منظمة الصحة الدولية من نفس النتيجة.
وقد طلب منسق السياسة الخارجية جوزيب بوريل من الدول الأوروبية دعم أنطونيو، وكتب على موقع إكس قائلًا: «أطلب من أعضاء الاتحاد الأوروبى فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والشركاء ذوى التفكير المماثل دعم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة»، وتابع: «أنه يجب على مجلس الأمن التحرك السريع لمنع الانهيار الكامل للوضع الإنسانى فى قطاع غزة».
وقد أعرب رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز عن دعمه الكامل لموقف الأمين العام للأمم لمتحدة، وكتب على منصّة إكس قائلًا: «الكارثة الإنسانية فى غزة لا تطاق، أعبر عن دعمى الكامل للأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو جوتيريش فى تفعيله المادة 99 من ميثاق الأمم المتّحدة».
وهكذا سارعت إسرائيل إلى التنديد بخطوة جوتيريش، متّهمة الأمين العام ــ بالطبع ــ بدعم حركة حماس.
وشدد وزير الخارجية السعودى، على ضرورة وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، والدخول الكامل للمساعدات الإنسانية قائلًا: «نحن بحاجة إلى خارطة طريق موثوقة لإقامة دولة فلسطينية، ولكن وقف القتال لا يبدو أولوية للمجتمع الدولي«، كما قال ايمن الصفدى وزير الخارجية الأردنى: «إسرائيل تنتهك القوانين والأعراف الدولية، ونحن نختلف مع موقف أمريكا حول وقف مؤقت لإطلاق النار، ويجب أن يكون هناك وقف تام لإطلاق النار ولهذا نحن فى واشنطن».
وأكّد السفير الفلسطينى فى الأمم المتحدة، رياض منصور بأنه «لا يمكن الاستمرار من دون أن يتحمّل مجلس الأمن مسئولياته».
ومن العجيب حقًا ما حدث حين اعتقلت القوات الإسرائيلية مئات الرجال وفصلتهم عن النساء والأطفال من داخل مراكز الإيواء للتأكد هل كانوا من عناصر حماس أم ناشطين بها ــ مع العلم أن عناصر حماس موجودون فى الأنفاق وليس فى مراكز الإيواء ــ واقتيادهم شبه عراة معصوبى الأعين، فى حافلة عسكرية إلى مكان غير معروف!!
ومن جانبها اعتبرت منظمة أطباء بلا حدود، أن عدم تحرك مجلس الأمن الدولى حيال ما يحدث فى غزة «أمر لا يُغتفر».
وأضافت المنظمة غير الحكومية إن عدم تحرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة «حتى هذه اللحظة»، واستخدام حق النقض ــ الفيتو ــ من قبل الدول الدائمة العضوية لاسيما الولايات المتحدة، يجعلها شريكًا فى «المجزرة الجارية» التى يشهدها قطاع غزة، فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لعرقلة وقف إطلاق النار الفورى فى غزة، ليعتبر مسمارًا فى نعش مصداقيتها فى مجال حقوق الإنسان. كانت الولايات المتحدة هى العضو الوحيد فى مجلس الأمن الذى صوت ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار فى غزة. إذ قالت المديرة التنفيذية لمنظمة أطباء بلا حدود فى الولايات المتحدة، بحسب ما نقلته صحيفة الجارديان البريطانية، «إن قرار واشنطن باستخدام حق النقض يجعلها متواطئة فى المذبحة فى غزة». وهكذا تقوم إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة بتصفية القضية الفلسطينية.