انتهى الجدل وبدأ العمل على بلورة البدائل منذ أن بدأت الثورة فى سوريا لا يمر يوم دون أن يتصل مسئول سياسى او صحفى بى وبزملائى المختصين بالشأن السورى من أجل مشاورتنا. الصورة عند الجميع هى ان الحالة السورية شديدة التعقيد والخطورة وان واقعها يتطلب التريث قبل اتخاذ مواقف إلى حين ان تستعلم الحكومات عن واقع الحراك السورى وهوية المعارضة بمختلف أطيافها وعن البدائل المطروحة.
حتى بالنسبة للذين اقتنعوا فى وقت مبكر من الثورة بأن نظام عائلة الأسد قد انتهى ولا بد من زواله فهؤلاء بحاجة إلى أجوبة عن تساؤلات حول قضايا عديدة يرون انها تشكل مصدر أزمات محتملة.
فى جلسة جرت حديثا مع مسئولين أوروبيين كنت أستعد لتقديم شرح عن حال المعارضة وكان همى الأساسى ان اقدم صورة مشرفة توحى بأن المعارضة بصدد التوحد لأننى كنت أتوقع أنهم يريدون معرفة ما اذا كانت المعارضة قد اختارت رئيسا لها لكى يحاوروه. فوجئت عندما قال لى أحدهم «لا يهمنا أن نرى بروز شخصية معيّنة تصطف خلفها المعارضة بقدر ما يهمنا ان نسمع من خبراء سوريين إن كان لديهم تصور قد وضعوه بشىء من المنهجية بخصوص إمكانية ملء الفراغ الأمنى حالما يسقط النظام وتنهار مؤسساته الأمنية كما هو متوقع. هذا هو الاعتبار الرئيسى بالنسبة لنا.
«نحن مقتنعون تماما بأن النظام فقد كل شرعية وقدرة على حكم البلاد لكن من الأولويات المهمة ايضا بالنسبة لنا هو ان نسمع من المعارضة عن تصورها لشكل النظام السياسى القانونى الاجتماعى الذى تراه مناسبا لإدارة مسألة التنوع الطائفى والإثنى فى المجتمع السورى. فمازال عدد واسع من المسئولين فى الدوائر الرسمية الغربية ــ إن لم يكن أغلبيتهم ــ يرون خطرا على الأقليات وخاصة الفئات المسيحية منها وهذه الرؤية يغذيها زوار من أبناء الطائفة المسيحية الذين فقدوا الثقة بالنظام لكنهم يعبرون عن تخوفاتهم من المجهول بعد سقوطه.
لا يكفى ان تجيب المعارضة بأن النظام هو الذى عزز الطائفية طوال الأربعين عاما ويستخدمها الآن كسلاح فى مقاومة ثورة الشعب من أجل الديمقراطية. رغم ان هذا الوصف دقيق فإنه لا يقدم ما يسمح بطمأنة هؤلاء المواطنين.
المطلوب إذا وبشكل عاجل ان يعمل الباحثون السوريون على تقييم وضع المؤسسة الأمنية بكل أجهزتها للبدء بطرح التصور لإصلاحها.
والمطلوب أيضا ان تقوم مجموعات عمل من المعارضة بصياغة المبادئ التى سوف يبنى عليها الدستور والقوانين والسياسات التى تضمن المساواة بين جميع المواطنين وان تضع التطمينات اللازمة لكى تتبلور صورة سوريا الغد بعد زوال نظام الأسد ويشعر كل مواطن بالاطمئنان.
لقد بدأت المعارضة تشعر بمسئوليتها التاريخية هذه وتضع خلافاتها جنبا فقد خطت خطوة كبيرة فى هذا الاتجاه بإعلان تأسيس المجلس الوطنى السورى كإطار وطنى جامع ومباشرته فى العمل على وضع أطروحات عملية بعيدا عن الخلافات الشخصية.