يفرق أهل الاختصاص بين أربعة أنواع من القرارات: قرارات أزمة، قرارات تشغيلية، قرارات بنيوية، قرارات استراتيجية.
قرارات الأزمة أشبه بقرارات إطفاء الحرائق أو إنقاذ مريض على شفا الموت، تتبدل الاختصاصات، وقد تصل إلى مرحلة أن: من يستطع أن يفعل شيئا فليفعله على اعتبار أن معظم المجتمعات المتخلفة ليست لديها خطط إدارة أزمة. وفى هذه الأحوال يظهر الأبطال، أو الذين تخدمهم الظروف كى يصبحوا أبطالا، بما يقدمون عليه من قرارات استثنائية شعبية أو صحيحة بالخروج على الروتين العادى لدولاب العمل الحكومى أو المؤسسى.
أما القرارات التشغيلية فهى أقرب إلى إدارة المرافق وتسيير أحوال الناس والمؤسسات مثل وكيل الوزارة الذى يقوم بتسيير أعمال الوزارة فى غياب الوزير حتى يعود. وعنصر الزمن هنا مهم، فليس من المنطق أن يحكمنا منطق التسيير لمدة عدة سنوات، لكن وارد أن يحكمنا لمدة عدة أشهر.
هناك، ثالثا، قرارات بنيوية، والتى هى أقرب إلى القرارات التطويرية والإصلاحية التى لا ينتظم دولاب العمل الحكومى أو المؤسسى إلا بها، ولكنها فى نفس الوقت لها تأثير على مدى زمنى طويل نسبيا. قرار مثل ضم وزارتين أو تغيير وزير أو إلغاء مؤسسة قائمة فى حالة العمل الحكومى، أو شراء أصول جديدة فى حدود معينة فى حالة العمل الخاص، تدخل فى إطار القرارات البنيوية.
هناك، رابعا، القرارات الاستراتيجية، وهى حالة خاصة من القرارات البنيوية أو ربما العكس؛ لكن المهم أن هذه القرارات ليست تكتيكية وإنما هى قرارات جراحية تغير فى بنية الدولة أو علاقة الدولة بالمجتمع مثل قرارات تحديد الملكية الزراعية أو إلغاء الأحزاب بعد ثورة 1952. هى أقرب لقرار هدم مبنى وإعادة بنائه، وليس فقط إصلاح دورة مياه فيه.
ما هو المتوقع والمطلوب من الحكومة الحالية؟
هذا هو مربط الفرس فى تقييم، ومن ثم تقويم، أدائها. بعض الأفاضل يقولون: «وكأنه لم تحدث ثورة، وكأن كل ما حدث أنه كأن مبارك مات، ويا ليته كان مات». أكتبها مقتبسة من إحدى زميلاتى فى كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة. إذن البعض يريد ويتوقع أن يرى قرارات بنيوية وإستراتيجية أكثر مثل لجنة عليا للحوكمة ومحاربة الفساد، قرار بالتخلص من الصف الأول (وربما الثانى والثالث) من القائمين على جهاز البيروقراطية المصرية، قرار بحل المجالس الشعبية المحلية، وهكذا. وأنا هنا أقتبس ما أسمعه من كثيرين.
ولكن هذه ليست القراءة الوحيدة، فهناك من يقول: «هذه حكومة تسيير أعمال، ولا ينبغى لها أن تلزم البلاد بما لم تفوض فيه. على الحكومة تسيير الأمور إلى أن تأتى حكومة منتخبة بصلاحيات واضحة وتفويض مؤسسى من مجلس الشعب القادم».
هذه هى الفجوة بين توقعات الدور عند الناس وإدراك الدور عند القائمين به. وربما يكون أمرا معروفا للمهتمين أن داخل هذه الحكومة من يراها «حكومة ثورة» عليها أن تتخذ قرارات بنيوية وإستراتيجية لترجمة أهداف الثورة ومبادئها إلى سياسات وإجراءات، وهناك من يتعامل معها على أنها «حكومة تسيير أعمال» ينبغى أن يقتصر دورها على إطفاء الحرائق واتخاذ قرارات تشغيلية.
الفجوة بين الرؤيتين داخل الحكومة واضحة لمن هم خارجها، وإن لم تحسم بوضوح، فستكون التكلفة باهظة للجميع.