بعد خمس سنوات على الثورة: وحدة سوريا فى وجود تحول سياسى حقيقى - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد خمس سنوات على الثورة: وحدة سوريا فى وجود تحول سياسى حقيقى

نشر فى : الأربعاء 16 مارس 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 مارس 2016 - 10:00 م
«ستخسر، وستدمر دمشق»، قالها الأخضر الإبراهيمى، مبعوث الأمم المتحدة الخاص، للرئيس السورى، محذرا إياه خلال لقاء جمعهما. «دمشق ستدمر، ولكن المعارضة هى التى ستخسر»، أجابه بشار الأسد. لأولئك الذين لايزال لديهم شك، يحمل هذا الحوار مغزى كبيرا حول العلاقة التى تربط الأسد ببلده، الذى يدعى أنه يمثله، بينما هو يحيله رمادا. فهذا النظام المافياوى الوراثى هو الذى انتفض ضده السوريون انتفاضتهم السلمية فى مارس 2011.

عشية الذكرى الخامسة لهذه الحركة السلمية، لم يعد ممكنا أن نكتفى بالأمنيات، وننتظر أن تحل الأزمة السورية نفسها بنفسها، وأن يقال لنترك الساحة لروسيا وبطلها «الذى لم يعد سوى قطعة شطرنج» فى دمشق، سيكون ذلك بمثابة الإصرار الغاشم على السير فى طريق السيناريو الكارثى للجميع، بدءا بالسوريين أنفسهم؛ ولن تنجو منه أوروبا الهشة أمام أزمة اللاجئين التى لم تستطع إدارتها، وأمام شبح الإرهاب الذى لن تستطيع حماية نفسها منه تماما.

***
وإذا كانت الهدنة التى توصلت إليها الولايات المتحدة وروسيا فى ميونخ قد أهدت، فى مجملها، استراحة للمدنيين، لطالما تاقوا إليها، فذلك الهدوء قد لا يدوم طويلا نظرا للمخاطر والتساؤلات التى تحيط بهذا الاتفاق.

فالاتفاق، أعطى أولا الضوء الأخضر لروسيا والنظام السورى، لاستبعاد أى جماعة قد تضر بمصالحهما، من وقف الأعمال العدائية، فيما يشبه ستار الدخان الذى يتيح لهما متابعة التقدم على حساب قوات المعارضة، تلك التى تقاتل النظام والجماعات المتطرفة معا. وبالتالى، فقد يوشك غياب أى آلية للمراقبة أن يفضى إلى الانهيار الكامل للاتفاق، والعودة المستعرة للأعمال العدائية.

ومع ذلك، يجب بذل كل الجهود الممكنة لضمان استمرار الهدنة التى دخلت فى الأسبوع الثالث، والتزمت جميع قوى المعارضة بها وهذا ما فاجأ الجميع التحدى الأكبر الآن هو أن تكتسب المفاوضات التى بدأت فى جنيف فى 15 مارس، تحت رعاية الأمم المتحدة، المصداقية. وأن تفتح المساومات الدبلوماسية المجال للتوصل إلى حل سياسى للنزاع ينقذ سوريا دولة وشعبا. وهو ما يستلزم أقصى درجة من الوعى والمسئولية. ذلك أن بشار الأسد وحلفاءه الروس، بدلا من أن يتعاملوا مع القضية الرئيسية المتمثلة فى عملية الانتقال السياسى للخروج من الأزمة، يسعون لجعل إيصال المساعدات الإنسانية موضوعا للتفاوض واستغلاله للحصول على تنازلات من المعارضة السورية.

إن القانون الدولى الإنسانى يعرف الحصار على أنه جريمة حرب وقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2254 يجعل من القضية الإنسانية التزاما لا يخضع للتفاوض. نظام الأسد مسئول عن الغالبية العظمى من حالات الحصار التى تواصل حرمان قرابة المليون مدنى، حسب مرصد الحصار الذى يحظى باحترام واسع «سيج واتش» ــ من الغذاء، والمياه، والأدوية.

فى هذه الشروط يبقى الدافع للهجرة حاضرا بقوة لدى عشرات الآلاف من السوريين الذين لم تضمن لهم هذه الهدنة الهشة حتى الآن لا اجتياحاتهم الحيوية ولا الحماية المأمولة.

لقد تحول المدنيون منذ بداية النزاع، إلى أهداف للهجمات بشكل ممنهج. فهم ليسوا ضحايا «أضرار جانبية» كما يتم الزعم. بل كل شىء يدل على أن استهدافهم يقع فى قلب استراتيجية موسكو ودمشق من أجل إحداث المزيد من التهجير وزعزعة الاستقرار فى أوروبا ودول الجوار السورى بسبب تدفق اللاجئين. هذا ما ذكره الجنرال فيليب بريدلوف، قائد قوات حلف شمال الأطلنطى فى أوروبا الذى اتهم روسيا باستخدام التهجير كسلاح ضد أوروبا. وبالفعل فإن كل المؤشرات تدل على أن وتيرة النزوح الجماعى ستتسارع.

***
وبنظرة أكثر قربا فى السياق العربى، أين الدول العربية من المأساة السورية؟ يبدو أن العديد من الدول العربية تقف فى مواقع متناقضة فى تعاملها مع الوضع فى سوريا. لذا يتعين عليهم أكثر من أى وقت مضى، أن تتطلع لدور قيادى لمعالجة الأسباب الجذرية لأسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم العربى.

وهو ما يتطلب بالضرورة تحول سياسى حقيقى فى سوريا، بوصفه الحل المجدى الوحيد لإنهاء النزاع. وقد علمتنا التجارب أن المفاوضات لا تفضى إلى مثل هذا الاتفاق إلا إذا جلست الأطراف على مائدة التفاوض وتعاملت بصدق مع المسار السياسى. لذا تحتاج سوريا إلى حشد كل الجهود العربية والدولية لدعم تحول سياسى حقيقى.

فى اللحظة التى تنبئ فيها روسيا بإمكانية تقسيم سوريا، يجب ألا ننسى أن السوريين بدأوا ثورتهم فى 2011 وهم مصرون على وحدتهم بكل طوائفهم، وبعد خمس سنوات من المعاناة غادوا ليتظاهروا سلميا ولا يأملون اليوم إلا فى إمكانية التوحد من جديد لإعادة بناء وطنهم، والتخلص من المجموعات الإجرامية التى تروم التحكم فى مصائرهم، فى دمشق كما فى الرقة. لقد اعتبر بشار الأسد توحد الشعب تهديدا له شخصيا، فزرع الرعب فى قلوب بنى وطنه والفوضى بين صفوف معارضيه. وما زال بشار يمثل حتى الآن العقبة الرئيسية فى إعادة الاستقرار والأمن إلى سوريا. فهل يساوى مصير رجل واحد المخاطرة بمستقبل شعب بأسره؟


مدير مبادرة الإصلاح العربى بباريس
بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات